الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا اعتقد ان هناك شخص لم يشاهد لعبة رياضية، سواء كرة قدم، او سباحة، او تنس، او ركوب الخيل…الخ. كما اعتقد ان معظم الاشخاص سبق وأن مارسوا أحد الرياضات المختلفة. نحن كأفراد، نمارس الرياضة ونلعبها ، نشاهدها لأهداف متنوعة. منا من يهتم بالرياضة من أجل التسلية ، أو من أجل الوصول لأهداف اخرى، سواء كانت أهداف معنوية، جسدية، مادية. لكن السؤال الحقيقي، لماذا نهتم بالرياضة، وتكرس الدول لها جهود جبارة من حيث دعم المؤسسات والهيئات، ورصد الميزانيات، وانشاء الأكاديميات، وسن القوانين، بناء المحاكم المتخصصة في ذلك. التكلفة المرتفعة التي تصرف على الرياضة، بالتأكيد ليست فقط من اجل التسلية. كل نوع من أنواع الرياضة لها تاريخ نشأة، لكن هذا المقال سيتناول تاريخ كرة القدم بحكم انها تعد أقدم الرياضات في التاريخ، والسبب من وراء تطويرها.
أول الأمثلة المعروفة للعبة كرة القدم هي تلك التي تتضمن كرة مصنوعة من صخرة حدثت في ثقافات أمريكا الوسطى القديمة منذ أكثر من 3000 عام. كانت تمارس هذه اللعبة بعض المناسبات الدينية، وكانت الكرة ترمز إلى الشمس، ويتم التضحية بقائد الفريق الخاسر بذبحه أمام الآلهة التي عبدوها آنذاك. تعتبر أول ممارسة لكرة القدم بشكل مشابه قليلا لما هي عليه في وقتنا الحالي في الصين. حدثت أول لعبة كرة معروفة والتي تضمنت أيضًا الركل في الصين في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد تحت اسم cuju. تم لعب Cuju بكرة مستديرة (جلد محشي بالفراء أو الريش)، ويتم لعبها على مساحة مربعة.
ولكن التكون الحقيقي لكرة القدم حصل في انجلترا منذ القرن الثاني عشر ميلادي. لكن لم يكن لها قواعد موحدة ولا نظام موحد، وكانت كل لعبها يقرر قوانينها لاعبيها. وانتشرت ممارستها وزاد اهتمام الناس بها فلم تخل أي مباراة من شجار المشجعين واللاعبين، حتى أصدر الملك إدوارد الثاني قانونا بتجريم كرة القدم وسجن كل من يمارسها وذلك عام 1314م وذلك حتى يتفرغ مواطنين الدولة لتنمية مهارتهم في الفروسية و رمي القوس والسهام من أجل تغذية الجيش الانجليزي وتقوية الدولة من الناحية الحربية. الى هنا، كانت كرة القدم لعبة من اجل التسلية وملء أوقات الفراغ للشباب. لكن ماذا حدث عندما تم تجريم ممارسة كرة القدم منذ القرن الثاني عشر الى منتصف القرن التاسع عشر؟
كان سبب تجريم كرة القدم بسبب امتزاجها مع لعبة الرجبي العنيفة، وبالتالي كانت رياضة عنيفة جدا لدرجة ان المباريات كانت بمثابة حلبات الملاكمة العنيفة. لكن هذا المنع، جعل الشباب يفتقدون للانشطة الاجتماعية التي تجمع ما بين المنافسة والحماس والمتعة.لذلك في منتصف القرن التاسع عشر، كانت البداية الحقيقية لوضع أنظمة وقوانين للعبة كرة القدم. ولازالت الـى الان لعبة للمتعة والتسلية، ومع القوانين أصبحت وسيلة لبناء روح المنافسة النزيهة و الروح الرياضية.
الى ان وصلنا لفكرة تنظيم كأس العالم للأندية، وهنا خرجت لعبة كرة القدم من مجرد لعبة للمتعة، الى مورد اقتصادي هائل، والتي بدأت عند أول تنظيم لكأس العالم للأندية الذي اقامه رجل الاعمال المشهور توماس ليبتون “مؤسس شاي ليبتون” على الرغم من معارضة الاتحاد الانجليزي لنقل هذه اللعبة من المنافسة على النطاق المحلي الى النطاق الدولي. ورغم ذلك، اتحد ليبتون مع فريق عمال المناجم. استغل ليبتون الثروة التي جناها من تجارة الشاي ليصرف أموالًا طائلة في كرة القدم وبالخصوص على المنتخب الاسكتلندي، كما أنه قام بتنظيم أول بطولة دولية تجمع الأندية سنة 1909، و الاخرى في عام 1911, ليصبح الكأس تحت مسمى كأس السيد توماس ليبتون. السؤال الذي يتوارد للأذهان هو لماذا ليبتون أنفق جزء كبير من ثروته التي بذل جهد كبير في جمعها على كأس كرة العالم للأندية؟
في الواقع، ليبتون كان رجل أعمال عبقري وفكر خارج الصندوق. قبل عقد هذه المباريات الدولية، كان منتج الشاي الذي ينتجه بدأ بالكساد، هي أنه يباع بقيمة تفوق قدرة الافراد المادية آنذاك. فكان يبيع الشاي على عمال المناجم بأسعار زهيدة، تصل به لسعر التكلفة، مما جعله يخسر. هذه الخسارة حثته على إيجاد طريقة لحل هذه المشكلة. ليبتون يعلم ان كرة القدم هي لعبة ساحرة، ويعلم ان عدد المتابعين لها انذاك يفوق 300 ألف متابع. لذلك، قرر ان يرعى كأس العالم للأندية، وينفق عليه مبالغ طائلة، ويعوض ذلك من خلال الحضور الذين سيكونون في المباراة. كما انه سيقوم وضع إعلانات ولافتات في كل مكان في الملعب لشاي ليبتون. ومن هنا انقذ ليبتون شركته والتي لازالت حتى يومنا الحاضر ايقونة للشاي.
الهدف من هذا المقال، هو أن الرياضة ليست لعبة للتسلية فقط وليست هدرا للمال. ولو كانت كذلك، لما سن لها الانظمة و القوانين، ولما استخدمتها الدول كقوة ناعمة لفرض نفوذها السياسي مثلما تفعل الدول الاوربية الان. ولما استخدمت كمصدر أساسي للاقتصاد في كثير من الدول. لذلك لابد من رعاية الرياضة كما يرعى الاب ابنه بتعليمه وتطويره وتربيته و مراقبته حتى يبنى مستقبلا باهرا ومشرفا لنفسه ولذويه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال