الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
انطلقت المشاريع الخدمية التي تلبي طموحات المواطنين في ظل تزايد أعداد الناس، وخاصة في المجتمعات العربية والخليجية، ومجتمعنا في مقدمة تلك المجتمعات خاصة في ظل تدخل القطاع الخاص المتزايد في الحياة العامة وإدارة المرافق العامة المرتبطة بالأجهزة الحكومية ولا جرم أن للمجتمعات في الوقت الحاضر ضرورياتها، وحاجياتها، خاصة أن الحياة المدنية في العصر الحديث تتطلب إيجاد مرافق عامة ذات كفاءة عالية تعجز عنها ميزانيات الدول ـــــــــ وخاصة الفقيرة ـــــــــ والحل الأمثل هو التوسع في المشاريع عن طريق هذا النوع من العقود الذي يعد نافذة للدخول إلى الحياة المدنية بمتطلباتها العصرية كافة، بل إنه بمثابة الخلاص للدول والحكومات لتحقيق ما تتطلبه الحياة المدنية لإيجاد البنية التحتية من شبكات المياه، والصرف الصحي، والطرق، وغيرها كالمستشفيات، والمطارات، دون أن ترهق ميزانيتها بالديون.
وعقد البوت B.O.T هو اختصار للمسمى عقد البناء، والتشغيل، وإعادة الملكية يرمز إليه بـ: contract .b. o. t، مشيراً إلى الكلمات الآتية: build operate transfer تشير الكلمة الأولى إلى (بناء)، والثانية إلى (تشغيل)، والثالثة إلى (تحويل) أو إعادة الملكية، هذا النوع من العقود عادة ما يجري فيه التعاقد على مشاريع البنية التحتية، وبعد الانتهاء منه، وإتمامه يحول إلى الحكومات في نهاية العقد، ويصبح ملكاً لها. ومن صلاحية الشركة المنفذة الاستفادة المالية من المشروع حسب الاتفاق متمثلاً فيما تأخذه من كل من يستفيد من مرافق المشروع، وذلك عن طريق الإجارة. هذا الأسلوب يعطي الفرصة للمستثمر أن يغطي تكاليف إقامة المشروع، وأجور تشغيله، وصيانته، ومن ثم الحصول على العائد الربحي المطلوب. من الطبيعي ـــــــــــ أثناء مدة العقد الطويلة ـــــــــــ أن تتغير أسعار إجارة استخدام المرافق التابعة للمشروع لارتباطها بتغير الأسعار في الداخل والخارج، وبهذا يستطيع المقاول للمشروع أن يتوصل إلى نسبة ربحية مرضية لاستثمار ماله؛ ومن ثم يؤخذ كل هذا في الحسبان. استطاعت بعض الدول في العصر الحديث أن تنهض بمرافقها العامة، وتكفل لمواطنيها حياة مريحة، وذلك بتنفيذها مشاريع كبيرة ضخمة دون أن ترهق ميزانيتها. من الدول التي أجرت هذا العقد في إنجاز مشاريعها: الهند، كرواتيا، اليابان، تايوان، الصين، ماليزيا، الفلبين، وهونج كونج. بعض الدول مثل كندا، أستراليا، نيوزيلندا يستعملون مصطلح: b.o.o.t يعني هذا النوع من العقود أن تتولى الدولة نفسها إدارة المشروع، وهي اختصار: build – own – operate –transfer لهذا فإن شرط تحويل المشروع إلى الحكومة في نهاية العقد محذوف من الاتفاقات منذ البداية. توصيف العقد: يمكن توصيفه بشكل إجمالي بأنه اتفاق بين طرفين، يتكفل أحد المتعاقدين (القطاع الخاص للقطاع العام، أو لقطاع خاص) إقامة مشروع بمتطلباته كافة، ثم تشغيله لمدة محدودة، يسترد خلالها مصاريف إقامة المشروع، وأرباحه المفترضة من تأجير مرافق المشروع على العامة، ثم تسليمه لصاحبه كاملاً من دون مطالبة بعوض(1).
كانت الحكومات تضطلع بالمشاريع وتمويلها كافة، الأمر الذي يرهق كاهلها، فهي المصدر الوحيد لتقديم المشاريع والخدمات العامة وتمويلها. جاء هذا العقد بديلاً عما كانت تعانيه الدول، وتضعف عن تنفيذه. وهو صيغة تمويلية، غالباً ما تكون مدة التشغيل 20، أو 30 عاماً، وبعد انتهاء المدة المتفق عليها تعود الملكية لصاحب المشروع سواء من القطاع الخاص، أو القطاع العام من دون عوض(2). مثالان واضحان مشهوران لهذا النوع من العقود:
1. فتح قناة السويس. 2. فتح قناة بنما. هذان المشروعان اللذان شيدا وأصبحا مثالاَ مشاهداً لهذا النوع من العقود: bot. أصبح هذا النمط من العقود معتاداً بين الدول منذ عام 1950. مشروع قناة السويس؛ قامت به شركة إنجليزية وفرنسية على أساس فتح القناة، وبناء مرافقها، ومن ثم تشغيلها، على أن تعود للحكومة المصرية بعد 99 عاماً.
هذه الفكرة الأساس، والصورة الإجمالية لهذا العقد. منذ آخر عام 1990 أصبح جزءاً من الإصلاحات الحكومية السماح للقطاع الخاص أن يسهم في مشروعات البنية التحتية. هذا التوجه الحكومي جعل الدول تصرف الأموال لما هو أكثر إلحاحاً وحاجة. بعد ذلك أخذ هذا العقد نمطاً وطابعاً معيناً يتمثل في الخطوات التالية: (1) يتم الاتفاق بين الحكومة وشركة خاصة أن تمنح هذه الشركة بناء مشروع معين (b)، بعد تقدير تكاليفه كاملة. (2) تشغيل المشروع (o) لمدة معينة، عادة من خمس سنوات إلى 30 عاماً. (3) تسليم الشركة المشروع بعد انتهاء المدة، وإعادة تمليكه إلى الحكومة (t) من غير عوض. (4) تتحمل الشركة بموجب هذا العقد كل تكاليف إقامة المشروع، وتمتلكه لفترة معينة قبل إعادته للحكومة كاملاً. (5) من الحقائق الثابتة أنه كلما كانت مدة تشغيل العقد طويلة فإنها تمكن المستثمر من استيفاء رأسمال المشروع، والحصول على الربح المقدر له.
(6) وضع حد أدنى لجودة أدوات المشروع لدى انتهاء المدة وتسلمه من المقاول؛ إذ الحقيقة أن مرافق المشروع ستضعف كلما طالت مدة العقد، ولكن ذلك الشرط يوجد إمكانية تحقق السلامة والجودة المطلوبة (3). (7) بعض المشاريع ذات العلاقة بالبنية التحتية تتطلب عقوداً عديدة، كل عقد منها في حاجة إلى تحديد المخاطر بينه وبين بقية أطراف العقد. (8) ستظهر عدة موضوعات لدى مناقشة عقد المشروع وبقية الوثائق. (9) هذه هي الفكرة الأساس، والصورة الإجمالية لهذا العقد. ونخلص إلى أن تعريف عقد البوت: b. o. t البناء والتشغيل والتحويل بشكل إجمالي ومبسط أنه: (عقد مالي يتكفل المتعاقد بإقامة مشروع، والإنفاق عليه، وتشغيله وصيانته لمدة محدودة يسترد خلالها مصروفاته، وأرباحه، ثم تسليمه لأصحابه دون عوض).
من خلال العرض السابق يتضح للقارئ الكريم المعنى العام لهذا العقد الذي انتهجته الدولة أخيرا في مشاريعها وخاصة المشاريع المتعلقة بخدمة الحرمين الشريفين مثل أبراج وقف الملك عبد العزيز رقم 1 ورقم2، وقطار الحرمين الشريفين وغيرها وبعض العقود التي تبرمها وزارة المالية، وهذا العقد المركب يمكن تسميته بـ (عقد التملك الزمني) كما قرر ذلك عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ـــ حفظه الله ـــ وفي المقالات القادمة ـــ بإذن الله ـــ سنتناول أهم أطراف العقد والتوصيف الفقهي والقانوني له وفق رؤية شاملة لمعالم هذا العقد المهم في هذه المرحلة التي كثرت فيه احتياجات الناس للخدمات العامة وفق نمط حضاري راق مستمر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال