الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من أبجديات التزام مجالس إدارة الشركات، حماية مصلحة الشركة ومساهميها، حيث يكون مجلس الإدارة هو الخط الأول والرئيس في الدفاع عن الشركة ومصلحتها بالدرجة الأولى. ومن أبرز الأمثلة التي يبرز فيها هذا الدور المهم لمجلس إدارة الشركة، هي حالة عروض الاندماج وصفقات الشراء المحتملة، والتي يبرز فيها بوضوح دور أعضاء مجلس الإدارة كمدافعين عن الشركة، خاصة حينما يكون العرض المقدم غير مرغوبٍ فيه. ولكن قد يكون لمجلس الإدارة مصلحة متعارضة، أو يكون العرض المقدم جيدًا للمساهمين وليس فيه مصلحة للمجلس. وهنا تبدأ أكثر المعضلات الرئيسية التي تشهدها المحاكم، خاصة في أمريكا وبريطانيا؛ بسبب الشفافية العالية، ووجود الأرضية الخصبة لمناقشة مثل هذه التفاصيل، التي وإن كانت تتم مناقشتها داخل أروقة مجالس إدارات الشركات، غير أنها سرعان ما تظهر على السطح.
وحتى يبدو هدف هذا المقال واضحًا، نذكر تجربة عالمية يتم تدريسها في أبرز كليات الاقتصاد المرموقة، وكمثال مميز للكيفية التي يجب أن يكون عليها رد مجلس إدارة الشركة خلال الصفقات المحتملة, وكيف يتحول دور مجلس إدارة الشركة حسب مرحلة العرض والقيمة. والأهم كيف يحافظ المجلس على واجباته حسب نصوص نظام الشركات ولوائح الحوكمة, والأسواق المالية حسب القبعة التي يلبسها العضو في مواجهة العرض.
ولعل من أبرز هذه التجربة، تجربة،Cadbury الشركة البريطانية المعروفة في مواجهة عرض الاستحواذ المقدم من شركة Kraft الأمريكية، والتي استطاع المجلس في النهاية من رفع السعر المقدم المبدئي إلى أعلى مستوى له، إذ بلغ الضعف ما قبل العرض. والقصة كالتالي: فقد تلقي رئيس مجلس إدارة (كادبوري) البريطانية المعروفة بصناعة الحلويات الشوكولاتة، اتصالًا من المديرة التنفيذية لشركة كرافت، والتي لا يخلو بيت سعودي من منتجاتها، برغبة الشركة بالاستحواذ على الشركة (كادبوري). هذه الأخيرة رأت أن السعر المقدم غير مقنع، وبعيد كل البعد عن القيمة الحقيقة للشركة، فضلًا عن عدم التناغم بين الشركتين. ومن هنا بدأت شركة (كادبوري) برنامجها الدفاعي؛ عبر تشكل فريق من المختصين في الاندماج والاستحواذ في لندن، والتواصل مع كثير من المساهمين بشكل شخصي، تحثهم على عدم الذهاب خلف العرض المغري لشركة كرافت، والحرص على عدم انتقال الأسهم من أيدي المساهمين العاديين إلى صناديق التحوط, وعدم الالتفات إلى النداءات السياسية، كمحاولة من قبل بعض السياسيين كدفاع عن الشركات البريطانية—أعتقد خطوة ذكية من مجلس إدارة شركة (كادبوري) بعدم الخلط الأمور بين الأمور التجارية والسياسية.
دون شك واجهت الشركة صعوبات كبيرة في أقناع بعض المساهمين، لا سيما من الصناديق الاستثمارية، والذي لا يهمهم سوى تحصيل الربح، وهو الفرق بين السعر الحالي في السوق والسعر الذي ستشتريه منهم كرافت في حالة إغلاق الصفقة. لهذا كان مجلس الإدارة بقيادة رئيس مجلس الإدارة، يتابع بشكل دقيق سجل المساهمين، والذي يشهد فيه خروج المستثمرين العاديين وانتقالها إلى أيدي المؤسسات المالية، والذي يرى فيه مجلس إدارة الشركة خطورة كبرى. فالمؤسسات المالية، وخاصة صناديق التحوط أو مايسمون arbitrageur ، قلما يلقون بالًا لنداء الشركات بعدم البيع لانخفاض القيمة المعروضة او عدم التجانس مع الشركة العارضة.
كما هو معروف, صناديق التحوط أيضًا دون شك هي تحت ضغط من المستثمرين فيها، للحصول على أرباح, لهذا يتوجب على المدراء وضع مصالح الصندوق مع مصلحة المستثمرين في الصندوق، بغض النظر عن موقف الشركة المستثمر فيها. ولهذا بدأ تظهر مؤخرًا بعض النداءات بإعادة النظر في مصلحة المساهمين على اتجاهات مختلفة. فمصلحة المساهم العادي تختلف تمامًا عن مصلحة الصندوق الاستثماري، والذي لا يهمه مصلحة شركة بحد ذاتها؛ بل الصندوق بشكل عام.
لهذا كان هدف شركة (كادبوري)، هو التأكد من عدم وصول الأسهم في أيدي تلك المؤسسات المالية، عبر الاتصال الشخصي للمستثمرين، لا سيما البريطانين؛ عبر تطمينات المستثمرين بعدم عدالة السعر، وأن القيمة المعنوية لشركة (كادبوري) ستفقد من خلال هذا الاستحواذ، حيث شركة كرافت كانت شركة متعددة النشاطات. وتم تشكيل فريق من داخل الشركة؛ لمعرفة إلى أي مدى سيبيع المساهم الفلاني والمساهم الآخر. وهذا كله بهدف المدافعة عن مصلحة الشركة والمساهمين بالدرجة الأولى. وفي نفس الوقت، أظهرت الشركة نتائج توقعاتها المالية المستقبلية للشركة، والذي بدا مشرقًا وورديًا.
ولم يكتفِ مجلس إدارة الشركة بهذا القدر، بل قام بمغازلة عدد من الشركات؛ كشركات هيرشي، وشركة نيستله، وشركة إيطالية مشهورة في صناعة الحلويات. ولكن لم تصل الشركة إلى صفقة مؤكدة مع تلك الشركات. مما جعل شركة كرافت تعجل وتعيد استراتيجيتها مرة أخرى لكسب رضاء مجلس إدارة الشركة، وذلك من خلال تقديمها عرضًا ماليًا أعلى. فالعرض المقدم من شركة كرافت كان ٤٠|٦٠ أسهم وكاش، ولهذا كان يفترض أن تقوم شركة كرافت بوضع تصويتًا للمساهمين على زيادة رأس مال الشركة، حسب ما تتطلبه قوانين أسواق نيويورك في حالة زيادة الأسهم عن ٢٠٪. ولكن جاء الفرج لشركة (كادبوري) من المستثمر المشهور وارن بافيت، والذي رأى أن العرض مبالغًا فيه، وأنه لن يصوت بالموافقة على زيادة رأس مال الشركة، حيث يملك في شركة كرافت بما لا يقل عن ٩٪. فرحت (كادبوري) بهذا التطور، غير أنه وبعد أسبوع وردتها الأخبار السيئة، حيث قامت شركة كرافت ببيع شركة البيتزا لشركة نيستله، ومن هنا عدلت العرض المقدم بزيادة العرض المالي وتخفيض الأسهم، حيث تتملص من وضع تصويت للمساهمين.
ومع هذا التغير في العرض المقدم، مازالت كرافت تنتظر موافقة (كادبوري) لتوصية للمساهمين بعدالته، والذي وصل إلى الضعف القيمة من بداية العرض. وهذا أمر يشكر لمجلس إدارة (كادبوري). ولكن حسب قوانين الأسواق المالية البريطانية، وتحديدًا الخاصة بالاستحواذ، والتي تتطلب مساعدة مجلس الإدارة الشركة المعروض عليها في حالة تغير العرض. حيث كان العرض السابق هو ٤٠|٦٠ كاش وأسهم، ولكن في العرض الجديد، كانت هناك زيادة في العرض المالي-الكاش- مقابل الأسهم فضلاً عن إبقاء العرض الأصلي على الطاولة نظرياً.
ومع ظهور الرغبة لمساهمي (كادبوري) بالعرض المقدم، اقتنع مجلس الإدارة بتغيُّر دورهم تغير من مدافعين عن الشركة حتى آخر رمق، إلى الهجوم لأجل الحصول على أعلى سعر للمساهمين. فظلت الشركة رافضة لتوصية المساهمين حتى يصل العرض إلى أعلى مستوى، والذي رضخت له شركة كرافت في نهاية الأمر. وحتى ومع رفع العلم الأبيض، مازالت الشركة تصارع، حيث طلبت ان تزيد شركة كرافت العرض المالي والتي وافقت عليه، حيث كان سعر الشركة قبل العرض هو في بحر ٤٠٠ باوند، ومع التوصية كان العرض ٨٥٠ باوند.
المميز في قصة (كادبوري)، أن بعض رجالات الحكومة البريطانية حاولوا مساعدتها، بجلب الضجيج حول الصفقة؛ بالنداء لحماية الشركات البريطانية من الشراء الأجنبي رغم أن المشتري أمريكي. فكان رد رئيس مجلس إدارة شركة (كادبوري): أن المسألة تجارية بحتة بين الشركة ومساهميها، وهم ليسوا بحاجة للحماية السياسية. والخلاصة التي يمكن للشخص فهمها من هذه القضية، هي كيف الفهم والعمق الحقيقي لدور مجلس الإدارة، في الدفاع عن مصالح الشركة بالدرجة الأولى، ووضع الاستراتجية الواضحة، وعندما يعي المجلس أن الشركة أصبحت للبيع، وأن المساهمين سيبيعون؛ يتحول دورهم هنا، من الدفاع إلى الهجوم؛ للحصول على أعلى سعر للمساهمين، وهذا لا يقتصر حتى في الوصول للبحث عن مشترين والمزايدة على الشركة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال