الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منْ أشهرِ مقولات المفكر الاقتصادي الكبير جون مينارد كينز: ( منذُ أقدمَ العصور التي لدينا عنها سجلات ولنقل منذُ ألفيْ سنة قبلَ الميلاد وحتى بداية القرن الثامن عشر لايزال العالمُ يعيشُ حالاتٍ منْ الأوبئةِ والمجاعاتِ والحروبِ ثم انتقل إلى الزياداتِ الهائلةِ في الإنتاجيةِ الصناعيةِ معَ بدايةِ الثورةِ الصناعيةِ ) .
مع تواصل المثالية الإنتاجية اللاحقة للثورةِ الصناعيةِ وصولاً إلى ثورةِ التقنيةِ ( الثورةُ الصناعيةُ الرابعةُ ) وبالنظرِ إلى المستقبل نجدُ أن هذهِ المقولة وإلى حد ما أثبتتْ صحتها اليوم وأن الإنسان قادرٌ على إحداثِ تحولاتٍ كبيرةٍ على مستوى التقدمِ الحضاريِ والاقتصادِ المعرفيِ ووصلَ بالفعلِ إلى أعلى درجاتِ التطورِ وسيصلُ أيضا إلى المزيدِ .
لطالما تعرضَ الاقتصادِ عبر مرحلٍ زمنيةٍ مختلفةٍ إلى أزماتِ ودوراتِ متتابعةٍ لأنهُ متغيرٌ وأكثرُ استجابةٍ لأيِ ظروفِ ، فالاقتصاديَ اليوم عينهُ على البنوكِ المركزيةِ والعين الأخرى على الأزماتِ بمختلفِ أنواعها .. حيثُ يشهدُ مستقبلَ الاقتصادِ العالميِ تطوراتٍ متلاحقةً ألقتْ بظلالها على وتيرةِ التعافي المنتظرِ جراء جائحة كورونا ولمْ تكنْ صدمةٌ واحدةٌ بلْ صدماتٌ متعددةٌ مثلٌ حربِ أوكرانيا واختناقِ سلاسلِ الإمدادِ وتزايدِ الضغوطِ التضخميةِ والزيادة الكبيرة في أسعارِ السلعِ الأولية واختلالاتٌ في قوى العرضِ والطلبِ والدخول في اقتصاد الحرب والارتفاع الكبير في تكاليف الشحن وأسعار الحاويات مما أسهمَ في تباطؤِ النموِ والتعافي المتوقعِ وأصبحَ التضخمُ الشغلُ الشاغلُ لصانعي السياساتِ الاقتصاديةِ في مختلفِ دولِ العالمِ حيثُ يواجهُ صناعُ السياساتِ والشركاتِ حولَ العالمِ .. تحدياتٌ اقتصاديةٌ يكادَ ما يقالُ عنها إنها الأعنفُ في التاريخِ الاقتصاديِ .
هذهِ التحدياتِ تضعُ أهمَ سؤالاً يبحثُ عنْ إجابةٍ واقعيةٍ حول كيفيةِ تجنب هذهِ المخاطرِ وتجاوزها ؟
الاقتصادُ اليوم منظومة عالمية مترابطة مع بعضها البعضِ لا يمكنُ بأيِ حالِ منْ الأحوالِ فصلَ تلكَ التحدياتِ سواءٌ كانَ ذلكَ بشكلٍ إقليميٍ أو حتى في شكل الاقتصاد الجزئي فعندما يتمُ إغلاق مصنعِ ما في أيِ مكانٍ بالعالمِ لا بد في المقابلِ منْ أنْ تختلَ هذهِ المنظومةِ المترابطةِ وقس على ذلكَ بقيةُ الأنشطةِ الاقتصاديةِ حولَ العالمِ ، لذاك فإن معاناةً أكبر وأهمَ قطاعٍ اقتصاديٍ ( الصناعة ) سوفَ يخلقُ تداعياتٍ لا تغدو كونها الأهمَ في الاقتصادِ بلْ إنها الشريانُ النابضُ للاقتصادِ وعندما تعاني هذهِ المصانعِ منْ الإغلاقاتِ أوْ نقصِ الموادِ الخامُ أوْ الإمداداتِ فلا شك أنَ هذهِ التداعياتِ ستتوسعُ لتطالَ المنتجَ والمستهلكَ فالاقتصادِ الكليِ وبالتالي ماذا سيكونُ عليهِ المستقبلُ كي نخرجَ من هذهِ الدائرةِ ؟
لنكنْ أكثرَ صدقاً .. لا يمكنُ لأيِ خبيرٍ أوْ اقتصاديٍ بالعالمِ اليومِ أنْ يقدمَ نظرةً مثاليةً واقعيةً لما هو آتٍ وخاصةً على المدى القصيرِ والمتوسطِ لأنَ الاقتصادَ ببساطة في حالة عدم اليقين وعلى الرغمِ منْ الصخبِ الاقتصاديِ الكبيرِ حولَ المعالجاتِ الحاليةِ إلا أنَ الاختلافَ الاقتصادي بينَ مفكري علمِ الاقتصادِ يدورُ حولَ محورِ التفاؤلِ والمخاوفِ وكلِ فريقِ منهما لهُ أدواتهِ ومبرراتهِ فالتوقعات الاقتصاديةِ التي تشيرُ إلى حدوثِ ركودٍ تضخميٍ ان حدث سيلقي بظلالهِ على المستقبلِ الاقتصاديِ مما يكتنفهُ شيء من الغموضِ والضبابيةِ إلا أنَ الاقتصادَ بشكل أو بآخر يستطيع أنْ يتجاوزها كما تجاوزَ غيرها فلا يزال أمامنا حلولٌ عميقةٍ قادرةٍ على دعمِ الاستقرارِ الاقتصاديِ .
منْ المؤكدِ أن الاقتصاد العالمي قادرٌ على الخروجِ منْ فوضى التعثرِ الذي خلفتهُ تلك التداعيات ولكن من المهم أيضا أنْ نتعلمَ منْ دروسِ الماضي ونقارنُ الأحداث والحلول وفق المعطياتِ والجزئياتِ التي تُحدثَ استجابةً اقتصاديةً مثل المعارفِ والخبراتِ والمناقشاتِ المفتوحةِ كما أنهُ منْ المهمِ العملِ على خلقِ التوازنِ بين القطاعاتِ الاقتصاديةِ والصحيةِ والاجتماعيةِ ، والسياساتُ الماليةُ والسياساتُ النقديةُ والاستثمارُ في التطبيقاتِ التكنولوجيةِ ، وخاصةً تكنولوجيا الذكاءِ الاصطناعيِ ، وتوظيفها في الارتقاءِ بعمليةِ الإنتاجِ لتسريعِ وتيرةِ النموِ الاقتصاديِ ، ودعمَ برامجِ الاستثمارِ في القطاعاتِ الخدميةِ والعملِ على تطويرها ، وتطوير بيئاتِ العملِ وسياساتِ الاستثمارِ ، وتعزيزَ التحولِ الرقميِ ، لمواكبةِ متطلباتِ هذهِ المرحلةِ وما بعدها .
مجملُ القولِ : من المهم الميل نحو النظرة الإيجابية المستقبلية فمهما أصابَ الاقتصادُ العالمي من ندباتٍ فالمعالجاتِ ممكنةٌ وتجاوزُ هذهِ المرحلةِ ممكناً منْ خلالِ تعزيزِ أطرِ التعاونِ الدوليِ وبناءُ قدراتٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ وهو ما يعني أن مواصلةَ العملِ الاقتصاديِ بشكلٍ يمثلُ الرغبةَ والحاجةَ المشتركةَ سيفضي بلا شكٍ إلى الخروجِ منْ عنقِ الزجاجة والمضي قدماً نحوَ غدٍ أفضلَ لهذا الجيلِ والأجيالِ القادمةِ .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال