الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أحرق بايدن كل السفن التي تصله بالسعودية خلال حملته الانتخابية، وفي الشهور الاولى لوصوله للبيت الابيض، لذلك اضطر أن يستخدم قارب نجاة من أجل زيارته للرياض. قارب نجاة بالمعني الحرفي للكلمة، لان بايدن شخصيا، وإدارته ككل، بل والسياسة الأمريكية بشكل عام تغرق، والسعودية أحد أهم المنقذين لها. وقد لمح لذلك بعض المحللين الامريكيين المنطقيين، رغم غضب الغالبية وتحديدا من اليسار.
اهمية النفط للاقتصاد الاميركي في القطاعات الصناعية، والتجارية، والمدنية، ومعاناة الاقتصاد الأميركي والمواطن الاميركي على حد سواء من ارتفاع اسعار الطاقة ظاهرة وواضحة، إلا أن أسعار النفط ليست السبب الأهم لزيارة بايدن للسعودية، بل هناك أسباب أهمها :
أولا اسعار النفط الان محكومة فعلا بالعرض والطلب، وأي زيادة في الانتاج لن تخفض الأسعار بالدرجة الكبيرة التي ترغب بها إدارة بايدن. وحسب تقرير لرويترز فإن العرض يفوق الطلب بحوالي 1.9 مليون برميل يوميا، بعد الزيادة التي أقرتها مجموعة أوبك بلس أخيرا. وهذه الحقيقة هي أحد أهم أسباب الغضب الجارف على بايدن من قبل معارضي الزيارة، وكتبت حوله مقالات وتحليلات.
ثم إن مشكلة البنزين في اميركا في حقيقتها مشكلة مصافي، وليست مشكلة نفط خام، وقد ذكر ذلك سمو وزير الطاقة الامير عبدالعزيز بن سلمان، وأكده بايدن نفسه عندما طلب من الشركات الامريكية تجديد مصافيها وبناء مصافي جديدة. وحسب فوكس نيوز لم يتم بناء أي مصافي جديدة في اميركا منذ السبعينيات الميلادية، أي منذ بدأت الحرب على النفط.
ثانيا أكبر مستهلكي النفط في العالم بعد الولايات المتحدة (الصين و الهند) ليس لديهما أي مشكلة في الشراء من روسيا، بل يفضلانه بسبب التخفيض الكبير الذي يحصلان عليه، ولرغبة الصين في دعم حليفها الأهم اقتصاديا. وهذا يؤكد الحقيقة أعلاه أن سوق النفط لا يعاني من نقص المعروض، وأن الأسعار محكومة بالعرض والطلب، وقد أكد هذه الحقيقة سمو وزير الطاقة في أكثر من لقاء.
ثالثا لن تعمل السعودية على تحطيم اسعار النفط والإضرار بنفسها أولا، والإضرار بحلفائها (النفطيين) من أجل إرضاء الشخص الذي تعهد بجعلها (منبوذة). ومن المتوقع أن لا ترضخ السعودية لطلبات بايدن بزيادة انتاج النفط حسب رغبته، وهذا الأمر ايضا اشار اليه عدد من المحللين الامريكان.
إذن ما الذي جعل بايدن يتخلى مرغما عن كل تهديداته وتعهداته المعادية للمملكة ولشخص سمو ولي العهد تحديدا، ويحضر للسعودية لترميم ما يستطيع ترميمه من العلاقات بين الحليفين الاستراتيجيين، والتي عمل هو ومن قبله اوباما على تدميرها بتعمد، رضوخا لرغبات اليسار الامريكي المتطرف؟؟
أولا تضرر الشركات الامريكية العاملة في المملكة بصورة كبيرة جدا بسبب سياسة اوباما وتضررت أكبر بسياسة بايدن، خصوصا بوجود بدائل عالمية كثيرة وتحديدا الشركات الصينية، التي استطاعت ملء فراغ الشركات الامريكية وبسهولة. وهذا الخطأ تكرر في روسيا، وقبلها في فنزويلا، وظهر جليا أنه خطأ استراتيجي سوف يؤثر على مكانة الاقتصاد الامريكي عالميا في تنافسه مع الاقتصاد الصيني، وقد يخسر السباق كما يتوقعه بعض المحللين الامريكيين، خصوصا في مجال التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي.
وتأكدت كارثية قرار خروج بعض الشركات الامريكية من السوق السعودي بعد عودة العمل في مشاريع رؤية السعودية 2030 عقب انتهاء جائحة كورونا، وعودة اسعار النفط لأفضل مما كانت عليه عند بدء الرؤية.
ثانيا الشلل التام للسياسة الامريكية في العالم العربي والشرق الاوسط، وعدم قدرتها على التأثير في الأحداث الجارية في المنطقة، وتحولها حرفيا لدولة منبوذة. فمن جانب عملت ادارة اوباما على تقويض العلاقة بالحلفاء التاريخيين وتحديدا السعودية ومصر والامارات، ومن جانب أخر الدول العربية الأخرى إما معادية لاميركا تاريخيا، أو محدودة التأثير، ثم عمل بايدن على إكمال ما بدأه اوباما.
زاد الأمر سوءا على إدارة بايدن عدم قدرتها على انهاء مشكلة الاتفاق النووي مع إيران، لتصلب الموقف الايراني بدعم روسي، اضافة لتدهور العلاقات الامريكية التركية عقب الانقلاب الفاشل في تركيا. وفوق كل ذلك تأثر علاقة ادارة بايدن سلبا بالحليف الأهم لاميركا (اسرائيل) بسبب الاتفاق النووي مع ايران.
كل ذلك التراجع الكبير في مكانة السياسة الاميركية في الشرق الاوسط حله يوجد في الرياض، ولا يوجد بديل أخر مضمون. والادارة الامريكية تدرك ذلك تماما، لكنها كانت تعول على قدرتها في الضغط على الحكومة السعودية بدون تقديم تنازلات حقيقية. وقد حاولت إدارة بايدن من خلال إرسال بعض مسؤوليها، وأهم القيادات الأوروبية للتوسط لدى القيادة السعودية. حيث رفض ولي العهد السعودي استقبال وزير الدفاع الاميركي، كما لم تجدي زيارات الرئيس الفرنسي، ورئيس الوزراء البريطاني، وغيرهم من المسؤولين الاوروبين في تغيير موقف الرياض الذي يصر على علاقات استراتيجية كاملة تخدم مصالح البلدين على حد سواء.
أخيرا بسبب قوة السياسة السعودية، وتماسك الجبهة الداخلية فشلت جميع الاسلحة السياسية والاقتصادية والاعلامية التي استخدمت للضغط على السعودية لتغيير مواقفها، وبعد الفشل الذريع لسياسة بايدن بجعل السعودية (منبوذة) وحدوث العكس تماما، أصبح بايدن أمام خيارين كلاهما مر، إما الحضور للرياض مرغما في إتجاه معاكس لكل ما كان يؤكده طوال أربع سنوات، وذلك لحماية المصالح الأميركية العليا، وإما التضحية بتلك المصالح للحفاظ على (سمعته) ومكانة حزبه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال