الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تخاطب أدوات معالجة التضخم حالياً ( عقلانية المستهلك ) وصولاً إلى الاستهلاك المتوازن مما يسهم في انخفاض الطلب وبالتالي انخفاض الأسعار أي العمل على عدم ارتفاع الأسعار وقيمة الأصول مع تنظيم الائتمان الاستهلاكي ، ويشير مصطلح الركود التضخمي إلى التضخم المصحوب بالركود فهو يجمع بين الكلمتين الركود والتضخم، وعليه فإن الركود التضخمي مزيج من عدة عوامل تشير إلى أوضاع اقتصادية صعبة عندما ترتفع الأسعار وتزداد البطالة في وقت واحد وينخفض النمو الاقتصادي أيضا، إضافة إلى عوامل اقتصادية أخرى ، لكن يظل ارتفاع التضخم والبطالة معا هو جوهر الركود التضخمي فهو بالتالي يصف الاقتصاد الذي يعاني من خلل، حيث تواصل الأسعار ارتفاعها تباعا بينما ينخفض النمو الاقتصادي وترتفع معدلات البطالة .
تكون معالجة التضخم عن طريق رفع معدلات الفائدة، والتضحية بالنمو الاقتصادي وهو ما نهجه الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة خلال الفترة السابقة حيث تبقى لديه لدى أربع جلسات كالتالي:
الاجتماع الخامس | الأربعاء27 يوليو 2022|28 ذو الحجة 1443
الاجتماع السادس | الأربعاء21 سبتمبر 2022|25 صفر 1444
الاجتماع السابع | الأربعاء2 نوفمبر 2022 | 8 ربيع الآخر 1444
الاجتماع الثامن | الأربعاء14 ديسمبر 2022 | 20جمادى الأولى 1444
من المتوقع أن يتم فيها أيضا الاستمرار في رفع أسعار الفائدة بنفس النسبة 1.75 في المائة لتصل إلى نحو 3.5 في المائة بنهاية العام، يرى محللون أن هذه الزيادة سوف تستمر في الارتفاع لتبلغ 4.25 في المائة في 2023 ومن ثم تتراجع في 2024 إلى 2.5 في المائة، فالمستهدف هو أن تصل مستويات التضخم إلى حدود 2 في المائة سنويا، مما يساعد على النمو، من هنا تسير وتيرة معالجة التضخم، بهدف إخماد ضغوط الأسعار كأولوية أعلى، حتى لو كان ذلك على حساب تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة فاستقرار الأسعار في جهة نظر هذه الأداة هو حجر الأساس للاقتصاد.
حال المشهد الاقتصادي اليوم بين نقيضين… إما التفاؤل المفرط أو الهلع الاقتصادي المفرط أيضا ففي السبعينيات وصل الاقتصاد العالمي إلى ذات الحال اليوم .. عدم اليقين وانسحب الاقتصاد إلى ركود تضخمي طويل المدى .. لم تكن حلول السياسات النقدية بذات القدر من الكفاءة كما هي اليوم ولم تكن الحال بذات الظروف ومع ذلك قوّم الاقتصاد ذاته وعاد قوياً.
في العالم 1954 قال ميلتون فرديمان : إن الاقتصاد الأمريكي محصن ضد الكساد… وفي اعتقادي أنه كذلك وقد ثبتت صحة مقولته حتى الآن فقد مررنا بالعديد من فترات الانكماش والأزمات الاقتصادية واذكر تحديدا ما تناوله بعض المحللين في العام 2019 وخلال جائحة كورونا وغيرها وعلى الرغم من ذلك لم يصل الاقتصاد إلى مرحلة الكساد الكبير فضلا عن الركود التضخمي ، يغفل الكثير من المحللين بشكل أو بآخر الأرقام التحليلية لقوة الاقتصاد الأمريكي وقوة الدولار حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي (القيمة الحالية بالدولار الأمريكي) 20.95 تريليونا عام (2020) ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي International Monetary Fund يحتل الاقتصاد الأمريكي قائمة الاقتصاديات العالمية الأكبر في (العام 2022) من حيث الناتج المحلي الإجمالي وال وصل إلى 20.49 تريليونا دولار (24.13 % من الناتج المحلي الإجمالي، هذا شيء والشيء الآخر إذا ما أخذنا في الاعتبار أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين وأيضا ركود السبعينيات مقارنة بحال الاقتصاد اليوم نجد أنهما خلقا عوامل وأدوات إيجابية تحسينية فقد خلق الكساد بيئةً حسَّاسةً تجاه سياسات الحرية الاقتصادية بين عدم التدخل ومؤيدةً للتدخل الحكومي الواسع الانتشار عبر الاقتصاد الغربي ليتحوَّلوا في النهاية إلى النظرية الكينزية الجديدة في الاقتصاد، واقتصاد جانب الطلب.
كشفت تنبؤات البنك الدولي مؤخرا إلى أنه وفي خضم الحرب الدائرة في أوكرانيا، والارتفاع الشديد لمعدل التضخم، وتصاعد أسعار الفائدة، من المتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي العالمي في عام 2022 إذ يُتوقع أن يتباطأ النمو العالمي بشكل حاد هذا العام إلى 2.9 % مقارنة ب 5.7 % في عام 2021. كما يعكس ذلك تخفيضاً بنحو الثلث لتنبؤات يناير 2022 التي توقعت أن يصل النمو إلى 4.1 % هذا العام. ويُعزى أغلب هذا التخفيض الكبير إلى الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والغذاء، إلى جانب الاضطرابات الحاصلة في شبكات الإمداد وحركة التجارة نتيجة الحرب الدائرة في أوكرانيا والتدابير الضرورية التي يجري تنفيذها حالياً لإعادة أسعار الفائدة إلى معدلاتها العادية.
تشكل منعطفات جائحة كورونا بالأساس حدوث صدمات كبيرة في مسارات التعافي والذي تداعت تباعا بقية الأزمات الأخرى بيد أن السياسة النقدية أصبحت ذات موثوقية ومصداقية أكبر فالبنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والكثير من الاقتصادات العالمية تعمل بجهود عالية وواضحة لتحقيق استقرار الأسعار إضافة إلى دور التقنية ورأس المال لتعزيز جانب العرض.
في اعتقادي أنه من المهم الأخذ بعين الاعتبار أن الاقتصاد العالمي لن يتعثر في هذه الفوضى فالجميع لن يسمحوا للتضخم بالخروج عن السيطرة كما حدث في السبعينيات إلا أن الفارق الأهم والذي يشكل خطر حقيقي هو حجم الديون والذي يبدو فيه أن الاقتصاد العالمي ليس كما كان عليه في السبعينيات وخاصة الديون المقومة بالعملات الأجنبية ومع ذلك قد يكون الأمر بأننا في مرحلة مبكرة من مراحل التضخم تحتمل التوسع أو التقويض على افتراض أن عوامل تضخم السبعينيات كانت مؤقتة وفي كلتا الحالتين تتشارك أسعار الطاقة والأزمات الحربية وهو ما يشير إليه تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الصادر عن البنك الدولي، الأسبوع الماضي، إلى أن أوجه التشابه بين المرحلتين واضحة وكذلك الاختلافات، مما يتوجب عدم الإفراط في التفاؤل، أو لا نهتم بالتضخم المرتفع، ونترك أي مكونات الاقتصاديات الكلية بلا حماية من الصدمات الحالية فهل ما نشهده اليوم يصل فعليا إلى مستوى الركود التضخمي الذي يعني فترة تضخم طويلة ونمو أقل من المستهدف؟ الجواب في اعتقادي ليس بعد… لكنه خطر محتمل.
تشكل تحديات جانبي الطلب والعرض ضغوطا تضخمية في حين ان المتبع حاليا هو التركيز على جانب الطلب فقط دون ان يقابله زيادة في جانب العرض وهو بلا شك امر بالغ التعقيد بيد انه أداة مهمة للتوجه نحو زيادة الإنتاج وخاصة قطاع التصنيع إضافة الى أدوات أخرى ومنها تقويض الانفاق الحكومي ودعم الإنفاق الاستثماري من وجهة نظر السياسات المالية .
مجمل القول: من المتوقع أن يتراجع التضخم العالمي في العام القادم، ولكن من المهم أن تكون هناك معالجات أخرى تتعلق بتقويض الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية وتسهيل الإمدادات وتوظيف عناصر الإنتاج وخلق سياسات متوازنة في جانبي أدوات العرض والطلب والأهم من ذلك أنه حالما ارتفعت مخاطر الركود فمن المؤكد بأنه لن يتم التهاون معه وسيتم استخدام المزيد من الأدوات والسياسات المتشددة للتعامل معه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال