الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يُنسب مصطلح “النظام الثلاثي” أو ما يسمى حاليا بالفصل بين السلطات بشكل عام إلى الفيلسوف السياسي الذي سطع نجمه خلال عصر التنوير الفرنسي “بارون دي مونتسكيو”. على الرغم من أنه لم يستخدم مثل هذا المصطلح ولكنه أشار إلى “توزيع” السلطات السياسية في الدولة الى ثلاث سلطات مستقلة ألا وهي السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية. كان نهج مونتسكيو يتمثل في تأسيس نموذج يناسب دستور الجمهورية الرومانية والنظام الدستوري البريطاني. رأى مونتسكيو أن الجمهورية الرومانية يجب ان يكون لها سلطات منفصلة بحيث لا يمكن لأحد اغتصاب السلطة الكاملة مما يؤدي الى ضياع الحقوق بسبب هشاشة النظام وعدم الحياد في تطبيقه. في النظام الدستوري البريطاني ، ميز مونتسكيو أيضا فصل السلطات بين الملك والبرلمان والمحاكم.
كما أشار مونتسكيو انه عندما تتحد السلطتان او الثلاث سلطات في يد نفس الشخص ، فيستحيل أن تكون هناك حرية في تطوير الانظمة او عدالة في تطبيقها. فإذا لم تنفصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. إذا انضمت السلطة القضائية إلى السلطة التشريعية ، فإن حياة وحرية الفرد سيتعرض لرقابة تعسفية؛ لأن القاضي حينها هو المشرع والحكم. كما انه إذا انضمت السلطة القضائية إلى السلطة التنفيذية ، فقد يتصرف القاضي بالعنف والقمع لأنه سيكون هو هنا الخصم و الحكم.
في المملكة العربية السعودية، نص النظام الأساسي للحكم على مبدأ الفصل بين السلطات، وأكد في طيات نصوصه على استقلالية القضاء عن السلطات الأخرى. لكن السؤال، هل فعلا النظام القضائي يتمتع بالاستقلالية؟
للاجابة على هذا التساؤل، لابد من توضيح هيكل النظام القضائي في المملكة. تتبنى المملكة نظام القضاء المزدوج. بمعنى تفصل المحاكم الى نوعين. النوع الاول يتمثل في المحاكم العامة والتي يندرج تحتها المحاكم التجارية، والجزائية، والعمالية..الخ. النوع الثاني هي المحاكم الادارية و المتمثلة في ديوان المظالم والتي تنظر في القضايا التي تكون احدى قطاعات الحكومة طرفا فيها. وهذه كلها تندرج تحت هيكل المؤسسة القضائية السعودية. لكن ماذا عن اللجان الشبه قضائية؟ هل هي تدخل ضمن السلطة القضائية والسلطة التنفيذية؟ طرحت هذا السؤال لأن اللجان الشبه قضائية هي عبارة عن مجموعة من المختصين -خارج السلك القضائي- مهمتها النظر في قضايا تأديب أو جزاء أو تسوية منازعات مدنية أو أوراق جارية او ضريبية ..الخ محددة بموجب نظام معتمد بشكل استثنائي وإصدار قرارات بشأنها. بمعنى ان بعض الاجهزة الحكومية يكون لديها لجنه منبثقة عنها يتم الامتثال إليها للفصل في النزاع من ناحية قضائية. وهنا تتحول السلطة التنفيذية الى سلطة قضائية، وهذا امر يخل بشكل واضح بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء التي نص عليها النظام الأساسي للحكم.
لا شك ان من يعمل في هذه اللجان يراعي مبادئ النزاهة في اصدار الاحكام، لكن اذا كان الجهاز الحكومي يدخل في نطاق السلطة التنفيذية، والتي لديه الحق بحكم النظام في إصدار اللوائح التي تتناسب معها، وعندما يحصل نزاع يلجأ من لديه هذه الخصومة الى لجنة شبه قضائية تابعة للجهاز الذي نشأ معها النزاع، من الطبيعي ان يكون الحكم في حالات كثيرة لصالح الجهاز نفسه، لأنه هو الخصم و هو الحكم، وبالتالي مبدأ الحياد يعتبر معدوم في هذه الحالة.
لذلك، المملكة العربية السعودية، في ظل قيادتها الرشيدة، تبذل الغالي والنفيس من اجل الاخذ بيد مملكتنا الحبيبة لتكون في مصاف الدول المتقدمة. وجود مثل هذه الثغرة الساطعة للعيان و التي تخالف القوانين الدستورية السعودية، بشكل قد يسبب تباطؤ في تأسيس البنية التحتية للتطوير وتحقيق الأهداف التي تسعى إليها رؤية 2030. فمن الابدى، ضم هذه اللجان شبه القضائية لتكون محاكم تندرج تحت ديوان المظالم في حال كانت القضايا ادارية كالمحاكم الضريبية، و تحت المحاكم العامة اذا كانت القضايا ذات مواضيع اخرى كالمحاكم الرياضية. ونظرا لانها تعتبر محاكم تفصل في امور فنية، فهذا يعني ان من يعمل بها يجب أن يكونوا من متخصصي القانون في المجال الذي كسب فيه القانوني خبرته خلال مسيرته المهنية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال