الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عام 2020 كان معدل البطالة في الولايات المتحدة وصل الى مستويات تتجاوز ال8 %، في الوقت الحالي هي أقل من 4%، امر جيد ومطمئن، ولكن للأسف معدلات التضخم وارتفاع الاسعار الى مستويات قياسية، تجاوزت ال8-9 % في الولايات المتحدة الامريكية وكذلك المملكة المتحدة، مما يضطر الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة وبنك انجلترا المركزي في المملكة المتحدة للتعرض للمزيد من الضغوط الشعبية والسياسية في سبيل رفع اسعار الفائدة للمرة الثالثة في اقل من 6 اشهر!
ما يحدث حاليا يذكر العالم بما حدث في الاقتصاد الامريكي مطلع الثمانينيات ونهاية السبعينيات حينما حدث ما يسمى بالركود التضخمي، اي الركود الاقتصادي الذي صاحبه ارتفاع في الاسعار (نتيجة لارتفاع اسعار الطاقة انذاك) ولكن الاختلاف الذي يحدث حاليا ان معدلات البطالة لازالت كما ذكرت سابقا في منطقة جيدة، ولكن التوقعات تشير الى حدوث ركود لا محالة في المستقبل، لماذا؟
قرارات الفيدرالي الامريكي تسير نحو دفع الاقتصاد لكبح نموه المتزايد والارتفاع في كل شي حتى في مؤشرات الاسهم بعد ازمة كورونا الطاحنة، حينما انخفضت اسعار الفائدة الى مستويات صفرية لمواجهة الازمة في ذلك الوقت، وقيام السلطات الامريكية في سياستها المعهودة بما يسمى بالتيسير الكمي QE القائم على ضخ الاموال في السوق بدون تغطية تحفيزا للاقتصاد ودعما للسيولة، ولكن هذه الوسيلة – من وجهة نظر الاقتصاديين – دفعت الاسعار الى الارتفاع المهول الذي نشاهده حاليا ووصول معدلات التضخم لمستويات قياسية أضرت بالاقتصاد بشكل واضح.
ليس هذا بحسب، ولكن الازمة الاوكرانية وأزمة سلاسل التوريد ,ازمات جيوسياسية متلاحقة ساهمت ايضا في ارتفاع اسعار مواد الطاقة، فوصل لتر البنزين في بريطانيا الى 2 جنيه استرليني لأول مرة، على الرغم من وجود وسائل نقل متاحة في المملكة المتحدة، ولكن الامر مختلف تماماً في الولايات المتحدة الامريكية المترامية الاطراف، والشاسعة المساحة، فأسعار البنزين والغاز وصلت الى مستويات كبيرة أشعلت وسائل الاعلام الامريكية، مما زاد الضغط على الديموقراطيين وبالتالي يتم الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لرفع سعر الفائدة مرة اخرى لكبح جماح التضخم القاتل!
بشكل أو بآخر العالم يتضرر، حيث انه عندما يتم رفع سعر الفائدة يهدف متخذ القرار في الاحتياطي الفيدرالي لوقف النمو المتسارع في الاقتصاد وبالتالي ترتفع تكلفة الاقراض فتضطر الشركات لايقاف بعض انشطتها مما يجعلها تستغني عن بعض الايدي العاملة لديها، فيزداد معدل البطالة الامر الذي يخشاه المراقبون على الرغم من قرب حدوثه كركود اقتصادي متوقع مستقبلاً.
الوضع في منطقة الخليج يختلف قليلا، حيث ان الايرادات سترتفع نتيجة لارتفاع اسعار النفط، ولكن في المقابل المستوى العام للاسعار سيرتفع ايضا نتيجة لارتفاع التكاليف الناتجة عن ارتفاع اسعار مواد الطاقة بشكل عام، بالاضافة الى لجوء البنوك لمركزية لرفع سعر الفائدة اسوة بالبنوك المركزية العالمية وخاصة الولايات المتحدة نظرا لارتباط عملاتها بالدولار، هي مسألة معقدة ومترابطة ولكن للتبسيط للقارئ نذكر الآتي:
العالم مر بأزمة كورونا فاضطرت الدول لتخفيض سعر الفائدة لتحفيز النمو الاقتصادي، يرافق ذلك ضخ سيولة نقدية من قبل الفيدرالي الامريكي، هذا الأمر استمر لسنتين وخلالها ارتفعت الاسعار الى مستويات قياسية نتيجة لارتفاع النمو الاقتصادي في العديد من الدول، يضاف الى ذلك الازمات الجيوسياسية التي ساهمت في تخفيض المعروض من النفط فارتفعت اسعار مواد الطاقة، فاصبح لدينا ازمة تضخم لم نشاهدها منذ عقود، فتضطر الدول مجددا لرفع سعر الفائدة لمجابهة التضخم، فيحدث ركود اقتصادي يصاحبه ارتفاع في معدلات البطالة، ولكن هذا كله من الممكن تسميته بالدورة الاقتصادية، فالقارئ يذكر ما حدث في العالم في 2008 ومن ثم عادت الحياة الى طبيعتها نوعا ما في 2014-2015 الى ان جاءت 2020 وحدث تباطؤ مرة اخرى، لذلك المتفائلين بشكل عام يرون ما يحدث حاليا بأزمة مؤقتة سرعان ما تتلاشى كما تلاشت أزمات غيرها، وهذا أمر طبيعي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال