الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الأسباب التي أدت لرفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5٪ إلى 15٪ كانت استثنائية جدا، وذكرت في حيثيات القرار في حينه. والتي تمثلت في جائحة كورونا وما تبعها من إغلاق للاقتصاد، ونفقات مكافحته بما فيها الحفاظ على دخل المواطن ثابتا. بالاضافة إلى التراجع الكبير في أسعار النفط نتيجة الجائحة أولا ولتراجع الطلب العالمي على النفط ثانيا.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحالي في المملكة من جوانب كثيرة، يحتم مراجعة معدل الضريبة، والعمل على تغييرها بما يخدم الاقتصاد والمواطن على حد سواء. والأسباب التي تدعو لضرورة مراجعة الضريبة تتمثل في الأتي:
بداية الأسباب التي دعت إلى رفع الضريبة إنتهت تماما، فكل احترازات كورونا تم إلغاؤها، وتم فتح الاقتصاد منذ وقت طويل، وعاد النشاط الاقتصادي لما كان عليه قبل الجائحة، بل أفضل مما كان. كما أن أسعار النفط والطلب عليه اقتربا من المستويات التاريخية الأعلى، ومن المتوقع أن يستمر هذا الارتفاع في الطلب والاسعار لفترة طويلة قد تمتد لسنوات. بسبب الحرب الاوكرانية، والعقوبات على روسيا، حتى وإن حدث تراجع للاسعار فمن غير المتوقع أن يكون كبيرا بدرجة مؤثرة في الميزانية، للاسباب السابقة. كما تشير بعض التقارير إلى أن عوائد النفط السعودي تبلغ مليار دولار يوميا، ويؤكد ذلك ما صرح به وزير المالية أن ايرادات الميزانية فاقت التوقعات، وحققت أعلى فائض فصلي لها منذ ست سنوات.
لكن يظل السبب الأهم لضرورة مراجعة الضريبة هو العبء الكبير جدا الذي يتحمله المواطن. حيث أرهقت الضريبة العالية كاهل جميع المواطنين أيا كان مستوى دخلهم، لكن المواطنين من الطبقة الوسطى والاقل يتحملون العبء الاكبر، ويمثلون غالبية المجتمع. فنسبة 15٪ ضريبة على جميع السلع والخدمات عالية جدا، خصوصا أنها لا تستثني أي سلعة أو خدمة بما فيها السلع والخدمات الضرورية مثل الأكل والشرب والسكن. وذلك يعني أنه لا يمكن تحاشيها أو التخفيف من أثارها السلبية.
وزاد الأمر سوءا استمرار ارتفاع التضخم الذي تسببت به عوامل كثيرة منها كورونا، والحرب الاوكرانية، والكوارث الطبيعية، وحظر بعض الدول تصدير منتجاتها الغذائية، وارتفاع اسعار المواد الأولية، ومشكلات سلاسل الامداد، كل ذلك أدى إلى تضخم عالمي. وكون السعودية مستوردة لمعظم احتياجاتها من السلع والخدمات، فإن التضخم داخليا يتضاعف نسبة وتأثرا. حيث بلغ التضخم في أخر نشرة للاحصاء 2.3%، وتجاوز تضخم بعض السلع هذا الرقم بكثير، وهي نسبة عالية جدا بكل المقاييس.
فضريبة القيمة المضافة العالية، والتضخم، بالاضافة إلى تدني متوسط الرواتب والأجور، الذي يبلغ 10 الاف ريال للقطاع العام، و 7 الاف ريال للقطاع الخاص، كل ذلك جعل المواطن يعاني من تأمين الاحتياجات الضرورية. وتشير العديد من الدراسات العالمية إلى أن كورونا، والتضخم استنزفا مدخرات الطبقة الوسطى في دول العالم، والسعودية ليست استثناء.
وتأثرت قدرة المواطنين على الاستثمار المستقبلي، وتحديدا بشراء المنازل أو الاراضي، ليس فقط لتآكل مدخراتهم، وضعف قدرتهم الشرائية، بل أيضا لتضخم العقارات بصورة غير مسبوقة.
وفي قطاع الاعمال تضررت المنشآت الصغيرة والمتوسطة بعنف خلال فترة كورونا، وغادر عدد كبير منها السوق حينها. وقبل أن تستعيد عافيتها بعد انتهاء احترازات كورونا، ضربها التضخم بقسوة، وبوجود ضريبة القيمة المضافة العالية أصبح الضرر أكبر وأشد عنفا وقسوة، وقد يهدد وجود كثير منها. ومن المعلوم أن تلك المؤسسات هي الموظف الاكبر، لذلك فمن المتوقع أن يتأثر سلبا معدل التوظيف (البطالة)، وكذلك مقدار الرواتب والاجور المدفوعة.
وفيما يتعلق بتعويض المدخرات الذي تحدث عنه معالي وزير المالية يظل هدفا استراتيجيا مهما، لكن لدى الحكومة بدائل أخرى غير الضريبة يمكنها من خلالها تعويض تلك المدخرات وتنميتها، مثل عوائد النفط العالية، وعوائد المنتجات غير النفطية، وعوائد صندوق الاستثمارات العامة وغيرها. بينما المواطن ليس لديه بدائل أخرى يستطيع بواسطتها تلبية احتياجاته اليومية الضرورية.
والسؤال هو، أيهما أكثر كفاءة وجودة ونفعا للاقتصاد في هذه الظروف، تخفيف الضغوط المالية عن المواطنين، وتعزيز قوتهم الشرائية؟ أم تعويض المدخرات، وتوجيه جزء منها لصندوق الاستثمارات العامة؟ ويزداد هذا السؤال الحاحا بتوقعات الركود العالمية نتيجة التضخم، والاقتصاد السعودي ضمنه! فمن المعلوم أن حل الركود الأول هو زيادة الإنفاق، حيث تقوم الحكومات (بالاقتراض) من أجل الانفاق لتفادي الركود لأثاره المدمرة، كما تحرص على خفض الضرائب لتشجيع الناس على الإنفاق.
لكل الأسباب السابقة، ولحماية المجتمع والاقتصاد من التضخم الحالي، ومن الركود المتوقع. الذي إن حدث فسيكون (ركودا تضخميا)، وهو أسوأ الامراض الاقتصادية وأخطرها وأشدها ضررا؛ فإن مراجعة نسبة ضريبة القيمة المضافة أصبحت ضرورة ملحة، لتفادى أضرار قد لا يكون من السهل علاجها بعد تدهور الأوضاع عما هي عليه.
وأعتقد أن تباين نسبة الضريبة حسب نوع السلعة وضرورتها مهم للغاية، للحفاظ على نظام ضريبي شبه ثابت، وواضح للجميع لفترة طويلة مهما تغيرت الظروف الاقتصادية. كأن تعفى المواد الغذائية الاساسية، والإسكان، والنقل، من الضريبة، أو أن تكون منخفضة جدا، بينما تتدرج في باقي السلع والخدمات حسب أهميتها للمستهلك وتأثيرها في الاقتصاد والمجتمع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال