الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعتبر سعر النفط الخام الحالي (113 دولارا للبرميل أو 945 دولارا للطن) من أرخص أسعار السلع في العالم، حيث تفوق أسعار طن البلاتينوم 52000 ضعف سعر الطن من النفط الخام، والذهب 2350 ضعفاً، وسلع تقنية المعلومات 112 ضعفاً، والفضة 47 ضعفاً، والنيكل 30 ضعفاً، والنحاس 11 ضعفاً، والزنك 25 ضعفاً، والألمنيوم 4 أضعاف. حتى أسعار المواد الغذائية تفوق أسعار النفط بنسب متفاوتة تصل في المتوسط إلى 3 أضعاف في اللحوم والألبان والدواجن و5 أضعاف في الخضار.
ويخطئ العديد من (الخبراء) في اعتقادهم بأن النفط لم يدرج في أحكام النظام التجاري العالمي، ويتمادوا في خطئهم الجسيم عند إصرارهم على أن النفط سلعة تخضع لقواعد الحصص الكمية (الكوتا) كما تخضع السلع الأخرى في منظمة التجارة العالمية.
منذ إنشائها في 1 يناير 1995، نظرت هيئة حسم المنازعات التجارية بالمنظمة في 64 قضية تمس تحديد الدول للحصص الكمية لصادراتها، منها ثلاثة قضايا بشأن النفط، وأصدرت أحكامها بتبرئته من تهمة (الكوتا) لكون النفط ثروة طبيعية مثل الذهب الأصفر والفحم الأسود والمعادن الأخرى ومياه الآبار الجوفية والغابات التي تعتبر حقاً من الحقوق الحصرية والسيادية للدولة التي تملكها طبقاً لما جاء في المادة 11-2-آ والمادة 21 من اتفاقيات المنظمة.
كما لا توجد مادة قانونية واحدة في أحكام كافة المنظمات الدولية تعطي الدول الأعضاء فيها حق مقاضاة جنوب أفريقيا لأنها توقفت عن استخراج الذهب من أراضيها، أو توجيه اللوم لبريطانيا لأنها رفضت بيع مياه أنهارها وتصدير مياهها الجوفية، أو معاقبة أمريكا لأن مصانعها احتكرت المعادن المستخرجة من مناجمها، أو مواجهة كندا والبرازيل وتايلند لأنها توقفت عن تصدير غاباتها.
في الأسبوع الماضي ساهم أحد هؤلاء (الخبراء) في مجلس النواب الأمريكي بتوريط زملائه في إصدار قانون من المجلس تحت اسم “محاسبة أوبك”، يدعون فيه كلاً من الرئيس الأمريكي والممثل التجاري الأمريكي لرفع دعوى قضائية ضد دول منظمة أوبك لكونها المسؤول الأول عن ارتفاع أسعار النفط نتيجة تكتلها لتخفيض الإنتاج مما أضرّ بالاقتصاد الأمريكي.
أخطأ مجلس النواب في استخدام أحكام اتفاقية منظمة التجارة العالمية لكونها لا تمت بصلة للثروات الطبيعية ومنها النفط. فالمادة 11 في فقرتها الأولى تنص على أنه لا يجوز لأي دولة أن تنشئ أو تحتفظ بأي حظر أو قيود على السلع الصناعية، عدا عن الرسوم والضرائب أو الأعباء الأخرى، سواء تم إنفاذها عن طريق الحصص أو تراخيص الاستيراد أو التصدير أو غير ذلك من التدابير.
ودول أوبك لا تستخدم أو تطبق مثل هذه التدابير على صادراتها من النفط. وكذلك المادة 21 التي حددت في فقراتها الثلاث الاستثناءات الخاصة بالمصالح الأمنية المرتبطة باستيراد وتصدير السلع، ولا علاقة لأحكام هذه المادة بالنفط أو المعادن الأخرى ما عدا الحظر المفروض على المواد الانشطارية أو المواد المشتقة منها والأسلحة والذخائر والمعدات الحربية والسلع الأخرى المنقولة لغرض إمداد مؤسسة عسكرية بها، أو الحظر المفروض على المتاجرة نتيجة الحالات الطارئة في العلاقات الدولية.
ومع أن قواعد المنظمة تشير إلى أن النفط مشمول باتفاقاتها التي تغطي التجارة في كافة أنواع السلع، إلا أن قواعد المنظمة لا تطبق على النفط ومشتقاته بكامل قواها وبنفس الطريقة التي تطبق بها على المنتجات الصناعية الأخرى. فبينما نجد أن الرسوم الجمركية المفروضة على كافة المنتجات الصناعية في الدول المتقدمة مربوطة بسقوف محددة، نجد أن هنالك 22 دولة من أعضاء المنظمة لم تلتزم بربط وتحديد السقوف الجمركية على النفط الخام ومشتقاته، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، مما يمنحها الحق في رفع هذه السقوف بنسب كبيرة لتتسبب في ارتفاع السلع النفطية ومشتقاتها على المستهلكين بين هذه الدول.
ولكن إصرار (خبراء) مجلس النواب الأمريكي على خطئهم بإصدار قانون “محاسبة أوبك” جاء بناء على اعتقادهم بأن دول منظمة أوبك تمارس التكتل المشوّه للتجارة من خلال تخفيض إنتاج النفط لكي ترتفع أسعاره في الأسواق العالمية. واستند (الخبراء) في نظرية التكتل إلى قانون “شيرمان” الذي حمل اسم مؤلف نظام مكافحة الاحتكار السيناتور الأمريكي الجمهوري “جون شيرمان” الصادر في 2 يوليو 1890. وهنا أيضاً فشل (خبراء) مجلس النواب الأمريكي في اتهام الدول المصدرة للنفط بنظرية التكتل، لأن هذه الثروة الطبيعية مثل المعادن الأخرى والمياه الجوفية ومساقط المياه والغابات هي ملك حصري وسيادي للدول المنتجة لها وليست ملكاً للشركات، وبالتالي فإن أحكام قانون “شيرمان” لا ينطبق على الحكومات لأنه يقتصر على مكافحة التكتلات في قطاع الأعمال فقط.
كان الأجدى بهؤلاء (الخبراء) أن يحاسبوا حكوماتهم والدول المستهلكة للنفط ومشتقاته ويطالبوها بإلغاء الضرائب التمييزية المفروضة في أسواقهم على مشتقات النفط بنسب وصلت في المتوسط إلى 27% في أمريكا و63% في إيطاليا و65% في هولندا و67% في كل من فرنسا وألمانيا وبلجيكا و68% في بريطانيا. هذه الضرائب التمييزية التي تجنيها حكومات هذه الدول من المستهلكين هي التي تشوه التجارة الحرة وتعيق انسياب النفط بين الدول وتؤدي إلى تفاقم أسعار مشتقاته وتكبد المستهلك الأمريكي والأوروبي 3 إلى 4 أضعاف سعر النفط الذي تبيعه دول أوبك.
بل كان من الأفضل لهؤلاء (الخبراء) أن يشجعوا حكوماتهم على مجاراة دول أوبك في مقدار مساهمات صناديقها التنموية في تنمية الدول النامية والفقيرة التي فاقت مئات المليارات من الدولارات وصرفت على آلاف المشاريع التنموية لتستفيد منها 121 دولة نامية وتساهم في زيادة دخل الفرد الواحد في 34 دولة فقيرة إلى 80% في المتوسط.
علينا تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الدول المستهلكة للنفط حتى لا ينجح مثل هؤلاء (الخبراء) في سنّ القوانين العشوائية مثل قانون “محاسبة أوبك” الذي لا يعتد به.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال