الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعيش العالم حالة متقدمة جداً من الترابط الاقتصادي لم يسبق لها مثيل, حيث أن تطور الأعمال اللوجستية التي تربط سلاسل الإمداد وتعدد الأدوات المالية والتقنية المتداولة عالمياً زادت من وتيرة التعاون التجاري وانفتاح الأسواق على بعضها وبالتالي زادت من اعتماد اقتصادات دول على أخرى.
هذه الحالة المتقدمة من الترابط الاقتصادي كما أن آثارها الايجابية واضحة في نمو الاقتصاد العالمي إلا أن لها آثار سلبية فتاكة في الظروف الغير طبيعية وهو ما شهده العالم في أزمتي كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية.
من العوامل الوبائية إلى العوامل الجيوسياسية من يصمد؟
المحركات الاقتصادية سريعة ومتغيرة وفي فترة قصيرة جداً تحولت من العوامل الوبائية إلى العوامل الجيوسياسية وفي كل أحوالها تسقط معها اقتصادات دول وتصمد فيها اقتصادات دول أخرى , تلك الدول التي خططت في بناء اقتصادها على التنوع والتحكم في بعض السلع الاساسية التي تعتمد عليها الدول الأخرى.
ما تعيشه روسيا اليوم هو نموذج واضح للتحوط الاقتصادي حيث وبالرغم من الحصار الذي تواجهه من دول الغرب إلا أنه ارتفعت قيمة عملتها الروبل وكان ذلك بما تملكه من أدوات تحوط بسبب الأسس الاقتصادية التي بني عليها الاقتصاد الروسى والقائم على التنوع في السلع الأساسية حيث بالإضافة أن روسيا من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم فهي أيضاً تمتلك احتياطات كبرى من سلع أساسية أخرى مثل الذهب والفضة والبلاتينيوم والألمنيوم والفحم والحديد والنحاس وكذلك الفولاذ, كما أن روسيا تمتلك صناعة أسلحة كبيرة ومتطورة وهي كذلك قادرة على تصميم وتصنيع معدات عسكرية عالية التقنية.
معدلات تضخم أسرع بسبب صعوبة التنبؤ بالأحداث
مع تسارع الأحداث العالمية تتعدد السيناريوهات على الآثار المترتبة على اقتصادات الدول وعلى الاقتصاد العالمي كمجمل وتوقعات التضخم والسياسة النقدية في نهاية المطاف حيث لا يمكن قراءة السياسة ببساطة من مجرد توقعات بل هو مشروط حول كيفية تطور الأحداث وفي الظروف الحالية يزداد الأمر تعقيدًا بسبب أهمية التفاعل المشترك بين الافتراضات التي تقوم عليها التوقعات .
الزخم التضخمي عالمياً قوي حاليًا بسبب زيادات كبيرة في أسعار الطاقة والأغذية وبقية السلع الأساسية ورؤية أسعار السلع الأساسية ترتفع أكثر سيؤدي ذلك إلى تأثيرات أقوى متمثلة في ارتفاع الأجور وسلوك تحديد الأسعار حيث أنها تنمو بمعدلات أقوى مما يمكن اعتباره متسقة مع هدف التضخم وهو ما يؤثر على هوامش الربح فيقضي التضخم الغير متوقع على القدرة الشرائية والاستثمارات في آن واحد .
اقتصاد بلا أدوات سريع الانكشاف
تزداد التحديات بشكل أكبر في تلك الاقتصادات التي تنكشف مباشرة للأحداث العالمية بسبب عدم امتلاكها لأدوات التحوط والتنوع الاقتصادي ويأتي تأثير ذلك بعدة صور:
– تعطل المشاريع التنموية بسبب اعتمادها على استيراد السلع الأساسية و تعطل سلاسل الامداد عالمياً .
– زيادة معدل التضخم بسبب وقف بعض من الدول تصدير عدد من السلع الأساسية بهدف زيادة الأمن الغذائي والاقتصادي المدفوع بمخاوف شح الإنتاج وزيادة الطلب.
– الدخول في الانقسامات الجيوسياسية للحصول على سلع أساسية أو فقدان تلك السلع ,على سبيل المثال انقسام كبير في أوروبا تجاه الموقف الروسي حيث لم توفر العديد من الدول الأوروبية بدائل للطاقة الروسية وعلى ضوئها بدأت كل دولة تعيد النظر في مصالحها.
رؤية المملكة 2030 “تنوع اقتصادي يتيح أدوات عديدة للتحوط”
عززت رؤية المملكة 2030 مركز المملكة الاقتصادي على الخارطة العالمية وذلك بإصلاحات جذرية هدفها تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على السلعة الواحدة لخلق اقتصاد متين ومتنوع قادر على امتصاص الصدمات الاقتصادية والتقلبات الجيوسياسية.
الرؤية أعطت الاقتصاد السعودي عمق أكبر وخلقت حواجز متينة تمثلت بالتركيز على القطاعات التي تمثل مصدر قوة للمملكة مثل الثقافة والسياحة وتعزيز المحتوى المحلي بالاستفادة من المشتريات الحكومية وكذلك تطوير المنظومة اللوجستية بالاستفادة من موقع المملكة الجغرافي , تلك الإصلاحات أصبحت اليوم درع متين يحمي المملكة من الانكشافات الاقتصادية.
الخروج من نمط الاقتصاد التقليدي تطلب جرأة وشجاعة واستشراف للمستقبل وأحداثه , المرونة والتوازن بين القطاعات الرئيسية في اقتصاد الدولة أعطى ديناميكية أعلى للاقتصاد السعودي والذي كان سبباً رئيسياً بعد الله بعدم تأثر اقتصاد المملكة من التقلبات الوبائية والجيوسياسية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال