الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
متى ما أُوتيت أمة ما من العلم والقوة ، إلاّ وتُنصِّب نفسها وصية على الكون ومسؤولة عن توزيع ثرواته، وتتدخل هذه الأمة في الحياة الإنسانية، متسربلة في الظاهر بثوب العدل والمساواة، حيث بهما تعلو الأمم على اقرانها، بينما تهوي الأخرى إذا قادها الطمع والجشع، مستخدمة قوتها وعلمها في إخضاع من ينافسها ويتفوق عليها فلا يسعها هذا التنافس، فيحصل العكس تماما فيظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت.
وليس بالضرورة كل تطور يتم بيد الانسان فيه صلاح ورشد، فقد يكون بسببه هلاك الكون بأجمعه، فلو تقصى الانسان مدى التعايش والتكامل بين المخلوقات والكائنات، لوجد أنها كحلقات في سلسلة يربط بعضها بعضا، إذا سقطت حلقة اختل توازنها، فكيف عن التعايش بين الانسان والانسان؟
في حين آخر يلاحق هذا الانسان شعور الخوف من الفقر والضعف، ولا يغادر تفكيره حب النفوذ والقوة فيزيد من وتيرة الجشع والتنافس المذموم ضد بني جنسه، فتطفو على السطح الصفات البغيضة، والصور في ذلك كثيرة وعلى سبيل المثال لا الحصر، اكتناز الغذاء والماء والتحكم في مصادره، واحراق المحاصيل أو رميها في المحيطات للضغط بالطلب على العرض، ونتيجة للاسراف الذي يعقبه التبذير مارس البطش والطغيان على بني جنسه.
انها حالة نفسية غير صحية تخالف الفطر السليمة، والأزمات التي تحيط بالعالم، قد تكون مفتعلة لتصحيح تشكيل المنظمات المالية العالمية كما يظنون، التي طالما قدمت نظريات ونصائح اقتصادية، وحتى لا يفسد أمرها افتعل قطّاعيها الأزمات، التي زادت في انتفاخهم، فيا تُرى هل ستُعيد الأزمات تشكيل مراكز القوة بصورة جديدة لقطّاعي جدد؟ وقد تجري الرياح خلاف ما يشتهي القطّاعون!
من الطبيعي عند وفرة المال وتدفقه تختلط الأمور، وتُظهِر الانسان في صورة الوحش الكاسر، فالقوي يصادر حق الضعيف ويجحده، والنظام شريعة القوي، لإثبات أحقيته وتملكه وفق مصالحه، ومصالحه فقط، ولسان الحال يقول أنا أقوى وأكثر عددا.
وقد يتحالف الأقوياء لتحقيق مصالحهم، ثم يتناطحون ليصرع أحدهما الآخر ويدفعه ليكون أولاهما بالفناء، وإلا فالجميع يفنى في مستنقع هذا الطغيان.
صورة القراصنة تتكرر في التأريخ مع وجود العقل، فبالعقل كُرم الإنسان عن بقية المخلوقات، لكن مجرد العقل لا يضمن له السلامة واستلام التكريم، فإما أن يقبل أو لا يقبل فعليه أن يتحمل الخسران إن هلك في سبيل طغيانه إلى الأبد غير مأسوف عليه في التأريخ.
واليوم يقطن الأرض مليار ونصف من البشر، وهذا العدد مؤرق عند قطّاعي الثروات، الذين يشعرون أنهم مسئولون عن أرزاقهم وعن منامهم، فلا يرون في زيادتهم خيرا لثرواتهم.
وأحداث التأريخ كالسلسة المترابطة، يكررها الجنس البشري في تعاقب أجياله، فبعدما انقطع النسل الآدمي الاّ ما كان من ظهر نوح عليه السلام، فهو أبو البشر الثاني، وباني أول سفينة على وجه الأرض بل هو ربّانها، وعُقيب استقرارها على الأرض، عادة الحياة الطبيعية الى أحسن ما كانت عليه من بركات وخيرات، فأنجب نوح عليه السلام في هذا الجو النقي النظيف ثلاثة أبناء يافث وحام وسام، فيافث أنجب ثلاثة أبناء التتار ومن أوصافهم كأنهم (الصين) والترك ويأجوج ومأجوج، جميعهم خطيرون والتأريخ لا يحمدهم، وأغنياء في الخبث والمكر، المهم استفيدوا من ذكائهم بحذر، وكونوا منهم بعد المشرقين، أما حام فأنجب السودان والقبط والبربر نعم الأوادم هم تزيد فيهم نسبة الفطرة عن غيرهم.
ويأتي الحديث عن الابن الثالث سام فأنجب الروم والفرس والعرب، مما يعني أن الروم والفرس والعرب أولاد عمومة، فالعرب لن أطيل في وصفهم، ولكن من وصفهم يقعون موقع الأخ المحسود من قبل الروم والفرس، وأما الروم فبنعمة الله عليهم بالكتب السماوية أنزلها على سُلالات الأنباء الذين كانوا يسوسونهم، أثّرت على قيمهم وحضارتهم، وغالب نفوس البشر تميل لحضارتهم وللسانهم لتمدنهم، وقد تحجزهم المواثيق فيما بينهم ومع غيرهم، فيما لو أُحكمت، فهم مهرة في صياغتها، يجيدون المخرج لأنفسهم إذا ما وقعوا في مأزق، فلنُحكِم نحن كذلك أثناء الصياغة في عقودنا وعهودنا معهم، ولنعرف مخرجنا معهم قبل مدخلنا.
وأما الفرس فعبادتهم للنار مؤثرة على أخلاقهم، فتجدها في طبائعهم من شعلة إلى شعلة فهم مصدر للفتن وإليهم تأرز، وتاريخهم محترق ولا رقعة لصفحتهم بعد ما مزقها كسراهم، وإن تشبثوا في تاريخ فهم مجرد أذى واستنزاف وتضييعٍ لوقت غيرهم، ولا ينفع التعامل معهم إلا على كاش فالمواثيق معهم غير مجدية.
الرحلة سريعة وقد اطلعنا على شعوب قريتنا الكونية وعلاقة أهل مدينتنا بهم وعلاقتهم بنا، ولكي نستشرف للمستقبل لا بد لنا من قراءة لسلسلة التأريخ وأحداثه وتعاقب الأجيال فيه، قد يصحب نموها نمو جرثومي يذهب بها الى تلوث بيئي شامل، تضيق به نفوس المخلوقات بأجمعها، فلا ترثي السماء والأرض على حالهم، فيكون مآلها كمآل سلفها من الأمم والأقوام.
وفي كل عصر ابن لنوح يركب رأسه ويعمد إلى جبل ساعة الطوفان، فإن جاءكم جوزيف بن نوح فانبذوه إلى اليم وهاتوا بارجة “كوينسي”، وأقعدوه على كرسي روزفلت وذكروه بالميثاق، حينما قال: “إنما انا رجل أعمال أمام الملك”، فنعم الصدق في الميثاق فثمّ الالتزام.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال