الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تواجه اقتصاديات غالبية الدول مزيج معقد من التحديات الاقتصاديَّة المقلقة للأفراد والمنشآت وصناع القرار. طبيعة التحديات وتبعاتها السلبية على أداء الاقتصاد، ورفاهية المجتمع أفرزت سجالاَ واسعاَ في وسائل الإعلام تركز على عدد من متغيرات الاقتصاد الكلي ومفاهيمه الأساسية ؛ التضخم، البطالة، سعر الفائدة، الركود، إلى جانب فعالية سياسات إدارة الطلب، وتأثيراتها.
تهدف هذه المساهمة المتكونة من جزئين إلى تقديم مراجعة سريعة ومبسطة لعدد من المفاهيم الاقتصاديَّة الأساسية وترابطها. نبدأ جولتنا من تعريف التضخم؛ المفهوم الأكثر تداولاَ ورهبةَ إبان المرحلة الراهنة، وبيان مصادره، وتوضيح تبعاته السلبية، وعرض آليات معالجته.
يعرف التضخم؛ بالارتفاع المتواصل في المستوى العام للأسعار. فزيادة مستوى الأسعار لمرة واحدة فقط واستقرارها لا تعد تضخماَ. يعبر التضخم عن معدل التغير في مؤشر الأسعار الاستهلاكية ” Consumer price index”، الذي يقيس كلفة شراء حزمة معينة من السلع الأساسية التي تعبر عن نمط شراء المستهلكين، في فترة زمنية محددة.
ما هي مصادر التضخم ، وكيف ينشأ ؟
هناك مصدرين” سببين ” أساسيين للتضخم، كلاهما ناجم عن حالة عدم توازن السوق؛ تباين كمية الطلب الكلي عن كمية العرض الكلي” الإنتاج”.
الأول.التضخم الناجم عن جانب الطلب ” Demand Pull Inflation”.يرجع هذا النمط الى اختلال توازن السوق الناجم عن زيادة الطلب الكلي بمعدلات تفوق الزيادة في العرض الكلي. هذه الفجوة “الطلبية” وعدم قدرة الطاقة الإنتاجية على تلبية الطلب المرتفع تخلق شحة في المنتجات المتوفرة في السوق، وتسحب أسعار السلع الى مستويات تفوق السعر التوازني.
الثاني . التضخم الناجم عن جانب العرض “Cost Push Inflation”، ويعزى إلى انخفاض كمية العرض الكلي للسلع جراء ارتفاع كلف الانتاج المترتبة عن زيادة أسعار عناصر الإنتاج، او تعطل سلاسل الإمداد ، دون تغير مستوى الطلب الكلي، مما يؤدي إلى ” فجوة إنتاجية ” وعدم توازن السوق، وارتفاع المستوى العام للأسعار.
وتجد الإشارة إلى لجوء نفرا من الاقتصاديين والإعلاميين الاقتصاديين الى مقولة الاقتصادي الامريكي الكبير “ملتون فريدمان Milton Friedman ” الشهيرة ” التضخم دائما وفي كل مكان ظاهرة نقدية “، لتفسير الضغوط التضخمية !هذه المقولة المنطلقة من موقف عقائدي “أيديولوجي” معروف،عجزت عن تفسير الضغوط التضخمية في تجارب متعددة،لا سيما تلك الصادرة عن اضطرابات جانب العرض!
ثمة قلق واسع ومشروع من معدلات التضخم الراهنة،ومخاوف جادة من تفاقم الضغوط التضخمية في المراحل الزمنية المقبلة . دواعي القلق من التضخم وخطورته ترجع الى تأثيره السلبي والمباشر في خفض حجم الطلب الاستهلاكي، وتناقص قوة الافراد الشرائية، مما يؤدي إلى تراجع الطلب الكلي على السلع والخدمات، وانخفاض حجم الإنتاج، وتراجع طلب المنشآت الخاصة على عنصر العمل. للتضخم العديد من التداعيات السلبية والمؤثرة في أداء الاقتصاد ونموه واستقراره.وتبعات مباشرة على مكونات الاقتصاد الأساسية، ومنها تأثيره السلبي في رفاهية المستهلكين خاصة، لعل أهمها:
لا جدال في صعوبة كبح جماح الضغوط التضخمية المتفاقمة. أحد أهم تحديات المعالجة تكمن في عدم توفر سياقات تصحيحية” وصفة” عامة يمكن توظيفها لمعالجة ارتفاع الأسعار. فاختيار آليات معالجة التضخم تتباين تبعاَ لطبيعته ومصدره وحدته، الى جانب حالة الاقتصاد ،وسوق العمل ، وعوامل اقتصادية ومالية أخرى. معالجة الحكومة و/ أو السلطات النقدية تبعات التضخم غالبا ما تتم بتوظيف سياسات ادارة الطلب؛ توظيف أدوات السياستين المالية والنقدية للتأثير على الطلب الكلي، والسيطرة على مستوى الأسعار.
ثمة ثلاث خيارات أساسية متاحة لأصحاب القرارين السياسي والاقتصادي:
اولاً: توظيف أدوات السياسة المالية لتخفيف حدة زيادة الطلب الكلي وتسارعه، بتبني سياسة مالية انكماشية تتضمن تقليل الإنفاق الحكومي أو رفع نسب الضرائب أو كلاهما بشكل متزامن.
ثانياً: استخدام السياسة النقدية للتأثير على الطلب الكلي بتخفيض عرض النقد. تخفيض “السلطة النقدية” لعرض النقد يؤدي الى ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض مستوى الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي، وتراجع الطلب الكلي على السلع والخدمات.
ثالثا: استخدام مزيج متوازن من أدوات السياستين المالية والنقدية للتأثير على الطلب الكلي، والحد من ارتفاع مستوى الأسعار. هذا الخيار قد يمثل الحل الأمثل لمعالجة الضغوط التضخمية الراهنة.
(يتبع)
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال