الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل أيام معدودة أعلن وزير السياحة السعودي أن هدف المملكة خلال العام الجاري هو تسجيل 12 مليون زيارة من الخارج مقابل 4 ملايين زيارة في عام 2021. وجاء هذا الإعلان متسقاً مع رؤية المملكة، التي تستهدف 100 مليون سائح في 2030، منهم 30 مليون زيارة من الرحلات الدينية، التي يقوم بها سكان المملكة والوافدين الزائرين لمكة المكرمة والمدينة المنورة. وكانت المملكة قد فتحت أبوابها للسياحة أواخر عام 2019 عبر إطلاق نظام جديد لمنح مواطني 49 دولة تأشيرات سياحية الكترونية لأراضيها. هذا في الوقت الذي تسعى المملكة لجذب 58.5 مليار دولار أمريكي من الاستثمارات في المشاريع السياحية بحلول عام 2023، لتشكل العوائد الاقتصادية للسياحة أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
بناءً على التقارير الأخيرة الصادرة عن منظمة التجارة العالمية، أضافت العوائد الاقتصادية للسياحة للناتج المحلي الاجمالي في الدول التي ارتادها السياح خلال عام 2021 نحو 1.9 تريليون دولار أمريكي. وقد ترتفع هذه العوائد مستقبلاً لتقترب من 3.5 تريليون دولار سنوياً، وهو ما كانت تحققه اقتصاديات الدول السياحية قبل جائحة كورونا، حيث ارتفع أعداد السياح الدوليين إلى 415 مليون سائح سنوياً، لتسجل أوروبا والأمريكتان أقوى نتائج النمو في عدد السياح فاقت نسبة 19% و17% على التوالي، بينما شهدت أفريقيا زيادة بنسبة 12% خلال نفس الفترة.
وتتوقع أحدث تقارير منظمة السياحة العالمية انتعاشاً للسياحة بنسبة 58% في عام 2022، معظمه خلال الربع الثالث، مقابل 42% من الانتعاش المحتمل في عام 2023، لتستمر العوائد الاقتصادية للسياحة في دفع انتعاش معظم القطاعات المتصلة بالسياحة لا سيما في الأسواق المحلية الكبيرة مثل المملكة.
تحتوي الكرة الأرضية على 206 دولة سيادية، منها 32 دولة متقدمة و137 نامية و37 دولة فقيرة، إجمالي تجارتها العالمية من صادرات وواردات فاقت في العام الماضي 22 تريليون دولار أمريكي في قطاع السلع و5 تريليون دولار أمريكي في قطاع الخدمات. ومنذ بدء الإحصائيات الرسمية للتجارة الدولية قبل نصف قرن تفوقت العوائد الاقتصادية للنشاط السياحي العالمي على كافة عوائد الأنشطة الخدمية الأخرى التي بلغ عددها 155 نشاطاً رئيسياً. بل إن عوائد السياحة فاقت في العام الماضي عوائد التجارة الدولية من صادرات وواردات السلع الزراعية والصناعية مجتمعةً، كما فاقت مجموع عوائد الأنشطة العالمية في قطاعات الاتصالات والنقل والكهرباء في نفس العام.
وبينما تستحوذ أوروبا على 54% من عوائد السياحة العالمية، تليها الدول الأسيوية بنسبة 20%، ثم الأمريكيتين الشمالية والجنوبية بنسبة 16%، تأتي أفريقيا ودول الشرق الأوسط في ذيل القائمة بنسبة 5% لكل منها. وتتصدر فرنسا أكثر دول العالم ارتياداً من قبل السائحين بأعداد فاقت 76 مليون سائح في العام الماضي، أضافوا لخزينة الدولة الفرنسية مبالغ تعادل ضعف الناتج المحلي الاجمالي لدول الخليج العربية مجتمعة، تليها اسبانيا التي ارتادها 56 مليون سائح، ثم أمريكا 49 مليون ثم الصين 47 مليون، لتأتي إيطاليا في المرتبة الخامسة بعدد 37 مليون، ثم بريطانيا 28 مليون، ثم ألمانيا والمكسيك التي ارتاد كل منهما 22 مليون سائح.
ولكن أليس من المستغرب أن أفريقيا والشرق الأوسط التي تحتوي على 53% من الآثار التاريخية في العالم تأتي في ذيل قائمة أقل الدول ارتياداً من قبل السائحين؟ كما أليس من المستغرب أن فرنسا التي لا تملك سوى 3% من الآثار التاريخية العالمية تتربع على عرش أكثر الدول ارتياداً من السائحين؟
لذا فإن السياحة في حاجة ماسة إلى أكثر من الآثار التاريخية، حيث تتطلب من الدولة المضيفة اتقان فن تسهيل الحصول على التأشيرات من سفاراتها وقنصلياتها، وحسن استقبال السائح على حدودها من قبل جوازاتها وجماركها، واحترام مواعيد إقلاع الطائرات وسلامة وسائل النقل البحري من قبل خطوطها الجوية والبحرية، وتفاني مواطنيها في كرم الضيافة وتقديم الخدمات وتوفير الأساسيات والاحتياجات من فنادق ومطاعم ومستشفيات وأندية رياضية ومتاحف ومسارح وملاعب وحدائق ترفيهية.
كما أن السياحة ليست مجرد مبان رخامية صماء تحيط بها العشوائيات، وأبراج عاجية متعالية تمتلئ بالمخلفات، وشواطىء ذهبية مسّورة تصد الناظرين، وحدائق غناء مهملة ومليئة بأكوام من القاذورات، وشوارع عريضة لا تحترم فيها قواعد المرور ومكتظة بالمرتزقة والشحاذين. السياحة هي قدرة البلد المضيف على توظيف مقوماته في خدمة السائح وترغيبه على الاستمتاع بوقته واثراء مخيلته ونقش الذكريات العطرة في قلبه وعقله لتشجيعه على تكرار زيارته. كما أن السياحة هي فن الضيافة ومصداقية الخدمة وشهادة ائتمانية دائمة تمنح السائح شغف العودة وتكرار الزيارة.
وما أشبه السياحة بالتفاعل النووي، حيث يبدأ السائح لدى وصوله إلى البلد المضيف في التفاعل مع كافة أنشطة هذا البلد من خلال حركة الصرف المادي على مكان إقامته المريحة ووسيلة تنقله الآمنة والاستمتاع بطعامه النظيف وزيارة مستشفيات علاجه الموثوقة وتمتعه بكرم ضيافة مستقبليه.
لن نكون بلداً مضيافاً إلا إذا إقتنعنا أولاً بالعوائد الاقتصادية لقطاع السياحة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال