الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
سوق الإعلانات الرقمي التريليوني .. هل نال الاقتصاد السعودي حصته التي يستحق؟
في العالم الرقمي نشأت إمبراطوريات تقنية تتنافس كل منها على حصة من السوق العالمي، سواء في صناعة وتطوير التقنية أو جمع ومعالجة البيانات إضافة إلى الإعلانات الرقمية التي يسيطر عليها عدد محدود من عمالقة التقنية في العالم مثل قوقل وميتا “فيس بوك” وامازون. ولقد كان نموذج قوقل بأن تجعل الوصول إلى المحتوى بشكل مجاني فيما يظهر للمستخدم نقلة كبيرة في سوق الإعلانات الرقمية، بحيث يتحمل المعلنون من أصحاب الأعمال تكلفة ظهور المحتوى للجمهور دون اشتراك أو تكلفة ظاهرية. الأمر الذي أحدث ثورة في مجال الإعلانات الرقمية. فأصبح المعلنون يتهافتون لوضع إعلاناتهم في منصات المحتوى الرقمي المرموقة وضخ الأموال مقابل إظهار حملاتهم الإعلانية في مختلف المنصات الرقمية.
ولا شك بأن هذه الاستراتيجية مكنت صانعوا المحتوى سواء أفراداً أو مؤسسات من تحقيق بعضاً من العوائد المادية للمحتوى الرقمي.. طبعاً إلى حد ما، حيث إن ما يحققه صانعوا المحتوى لايمكن مقارنته بالمدخول الحقيقي من الإعلانات الرقمية مقابل المحتوى.
وهاهنا يتبادر للذهن تساؤل مهم.. ماهي الفائدة العائدة على الاقتصاد الرقمي على مستوى الدول والحكومات؟ وبشكل أكثر دقة، مامدى استفادة سوق العمل وتوفير الوظائف من حجم سوق الإعلانات الرقمية المحقق من خلال المحتوى المحلي الرقمي؟ وهل استفادت الشركات الوطنية من صناعة ونشر المحتوى الرقمي؟ وهل نال صانعوا المحتوى الرقمي مايستحقونه فعلا مقابل ذلك المحتوى؟ وكيف يصب ذلك كله في بيئة الإقتصاد الرقمي الوطني ككل؟ فضلا عن آلية استفادة هيئة الزكاة والضريبة من المحتوى الرقمي المصدر إلى الخارج، وهذا موضوع مازالت الحكومات تحاول معالجته بوجود متغيرات خارجة عن الحدود الجغرافية.
الجواب على ذلك أن الاعتماد على عمالقة شركات الإعلانات الرقمية الأجنبية الخارجية لايحقق أياً من تلك المصالح للإقتصاد الرقمي الوطني. ولقد استشعرت الحكومة الأسترالية ممثلة في هيئة المستهلك والمنافسة Australian Competition & Consumer Commission ACCC على سبيل المثال خطورة هذا الأمر والهدر المحقق في الاقتصاد الرقمي، وأشارت إلى ذلك في تقريرها الصادر العام الماضي 2021 * بأن سوق الإعلانات الرقمية في استراليا غير فعال بوجود سيطرة شبه كاملة لشركة قوقل على سوق الإعلانات الرقمية في استراليا بحوالي 90% من نسبة ظهور الإعلانات الرقمية في منصات المحتوى الاسترالية. الأمر الذي يؤثر سلبا على الاقتصاد الرقمي الاسترالي الذي يتسارع في الإنفاق على الإعلانات الرقمية كبقية أجزاء العالم. فمنذ عام 2008 حتى 2020 تضاعف لديهم الإنفاق على الإعلانات الرقمية وفقاً لإحصائيات IAP بأربعة أضعاف من 1.7 مليار دولار في عام 2008 إلى 9.5 مليار دولار لعام 2020.
والوضع لدينا في السعوية ليس ببعيد عن استراليا. فبناء على تقرير آياب لأبحاث سوق الإعلانات الرقمية** فإن قيمة الإنفاق على الإعلانات الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وحدها تجاوزت 3.6 مليار دولا لعام 2020، وهذا الإنفاق يزداد بشكل مضطرد في كل عام.
ومن المفارقات أن نرى صانعوا المحتوى الرقمي لدينا سعوديون (سواء مؤسسات صحفية أو مدونات أو أفراد) والمعلنون سعوديون، والجمهور المستهدف سعودي، بينما المستفيد الأول من الحصة السوقية في مجال الإعلانات الرقمية هي شركات أجنبية مثل قوقل، ويتم تصدير هذا الجزء من الاقتصاد الرقمي المحلي طواعية إلى الخارج.
وكما هو المأمول من أبناء هذا البلد وتميزهم في كل مجال وإبهار العالم بما يقدمونه من إبداعات في شتى المجالات فقد ظهرت مؤخراً شركة وطنية سعودية نجحت في اختراق هذا السوق المغلق بإحكام من عمالقة سوق الإعلانات الرقمية وتمكنت من بناء منصة شبكة إعلانات رقمية نأمل أن تساهم مع بقية مكونات الاقتصاد الرقمي السعودية من إيقاف الهدر من الناتج الوطني للمحتوى الرقمي بما يحقق تعظيم الاستفادة من هذا الجزء المهم والحيوي من الاقتصاد. إلا أن مثل هذه المساهمات من الشركات الوطنية تظل فردية وتواجه العديد من العقبات والتحديات مالم يتم تبنيها بمبادرات وطنية لتعزيز الإقتصاد الرقمي.
فكما اقتحمت شركة تيك توك الصينية عالم التواصل الاجتماعي وبدأت تزلزل الهيمنة الأمريكية على سوق الإعلانات الرقمية، هل نستبعد ولادة شركة سعودية بمعايير عالمية تغير قواعد اللعبة في المنطقة وتزاحم مع الكبار في الحصة السوقية العالمية للإعلانات الرقمية؟
* Source: Australian Competition and Consumer Commission
**Source: Interactive Advertising Bureau (IAB) https://iabgcc.com/wp-content/uploads/2021/07/MENADigitalAdspend2020-Report_vf.pdf
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال