الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ستكون الأشهر الستة المقبلة فترة بالغة الأهمية لأوروبا لأنها بمثابة اختبار ما إذا يمكن لها أن تكون قادرة على عبور الشتاء القادم بسلام في ظل أزمة طاقة غاز طبيعي ونفط ومنتجاته لم تشهدها من قبل.
أزمة الطاقة في أوروبا ستزداد حرجا بسبب أن روسيا تعمل على منع الأوروبيين من تخزين إمدادات غاز ونفط كافية للشتاء المقبل، مما سيخلق مشقّة اقتصادية في ظل تضخمات خانقة وخلاف سياسي داخل الاتحاد الأوروبي، كما أن رهان البعض في أوروبا على رفع العقوبات عن إيران ربما لا يعدو كونه فكر رغبوي، مما يعني أن النفط والغاز الإيراني لن يتدفق بالشكل المطلوب إلى الأسواق الأوروبية على الأقل في أي وقت قريب، وأيضا تظل دول “أوبك” غير قادرة على تلبية أي طلب إضافي لأن بعض أعضائها تعيش أقصى قدرتها الإنتاجية، وأخرى تعاني من مشاكل استثمارية وفنية في الإنتاج مما يعني أنها لن تستطيع العودة إلى مستويات الإنتاج، والتأثير يلامس قطاع التكرير للبنزين والديزل والوقود النفاث.
وقوف أوروبا بعناد في وجه روسيا بسبب عملياتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، جعلها مستعدة لوضع مالا يقل عن 40 % من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وما يقارب 3 مليون برميل من النفط الخام يوميا على حافة الهاوية، ضاربة بعرض الحائط مستقبلها ومستقبل صناعاتها وشعوبها، وعليه فقد قررت أوروبا – وبجرة قلم – الرجوع لاستخدام الفحم الملوث الأكبر للبيئة والباعث للغازات المؤثرة على المناخ، لحين الاعتماد الحقيقي على الطاقة النظيفة.
وبسبب جرة القلم الجريئة هذه، فإن ملف تغيّر المناخ لم يعد يحظى – واقعيا – بنفس الزخم الذي كان يعيشه في أوروبا، مما سيضع أوروبا في موقف محرج جدا في مؤتمر تغيّر المناخ (COP27) القادم في مصر، وإذا كان يمكن فهم موقف أوروبا من الغاز والنفط الروسي الذي أجبرها للعودة إلى الفحم، إلا أن هناك فرضية (ليست قوية بعد) أن أوروبا ربما وجدتها فرصة للتنصل من موقفها المتطرف في الدفاع عن المناخ، لأن هناك احتمالية مواجهة أزمة مع الطاقة النظيفة نفسها مستقبلا.
الألواح الشمسية صناعة صينية، وهذا يعني تواجد الصين بقوة في إطار حاجة أوروبا منها مما يعني سيطرة صينية فماذا أوروبا صانعة وقتها، كما أن صوت حماة البيئة يتصاعد بسبب خطورة المراوح الهوائية والتيارات المائية على الحياة الفطرية وأيضا تلوث المشهد، هذا بجانب أن التخلص من مصادر الطاقة الأحفوري يعني التنازل عن كم مهول من أموال الضرائب على النفط الخام ومنتجاته المكررة، وارتفاع أسعار المنتجات العاملة بالكهرباء مثل السيارات، ومواجهة تحكم روسيا والصين على الكثير من مراقد المعادن المطلوبة في صناعة الطاقة النظيفة.
أوروبا تدرك جيدا بأن أزمة الطاقة العالمية اليوم يمكن أن تتحول مستقبلا إلى ما هو أسوأ مما شهدته في أي أزمة في تاريخها بسبب تخبطها ونفاقها في التعاطي مع تكاملية مصادر الطاقة، والذي يتطلب أن يتعاون الجميع في أوروبا بعقلانية لمواجهة هذه الاحتمالية من خلال دعم استثمارات أعمال المنبع وتدفقات الطاقة التي تعتمد عليها اقتصاداتهم الحديثة، فالأزمة القادمة جادة، والشركات قلقة من هذا الموضوع، والمصرفيين المركزيين الذين يعانون من التضخم والزعماء السياسيين وبلدانهم المتخوفين من تراكم الديون، كما أن الأزمة لن تشمل الغاز الطبيعي والنفط والفحم فقط بل وحتى دورة الوقود النووي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال