الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قيادات مجلس التعاون الخليجي تولي إهتماما بالغا لتطوير الحوكمة الإدارية في الشركات و المؤسسات في الأسواق الخليجية إلا أن تطوير الحوكمة مازال يواجه تحديات و عوائق في المنطقة. البرفسور وجدي عبدالله في كتاب ” المحاسبة والمال و الضرائب في دول الخليج ” خصص فصل كامل وصف فيه نظام الحوكمة الإدارية في دول الخليج. البرفسور وجدي يقول شركات كثيرة تعثرت في دول الخليج بسبب عوائق للحوكمة. لا يوجد لدى بعض الدول في منطقة الخليج قوانين إفلاس مناسبة في حين أن البعض الآخر ليس لديه مواثيق قانونية للاندماج والاستحواذ. علاوة على ذلك ، فإن معظم الشركات في دول الخليج مملوكة للعائلات ، ولديها حماية ضعيفة بالنسبة لمساهمي الأقلية. لا توجد لجان تدقيق فعالة كجزء من وظيفة مجالسهم ، وفي الحالات التي توجد فيها لجان تدقيق تكون ليست مستقلة. إستكمالا على ما توصل إليه البرفسور وجدي في دراسته، سنشرح في هذا المقال أهم خمس عوائق للحوكمة في الأسواق الخليجية و هي كالآتي:
أولا: نفور الشركات العائلية عن الأسواق المالية
الشركات العائلية في دول الخليج تتحكم بنسبة تفوق 60% من إجمالي الناتج الخليجي و توظف أكثر من 80% من القوى العاملة المتواجدة في الخليج و ذلك بحسب مقال للبرفسور سعد درويش نشره في مجلة أكاديمية الإدارة الإستراتيجية عام 2020 بعنوان ” الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي: مراجعة واستراتيجية أفكار”. برفسور سعد يقول أن الشركات العائلية في دول الخليج تواجه صعوبات في إبقاء الشركة العائلية متماسكة للجيل الثالث من العائلة، و إن 85% من الشركات تتفكك أو تُفلس أو يتم الإستحواذ عليها عندما تصل للجيل الثالث من عوائل المُلاك. الكاتب حازم عوض كتب مقال في فبراير 2022 في فورتشن العربية بعنوان ” تركة ماجد الفطيم إمتحان للجيل الثالث و قوانين حوكمة الشركات العائلية”. عوض يقول أن مجموعة الفطيم التي تملك ثروة تزيد عن 6 مليار دولار كادت تضيع في نزاعات قانونية عام 2001 لولا تدخل رئيس الوزراء الإماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ليؤمن إنقسام سلس لملكية مجموعة الفطيم بين عبدالله و ماجد الفطيم. بعد رحيل ماجد الفطيم في ديسمبر 2021، يعود آل مكتوم مرة أخرى للمحافظة على مجموعة ماجد الفطيم من عدم تقسم ثروتها التي تزيد عن 4 مليار دولار في نزاعات قانونية بين الورثة.
حكومة أبوظبي أصدرت قانون بشأن حوكمة الشركات العائلية يمنع الملاك من رهن أصول الشركة العائلية و يحظر بيع الأسهم لشخص خارج العائلة. إلا أن رضا البواردي في مقال نشره في ديسمبر 2021 بعنوان ” الاكتتاب العام.. طريق الشركات العائلية في الإمارات للاستمرار عبر الأجيال” يقول أن الشركات العائلية ذات الأصول الكبيرة يجب أن تطرح ما بين 10% إلى 30% من أسهمها للإكتتاب العام و تدرج في البورصات و الأسواق المالية. وجود الشركات العائلية في الأسواق المالية سيجعلها محكومة بقوانين تفرض عليها إستقلالية التدقيق و المطالبة بالشفافية و الإفصاحات بإصدار تقارير سنوية. الأسواق المالية ستجعل قيود أفضل على قرارات البيع و الإستحواذ على الأسهم. نفور الشركات العائلية عن الأسواق المالية يجعل حوكمة تلك الشركات حوكمة مركزية مغلقة تعاني من صعوبات في شفافيتها و الثقة بأراء الخبراء و خطط التعاقب الوظيفي. بحسب دراسة البرفسور سعد درويش، الحوكمة المركزية المغلقة جعلت الكثير من الشركات العائلية في الأسواق الخليجية تعاني من خلافات مزمنة بين أفراد العائلة و وجود أعضاء غير مؤهلين في مجلس الإدارة و إزدواج القرارات الإدارية بالرغبات العائلية.
ثانيا: رهبة المدراء من خطط التعاقب الوظيفي
عبير أبو شمالة نشرت تحقيق في جريدة الخليج في مارس 2022 بعنوان “الشركات العائلية حلم التعاقب يصطدم بمخاوف الانقسام”. شارك في التحقيق عدد من الخبراء بالأسواق الخليجية منهم دانيال فليمنج رئيس استشارات الثروات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى بنك جي بي مورجان الخاص. الخبراء يؤكدون بإن الشركات في الأسواق الخليجية تخشى خطط التعاقب الوظيفي. الشركات العائلية لا ترغب بإعداد كوادر من خارج العائلة لشغل مناصب الرئيس التنفيذي. أيضا، كثير من الشركات الخليجية غير مستعدة لتخصيص ميزانية تدريب كبيرة لخطط التعاقب الوظيفي و من جهة أخرى هناك غياب لحسابات الخسائر المرتبطة بالقصور عن تخطيط التعاقب الوظيفي. على سبيل المثال، شركة حلواني أخوان السعودية بحسب تقريرها السنوي تعرضت لنقص حاد في صافي الأرباح حيث أنخفضت أرباحها من من 43 مليون ريال في 2018 إلى 2 مليون ريال سعودي فقط في 2019. بحسب الصحف السعودية، رئيس مجلس الإدارة و الرئيس التنفيذي لشركة حلواني إخوان إستقالا بشكل مفاجيء في أبريل 2019. الشركة قامت بتعيين رئيس مجلس إدارة جديد و رئيس تنفيذي جديد لكن كما ظهر في التقرير المالي من خسائر بإن شركة حلواني إخوان لم تكن مستعدة بخطة تعاقب فعالة تجنب الشركة تلك الخسائر. و لعودة الشركة للربحية قامت في 2020 ببيع أصول ثابته بقيمة 30 مليون ريال و تسديد بها ديون طويلة أمد مع تعيين خبراء من أجل رفع الأرباح إلى 100 مليون ريال سعودي.
المنظمة الدولية للهجرة بالأمم المتحدة تصدر تقارير دورية تصرح إن العمالة الأجنبية في دول الخليج تمثل 70% من القوى العاملة. أغلب العمالة الأجنبية تعمل بعقود قصيرة الأجل و يتم تجديدها دوريا و لا يحصلون على فرص تدريبية لتطوير مهاراتهم و خبراتهم. بالتالي ، تطبيق خطط التعاقب الوظيفي في شركات منطقة الخليج قد يستفز العمالة الأجنية التي تسيطر على الإدارة المتوسطة و الدنيا لتسعى لإحباط خطط التعاقب خوفا بإن تُستغل تلك الخطط لإقصائهم من المناصب لصالح العمالة الوطنية. لذلك فإن تطبيق خطط التعاقب الوظيفي في الشركات الخليجية بحاجة لقانون يبين الممارسة المثلى لتخطيط التعاقب الوظيفي. القانون يجب عليه أن يفرض على الشركات تطبيق خطة تعاقب وظيفي مع ضمانات لعدم إستغلالها في عمليات الفصل التعسفي و إشتراط تطبيقها لحالات الإستقالة الطوعية أو التقاعد أو الوفاة. القانون لابد يعطي العمالة الوطنية الأولوية في خطط التعاقب لكن أيضا ينصف العمالة الأجنبية في الحصول على التدريبات و تشجيع طموحاتهم في الترقي لمناصب الشركة العليا.
ثالثا: الفجوة التنظيمية بين السياسات و الإمتثال
البرفسور بدر الشمري نشر عام 2008 بحث في المجلة الدولية للمحاسبة بعنوان ” تحقيق في الامتثال لمعايير المحاسبة الدولية من قبل الشركات المدرجة في دول مجلس التعاون الخليجي”. البرفسور الشمري أختبر مدى امتثال الشركات المدرجة في الأسواق الخليجية لمعايير المحاسبة الدولية من 1996 إلى 2002 . الأختبار العلمي كشف إن الشركات في الأسواق الخليجية تتبنى المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية بإطار قانوني شكلي لكنها لا تعتمده على مستوى الممارسة الفعلية. و إذا كانت الشركات في الأسواق الخليجية تنشد إحترافية للإمتثال لمعايير المحاسبة الدولية فإنه لابد من إصلاحات في تنظيم الأسواق المالية و تحسين مؤهلات المحاسبين المختصين و تطوير هيكل الرقابة و التدقيق في الشركات.
إزداد إهتمام حكومات دول الخليج بتطوير الحوكمة في الشركات المدرجة و الغير مدرجة في الاسواق المالية منذ 2016. أصدرت الحكومات العديد من المواثيق و اللوائح و القوانين لحث الشركات لتطبيق الحوكمة بشكل فعال إلا أن التطبيق العملي مازال يتطلب إصلاحات تنظيمية. الدكتور أشرف جمال الدين الرئيس التنفيذي للمعهد حوكمة في تصريح صحفي له في جريدة الخليج بتاريخ 26 أبريل 2019 يقول إن نسبة التطبيق الشكلي لمعايير الحوكمة بين الشركات المدرجة في دول مجلس التعاون هي 100% بموجب القوانين الملزمة التي تفرض عليها الالتزام وإلا تتعرض لعقوبات، لكن التطبيق الفعلي على أرض الواقع نسبته أقل من 70% و أما الشركات العائلية فإن تطبيقها للحوكمة لا يصل إلى 50% في أفضل أحوالها. الإمتثال لأحكام الحوكمة لا يمكن للقانون أن يضمنه إذا لم تطور الشركات تنظيمها الداخلي للمراقبة و الإمتثال. هناك إستطلاع قام به مجلس الإمتثال الأمني بين أن 75% من الشركات التي تتمتع بإمتثال تنظيمي تعتمد على جهتين رقابيتين أو أكثر لضمان إمتثال الشركة للمعايير و القوانين.
تقرير ديلويت عن توجهات إمتثال الشركات يبين أن الشركات الكبيرة تخصص ميزانية تصل إلى 3 مليون دولار و الشركات المتوسطة تخصص ميزانية تصل إلى 160 ألف دولار لتنظيم الإمتثال للقوانين و المعايير. و أن 60% من ميزانية الإمتثال تكوم عبارة عن رواتب لمراقبين و مراجعين يعملون في إدارات و لجان الإمتثال برئاسة رئيس تنفيذي أو نائب رئيس تنفيذي للإمتثال و الأخلاقيات المهنية. التقارير السنوية للشركات ذات الإمتثال التنظيمي تعرض بشفافية تقارير المراجعين و المدققين الخارجيين ليس فقط للقوائم المالية بل حتى للمعايير المتخصصة مثل معايير الجودة و البيئة و الأمن و السلامة. بينما تفتقد الشركات في الأسواق الخليجية هذ النوع من الشفافية و الإمتثال التنظيمي كما ورد في تقارير منظمة الشفافية الدولية.
رابعا: ضمور الإستقلالية لمجالس الإدارة في الشركات الحكومية
صحيفة تريد أربيا نشرت مقال في تاريخ 12 مارس 2021 بعنوان ” حوكمة الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى تحسين”. المقال يصرح أن الشركات و خصوصا الشركات التي تملكها الحكومة في دول الخليج تعاني من ضمور في إستقلالية مجالس إداراتها و اللجان المنبثقة منها. تشكيل مجلس الإدارة في الشركة الحكومية يتألف من أعضاء هم مسؤولين أو أقرباء مسؤولين في الحكومة. عدم إستقلالية مجلس إدارة الشركة عن المالك (و هي الحكومة) يؤدي لضعف عملية إدارة مخاطر القرارات الإدارية في سبيل الإستجابة للقرارات السياسية الصادرة من المالك المتحكم (الحكومة). ضعف عملية إدارة المخاطر تؤدي أيضا لإتخفاض مستوى الشفافية و إجراءات الإفصاح عن الأخطاء أو تضارب المصالح أو الذمم المالية لأعضاء مجلس الإدارة. على سبيل المثال، الرئيس التنفيذي السابق لشركة طيران الخليج سامر المجالي قد كشف في تصريحات صحفية إنه بسبب الأحداث الإستثنائية التي شهدتها البحرين في 2011 تم غلق خطوط لبعض الدول بقرار سياسي. و أن غلق تلك الخطوط كبد شركة طيران الخليج خسائر بعشرات الملايين. و أن خسائر طيران الخليج أصبحت سنوية و قد أعلنت الشركة مؤخرا عن خسارة 77 مليون دينار بحريني في عام 2021. علما بإن شركة طيران الخليج لا تصدر تقرير سنويا و إنما تم الإعلان عن الخسارة عن طريق لجنة تحقيق برلمانية.
تحسين إدارة المخاطر في الشركات الحكومية يتطلب التفكير في زيادة إستقلالية مجلس الإدارة عن المالك. الإستقلالية تكون بجعل رئيس مجلس الإدارة و رؤساء اللجان المنبثقة و ثلث أعضاء المجلس من المدراء المستقلين الغير تنفيذين. المدير المستقل الغير تنفيذي في الشركة الحكومية يجب أن لا يكون صاحب منصب أو مساهم في الشركة أو الحكومة أو شركات تابعة أو شركات ممولة أو شركات خادمة و أن لا تربطه بصلة قرابة بقيادات تلك المؤسسات جميعا. كتاب مسائل الحوكمة للبرفسور ديفيد لاركير طرح دراسات عديدة تبين أن أداء الشركة سيكون أفضل إذا ما عرفت الشركة التركيبة السليمة لأعضاء مجلس الإدارة و نسبة المستقلين فيها. معهد أعضاء مجلس الإدارة بدول مجلس التعاون الخليجي أصدر توصيات في تقريره السابع الصادر في 2021 لممارسة ضغوط أكثر على الشركات و منها الشركات الحكومية في دول الخليج من أجل أن تتوافق ممارسة مجالس الإدارة مع المعايير العالمية ، و أن يتم تقييم فعالية مجالس إدارة الشركات بمقاييس عالمية مثل الحوكمة الدولية للمقاييس (GMI) ، و مقاييس المخاطر / خدمات المساهمين المؤسسيين (ISS). بناء على نتائج تلك المقاييس يتم إجراءات التعيين و الإستبدال لأعضاء مجلس الإدارة في الشركات الحكومية.
خامسا: ضعف نظام نفخ الناقور
شركة برايس ووترهاوس كوبرز أصدرت نتائج إستطلاع 2022 حول الجريمة الاقتصادية العالمية والاحتيال. نتائج الإستطلاع تبين أن 46% من الشركات في الشرق الأوسط و التي تشمل دول الخليج أبلغت عن حالة أو أكثر بها جريمة إحتيال أو فساد. و أن 40% من البلاغات كانت متعلقة بدفع المنافسين لرشاوي من أجل كسب صفقات. على رغم من البلاغات إلا أن الإجراءات و العقوبات ليست بالمستوى الرادع للجريمة. السبب الرئيسي هو أن الردع لا يتحقق فقط بتأسيس نظام نفخ الناقور يتيح للناس التبليغ. إذا ما درست النظام في الشركات التي صُنفت كشركات نزيهة وفق مؤشر الحوكمة الدولية للمقاييس مثل 3 إم و كيلوغ ، فإن تلك الشركات قد عينت شركة مستقلة لإدارة نظام نفخ الناقور و التحقيق في البلاغات. تلك الشركات النزيهة تمارس سياسة صارمة لمكافحة الإنتقام ضد المبلغين و خصوصا أن نسبة الإنتقام من المبلغين في نظام نفخ الناقور وصلت إلى 61% وفق تقرير الدراسة الاستقصائية العالمية لأخلاقيات الأعمال الصادر من اللجنة الاقتصادية للإتحاد الأوروبي في 2020. تلك الشركات النزيهة قامت أيضا بالإمتثال لمعيار أيسو 37001 لإدارة مكافحة الرشوة علاوة على إمتثالها للقانون الأمريكي الخاص بممارسات الأجنبية الفاسدة. و لتقوية نظام نفخ الناقور فإن الشركات النزيهة قامت بنشر ثقافة حقوق العمال و نظام العمل النزيه من خلال الإمتثال لمعيار إسو 26000 الخاص بمسؤولية الشركة الإجتماعية. إذا كانت الشركات في الأسواق الخليجية تريد نظام نفخ ناقور رادع للإحتيال و الفساد فإن عليها أن تحذو حذو الشركات النزيهة العالمية في تطبيق الإجراءات سالفة الذكر.
الخاتمة: إزاحة عوائق الحوكمة
دول مجلس التعاون الخليجي قدمت تشريعات و قوانين متقدمة لإرساء الحوكمة في الشركات. إلا أن هناك عوائق تمنع تطبيق الحوكمة بشكل الذي يُظهر قيمتها كمنظمة رابحة و قرارات ناجحة و استراتيجية مستدامة و نزاهة أصحاب المصلحة. لذلك فإن دول الخليج عليها أن تدخل مرحلة رقابية على تنظيم الحوكمات في الشركات و تمارس توجيهات قانونية لإصلاح تنظيم الحوكمة. المرحلة الجديد في إصلاح حوكمة الشركات في الأسواق الخليجية ينبغي أن تتبنى إستراتيجية تحقق خمسة أهداف هي:
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال