من الرياض لكم في دافوس سلام

الإيطاليون يرفضون فكرة شراء القهوة عبر منافذ البيع السريعة من السيارات، أو ما يطلق عليها Drive-through لأنهم يؤمنون بأن ثقافة القهوة في بلادهم تحتم عليك أن توليها حقها من العناية. هم لا يرون أن القهوة يجب أن تشرب وأنت واقف في الممرات، أو تحملها متنقلا بها بين الاجتماعات، كما وأنهم يعتبرون تلك الأفعال ثقافة دخيلة لا تعبر عن موروثهم الذي يعكس الاهتمام بهذه السلعة على مدى سنوات طويلة. القهوة بالنسبة لهم تعبير عن لحظة سعيدة تعيشها بكل تفاصيلها، فلا ينبغي أن تكون جزءا من عصر السرعة. وربما يكون هذا السبب هو الذي فشلت بسببه كثير من العلامات التجارية سابقا في الدخول إلى هذا السوق، حيث لم تستطع فهمه. ونحن نعلم في مبادئ الإدارة أن أبسط قواعد النجاح تعني أنك يجب أن تعرف عميلك بشكل جيد حتى تنجح في سوقه. العناية بثقافتك وموروثك ليست من باب الترف أو أمر جميل فقط يمكنك أن تقوم به وقتما تشاء، وتتخلى عنه عندما ترى أنه لا يعني لك شيئا. لكن المسألة في حقيقة الأمر هي جزء لا يتجزأ من مسلماتك في الحياة.

لازلت أذكر تلك السيدة العجوز في أحد المطاعم الإيطالية، وهي تعاتبنا عتاب يصل بشكل أو بآخر إلى حد التوبيخ لا لشيء سوا أننا تجرأنا على طلب إضافة أحد أنواع الصلصات لطبق إيطالي فاخر، فرأت هي في ذلك إهانة لا يمكن أن تغتفر من قبل زائر لا يهتم بثقافة البلاد، أو الطريقة الصحيحة التي يجب أن تقدم بها هذه الوجبة. كان ذلك التوبيخ بمثابة درس لا يمكن أن أنساه ما حييت.

على المستوى المحلي لدينا ثقافتنا الخاصة التي فرضت نفسها عبر السنين. جرب أن تقوم برحلة برية في صحراء المملكة، فتتنقل من مدينة لأخرى برا لتكتشف أنك مع كل منطقة مأهولة تمر بها ستلاحظ دلال القهوة مهيأة لاستقبال الضيف وفي حالة من الجهوزية الكاملة أيا كان الوقت الذي تقوم فيه بالزيارة.

أما في دافوس، حيث يجتمع خبراء الاقتصاد ليناقشوا ما يستجد من أحداث اقتصادية على الساحة فنحن نتواجد هناك ونبقى متأهبين لسحر الحديث وجماله. ومع ذلك فنحن لنا حضور لافت حين تتشكل كلماتنا بالفخر لأننا نهتم بأدق التفاصيل. هذا العام تواجدت القهوة السعودية في شوارع دافوس لتعكس أصالتنا التي طالما تشربانها عبر السنين. ومن يتهيأ للمنافسة فلابد أن يعلم أن هناك قوة خفية لأولئك المتواصلين عبر الأرواح بموروثهم. حين تعجز الكلمات، وتبقى الألسن بلا قدرة على التعبير، فاعلم أن رسالتنا ممتدة لتتواصل مع الآخر حتى في أقصى مدن الأرض. في دافوس اليوم رسالة إبداع لوصال بنبرة حب فلا يسعنا سوى أن نقول لكل من سعى في تحقيق هذا الإنجاز “من الرياض لكم في دافوس سلام “