الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التداول بالظل، هو تداولٌ يحدث عبر شخص حصل على خيار شراء أو بيع على شركة، وبحوزته معلومة داخلية حصل عليها من الشركة التي هو تنفيذيًا فيها، أو عضوًا في مجلس إدارتها. ومثال ذلك: لنفترض هناك شركة (أ) اكتشفت منتجًا أو ابتكارًا سيرفع أسهم أسهم الشركة إذا ما تم إعلان المنتج في السوق. فيكون عضو مجلس الإدارة في الشركة (أ) بين ثلاثة خيارات: أن يمتنع عن التداول في أسهمها قبل الإعلان في السوق، وهذا هو الطريق القانوني المفترض. الخيار الثاني: أن يتداول في أسهمها قبل إعلان المنتج في السوق، وهذا التصرف يعتبر جريمة، إذ تم فيه استغلال للمعلومات الداخلية للشركة، وهذا المنهج التقليدي الكلاسيكي بمنع التداول وفي حوزة الشخص معلومة داخلية. والخيار الثالث وهو محل حديثنا هنا؛ ألا يشتري في شركة (أ) التي هو عضوًا فيها، ما دام يملك معلومات سرية تخصها؛ بل في شركة منافسة لها، حيث أن إعلان ذلك الابتكار سيخفض من اسعار الشركة المنافسة (ب). فهذا عكس المنهج المتعارف عليه في التداول بناء على معلومات داخلية، حيث يكون لديك معلومة داخلية كتوزيع أرباح عن شركة (أ) فتشتري في (أ)، وهنا الاختلاف بين الخيار الثاني والثالث.
وتسعى قوانين الأسواق المالية، إلى كبح أعضاء مجالس الإدارة والتنفيذيين، ممن لديهم معلومات داخلية غير معلنة، بمنعهم من التداول بالبيع أو الشراء ما دامت في حوزتهم معلومة داخلية مؤثرة. وليس المنع فقط بل التجريم لو حاولوا الالتفاف على المنع، وتسريب المعلومة الداخلية لشخص آخر للتداول. وهذا كله من باب العدالة ونزاهة السوق، وحماية المتعاملين بالسوق، وخفض قيمة طلب تكلفة رأس المال للشركات؛ بتقليل تعارض المصالح بين من هم داخل الشركة، ومن هم بخارجها، وغيرها من الأسباب الأخرى التي تعزز هذا الحظر. وبالطبع هناك من يرفض أصلًا تجريم التداول بناء على معلومات داخلية، لرفع كفاءة السوق، ولأسباب أخرى، ولكن لن أقوم بتشتيت القارئ والدخول في التفاصيل القانونية والاقتصادية خلف منع التداول بناء على معلومات داخلية من عدمه. فسنقتصر في هذا المقال، على إلقاء الضوء على النجاح المبدئي لهيئة الأوراق المالية الأمريكية SEC، وذلك بعد قبول المحكمة الدعوى المقدمة منها – شكلًا وموضوعًا – ضد عضواً تنفيذياً في شركة أدوية، اتهم بجريمة التداول بالظل.
منع التداول بالظل، هو محاولة وسعي حثيث من SEC برئاسة جينسلر، والذي توعد بإعادة الثقة إلى السوق المالي الأمريكي، وهي السوق الوحيد على حد علمي الذي يسعى لحظر التداول بالظل. فهي نظرية قانونية، وقد بذلت محاولات حثيثة لم يكتب لها النجاح من قبل SEC في جلب دعاوى ضد المتداولين بالظل؛ لأن المحاكم الأمريكية لم تقتنع في تمطيط وتوسيع قاعدة الحظر التقليدية المشار لها أعلاه. بل وتم رفض صحيفة الدعوى من البداية حتى قبل النظر فيها، حيث ترى المحاكم، أن فيها توسعًا غير مرغوب للمنهج الكلاسيكي القانوني لحظر التداول. ولكن مؤخراً على غير العادة، لم ترفض المحكمة لائحة الدعوى ضد شخص متهم في التداول بالظل، وقد حقق من وراء ذلك آلاف الدولارات، والذي ترى فيه SEC مخالفة للقاعدة 10b-5 من قانون السوق المالي الأمريكي.
بشكل عام، الحظر التقليدي ومنع التداول بناء على معلومات داخلية؛ بسبب أن على التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارة أعباء والتزامات قانونية اتجاه الشركة والمساهمين بالشركة. ومن هنا يكمن التزامهم الإفصاح عنها للطرف الآخر في صفقة البيع أو الشراء، حيث أن الطرف الآخر مع عضو مجلس الإدارة على سبيل المثال، أما قد يكون مساهمًا حاليًا أو حتى مساهمًا مستقبليًا في الشركة. ومن هنا يتوجب الإفصاح لهذا المساهم بالمعلومة الداخلية التي بحوزة ذلك العضو، كالتزام قانوني بشكلٍ عام من قبل أعضاء مجالس الإدارة والتنفيذيين، وهذا ليس إلا تطوراً عبر المحاكم الأمريكية، والمستقر عليه في معظم الأنظمة في الأسواق المالية.
والمعلومة الداخلية كما تعرِّفها لائحة سلوكيات السوق السعودية تشابه التعريف الأمريكي إلى حد ما، وهي معلومة لم تعلن للسوق، وستؤثر معرفتها سلبًا أو إيجابًا على سعر الورقة المالية. فعضو مجلس الإدارة يفترض أن يكون بين الخيار، أن يفصح للمشتري لماذا يريد الخروج عن الشركة، هل هناك أخبار سيئة متوقعة، ومثال هذا الإفصاح بالوقائع الحقيقية مثلًا؛ انخفاض توقعات سلبية عن الشركة ستجعل المستثمر المشتري -المحتمل أن يكون مساهمًا- من التراجع عن الشراء، أو أن يطلب تخفيضًا في السعر. أما في حال إفادة ذلك العضو كذبًا، بأنه ليس هناك أخبارًا سيئة عن الشركة؛ سنتحول إلى معضلة الخداع والكذب، ويحق للمشتري بالرجوع عليه، بل والمدعي العام كذلك.
وعليه، فالمنهج الكلاسيكي القانوني المتفق عليه في جل أنظمة الأسواق المالية، هو الالتزام بالمحافظة على المعلومة الداخلية للشركات التي يعملون بها، فهي ليست ملكًا للعضو أو التنفيذي بالشركة، بل على العكس، هي للشركة مصدر المعلومة والتي اتخذت موقف عدم الإفصاح عن المعلومة للسوق. وتسعى SEC إلى الذهاب أبعد من ذلك، بحيث يشمل ذلك حتى من يتداول في شركات أخرى، بناء على معلومة داخلية حصل عليها عبر ارتباطه بالشركة التي يعرف عنها المعلومة.
تفاصيل القضية تتعلق بعضو تنفيذي في شركة، وصلة بريد إلكتروني رسمي من الشركة التي هو عضوًا فيها، -شركة تصنع أدوية- في أنه سيتم الاستحواذ على الشركة من Pfizer، وخلال دقائق من هذا البريد، قام بشراء خيار في شركة مشابهة لها، بل ومنافسة لها. ويحتج المتهم، أنه حتى لو كان ادعاء الهيئة صحيح؛ فهو لم يشترِ في الشركة التي لديه معلومة داخلية عنها-الشركة التي يعمل بها- بل في شركة أخرى ليس بينه وبينها أي التزام، وتحديدًا مع مساهميها. وترد الهيئة، بأن تلك المعلومة التي على ضوئها حصل العضو على الخيار، هي ملك للشركة التي هو عضو فيها، فضلاً عدم التزامه بتبليغ ضابط الالتزام في الشركة قبل الشراء؛ بحكم أن الشركة هي صاحبة المعلومة الداخلية. وفي محاولة للهيئة لتعزيز موقفها، قامت بالرجوع إلى لائحة الحوكمة الداخلية للشركة المرتبط بها المتهم، بالإشارة إلى المنع القانوني لأي شخص، استغلال معلومات الشركة الداخلية سواءً للشراء في الشركة، بل حتى من أي شركة مدرجة، موردين الشركة، منافسيها…الخ.
باقتناع المحكمة بالحجج المقدمة من SEC؛ لم يتبقَ إلا أمراً لقبول الدعوى موضوعًا، وهو أمر غير محسوم على مستوى الولايات الأمريكية. واعتقد أن محاكم الولايات الأمريكية تنتظر المحكمة العليا الأمريكية لحسمه. وهذا السؤال مرتبط بما يسمى Scienter أقرب لمفهوم القصد، بمعنى هل لا بد للشخص أن يستخدم المعلومة الداخلية، أم يكفي إثبات أن لديه المعلومة خلال التداول. وكأن المحكمة حاولت عدم الدخول في هذا المعترك، واكتفت بالقول: إن SEC استطاعت إقناع المحكمة، باستغلال المتهم لمعلومة الشركة الداخلية وهو -الايميل الذي وصله عن صفقة الاستحواذ- للشراء في الشركة المنافسة للشركة التي هو عضوُا فيها خلال دقائق. وقبلت الدعوى شكلًا وموضوعًا، وهو ما يُعَدُّ نجاحًا مقدرًا، ولكن ذلك لا يعني قطعاً أنه سيحكم للهيئة.
وفي الختام، إن المنع من التداول بناء على معلومة داخلية، ليس لها قواعد محددة حتى يومنا هذا؛ فهي عرضة للتغير كما نرى في نظرية التداول بالظل، والتي تظهر أهميتها عندما يحصل شخص على معلومة داخلية عن شركة في سوق كالسوق السعودي، حيث يقل فيه عدد الشركات في القطاع نفسه، فأي معلومة داخلية عن الشركة؛ يدفع الشركة الأخرى لترتفع سعرها والعكس، لهذا قد تكون هناك إيجابيات كثيرة في ملاحقته. لكن يظل عدم الوضوح سائدًا، وهو ما يبدو واضحًا في تحليل المحكمة، فعلى سبيل المثال، لم توضح المحكمة بشكل جيد، هل كان سيكون لها توجهًا مختلفًا، لو لم تمنع لائحة الحوكمة الداخلية، منع استغلال المعلومات الداخلية الخاصة بالشركة للتداول في الشركات الأخرى؟ وهل غياب مثل هذا القيد، يجعل من الموظفين التنفيذيين الكبار وأعضاء مجالس الإدارة، أحرارًا في استغلال تلك المعلومات الداخلية للشراء في شركات منافسة أو مورديها وهكذا؟ وهل لو كان الشخص المتهم بالمتداول بالظل، قد قام بالشراء في نفس الشركة قبل التداول بالظل، هل مازالت النظرية قوية للحكم بها؟
أعتقد أنه إذا ربحت SEC، فإن ذلك سيعرض الكثير من الصناديق الاستثمارية للخطر، وبشكل خاص من ناحية الإفصاح والالتزام، فحسب التقارير المتعلقة في تداول الظل، هم من أكثر من يستفيدون من التداول في الظل. ولهذا لن يكون مستغربًا أن تصل للمحكمة العليا الأمريكية -في حال ربحت SEC—، حتى لا تكون بداية العاصفة، في أن تأخذ SEC الفوز بالحكم كمنهج جديد لملاحقة التداول بالظل، وبالذات مديري الصناديق الاستثمارية، خاصة إذا أخذنا بالمعنى الضيق، وهو امتلاك المعلومة الداخلية، فضلاً عن شبكة العلاقات التي يملكونها. ولكن في حالة خسارة SEC، وترك المحكمة المسألة للكونغرس، حيث تحتج أن توسيع المنهج الكلاسيكي لمنع التداول بناء على معلومات داخلية، أمرًا تشريعيًا بحتًا، وهو متروك للمشرع، تحديدًا الكونغرس، والذي ليس متحمسًا كفاية، ويتحرك مثل السلحفاة بالذات في ساحة التداول بناء على معلومات داخلية. ولكن مع هذا، وحتى مع خسارة SEC هذه الحالة الأخيرة، فإن ذلك سيفتح باب كبير للانضباط والالتزام، فضلًا عن أن قبول المحكمة لها؛ سيمنحه رصيدًا من الوقت والثقة لإعادة ترتيب أوراقها للقضايا القادمة لأي انتهاك يتعلق بالتداول بالظل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال