لماذا الاندماج والاقتناء؟

منذ ظهور الشركات المساهمة واستقرارها بشكلها القانوني الحالي في العالم وهي تسعى إلى السيطرة على بعضها البعض بحثاً عن زيادة الحجم لتوسيع النشاط، واكتساب الأسواق، وزيادة القدرة على المنافسة، وتحقيق الأرباح لإغراء المستثمرين. ومع منتصف القرن العشرين ظهر ذلك جلياً فيما يعرف بعمليات الاندماج والاستحواذ.

ان الدمج والاقتناء هما شكلان من اشكال انضمام الشركات الى بعضها للاستفادة مقدرات تكاملية متوفرة لديها. وتتم عملية الاستحواذ عن طريق شراء حصة مسيطرة في أي شركة خاصة كانت او مساهمة عامة “مدرجة في البورصة”، أي ان الاستحواذ او الاقتناء عملية ضم لشركتين او أكثر تزول من الوجود قانونيًا بموجبها كل الشركات الداخلة في العملية باستثناء شركة واحدة تبقى عاملة باسمها وكيانها القانوني الأصلي.

اما عملية الاندماج هي دمج او ضم لشركتين او أكثر بحيث لا تستحوذ أي منهما على الأخرى بل تحل بموجبه الشركات الداخلة في العملية وتؤسس شركة جديدة، وفي الواقع غالبًا ما يستخدم هذا المصطلح بصورة مضللة لوصف أي عملية من عمليات الاستحواذ، وتعتبر أدبيات علم التمويل ان الدمج هو المفهوم الأوسع والاعم لذلك يشار الى الاستحواذ على انه دمج.

وللمعلومية وصـلت مبـالغ وأحجام عمليـات الانـدماج والاستحواذ الى مـستويات قياسـية غيـر مسبوقة فــي الوقــت الراهن اذ تعد عمليات الاندماج والاستحواذ بصفة عامة عنصرًا جوهريًا في قطاع تمويل الشركات والاعمال التجارية في كافة انحاء العالم.

 اذ سجل عام 2015 رقمًا قاسيًا للصفقات التجارية عالميًا بلغت قيمتها 4,7 تريليون دولار امريكي.

 لكن تلك القيمة انخفضت بنسبة 17% عام 2016 لتصبح قيمتها 3,9 تريليون دولار، ثم انخفضت مجددًا بنسبة 5% لتصل الى 3,7 تريليون دولار في عام 2017، ثم الى 4.1 مليار دولار في عامي 2019, 2018، ارتفعت أحجام عمليات الاستحواذ والاندماج بنسبة 63% إلى 5,63 تريليون دولار في العام 2021 

حيث شهدت عمليات الاندماج والاستحواذ نمواً كبيراً في جميع أنحاء العـالم خـلال العقديـن الأخـيرين متجاوزة الرقم القياسي السابق خلال الأزمة المالية البالغ 4,42 تريليون دولار في العام2007.

نأتي للسؤال الأساسي هنا، لماذا الاندماج والاستحواذ؟

 توجد أسباب متعددة وراء عمليات الاندماج او الاستحواذ الشركات، وهذه الأسباب ليست مستقلة تمامًا عن بعضها البعض بل يوجد ترابط فيما بينها، كما لا تقوم الشركة التي تدار من قبل إدارة جيدة بعملية استحواذ الا إذا كانت هذه العملية ستؤدي الى انشاء قيمة جديدة للمساهمين او تحسين القيمة الحالية، بمعنى ان تكون قيمة الشركة الناتجة أكبر من مجموع قيمتي الشركتين كلٌ على حدة.

ولعل اهم أسباب الاندماج هو الحصول على معدل نمو عالِ. فالنمو هدف استراتيجي تسعى اليه معظم الشركات والنمو الخارجي على وجه الخصوص وذلك عن طريق الدمج هو المرغوب بالنسبة للشركات على النمو الداخلي لأنه أرخص وأسرع وأسهل، بالإضافة الى ذلك ان عملية شراء او اقتناء شركة جاهزة بموظفيها وادارتها وتنظيمها ومقدرتها الإنتاجية والتسويقية والتمويلية أكثر سهولة واقل مخاطرة، وكلما كانت الشركة أكبر حجمًا زادت قدرتها على تحقيق هوامش ربح وعوائد أفضل من الشركات الأصغر منها.

ومن حوافز او أسباب الاندماج ايضًا هو العوامل التمويلية. فاذا كانت الشركة تستعمل الدمج كاستراتيجية للنمو فانه يهمها إذا كانت الشركات المستهدفة تتوفر لديها سيولة نقدية او قدرة على الاقتراض غير مستعملة.

وقد يقوم المستحوذ بشراء شركة تنتج مجموعة واسعة من المنتجات التكميلية لمنتجاته ومن خلال الوصول الى المنتجات يستطيع تحقيق قيمة مضافة بزيادة الإيرادات وخفض التكلفة.

وتستطيع الشركة اقتناء الشركات وذلك بسبب موقعها الجغرافي لتحقيق قاعدة عملاء أوسع لمنتجات الشركة، بالإضافة الى شراء الشركات التي تعمل في مجال مختلف فهذا يسمح لهم باستخدام اقسام مركزية لخدمات الدعم مثل (المحاسبة، الضرائب…الخ)

كما يوفر الاندماج بالشركات التقنية الى استخدام التكنولوجيا المتقدمة والخبرات الفنية والصناعية والتدريب للعمالة وهو ما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية وتطوير الأنظمة الإدارية والمالية.

كما ان قد تقوم الشركة بالدمج مع الشركات الأخرى في حالات هبوط الأسواق وقد تكون الأصول متاحة للشراء بسعر أرخص الاندماج وقد يكون الحل المثالي لبعض الشركات المتعثرة والمهددة بالإفلاس.

 ويجب عدم اغفال الأسباب الشخصية للدمج أي قد يشتري أحد المشجعين الأثرياء فريق كرة القدم المفضل لدية.

 وللاندماج او الاقتناء الكثير من الدوافع اما بهدف الحماية ضد حركات المنافسين او بسبب الضغط التنظيمي او بسبب حل الشركة وبيع اجزائها والعديد من الأسباب التي تدفع الشركة للدمج والاقتناء.

إذن لا نستطيع القول ان وراء الاندماج او الاقتناء سبب بعينه بل هناك عدة أسباب لاندماج الشركات فقد يكون سببها يعود إلى السعي وراء تحقيق معدلات نمو عالية بأقل التكاليف، الاستفادة من اقتصاديات الحجم الواسع، تخفيض خطر الأعمال بتنويع نشاطات العمل، استغلال مقدرات التمويل المتوفرة لدى الشركة او الشركات المقتناة، الوصول الى التكامل في المقدرات او غيرها من الأسباب.