الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم تنكر وزيرة الخزينة الأمريكية احتمالية دخول الاقتصاد الأمريكي حالة الركود نتيجة اللجوء للسياسة النقدية في علاج التضخم، ومعها رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بالرغم من أن الرئيس الأمريكي أشار بأنه لا يعتقد بحتميته، إلا أن هناك من المستثمرين والاقتصاديين يبالغ في توقعاته ويمضي لأبعد من ذلك والحديث عن حالة كساد، بسبب التخوف أصلا من أن الاحتياطي الفيدرالي ينوي القيام بعكس كامل تداعيات التيسير الكمي الذي حصل ولن يقف إلا بعد الانتهاء منه.
القلق من الكساد كالذي حصل في ثلاثينيات القرن الماضي جدلية متكررة ومبالغ فيها اعتمادا على قوة وضخامة وظروف الاقتصاد الأمريكي، فقد حصل مرة واحدة في أوائل القرن الماضي – وهي الحالة الوحيدة في تاريخ الولايات المتحدة – وأثير الكلام عن احتمالية حدوثه أثناء ركود عام 2000 عندما تهاوت شركات التقنية، وأيضا في 2008 مع انهيار سوق الدين، بل وأثناء جائحة كوفيد-19 في 2020، والتي بالفعل هوت بأرقام الناتج المحلي الأمريكي سريعا، ولكن بدت الأمور متماسكة فيما بعد ومن ثم تحركت مع التيسير الكمي.
أما الركود في الاقتصاد الأمريكي فتوقعه أقوى من ذي قبل هذه الأيام، بسبب المعطيات الداخلية وتأخر عملية علاج التضخم، والظروف الجيوسياسية الحرجة ووضع اقتصادي أوروبي على حافة هاوية وضعف النمو في اقتصادات عالمية عديدة، ولكن تستمر المبالغة في التوقعات مثل أن الركود ربما قد تخطى مرحلة أن يكون ضحلا أو معتدلا، وسيكون تضخميا بآثار مؤلمة ومتسارعة وطويلة على شرائح المجتمع الأمريكي الضعيفة وقطاعات الأعمال وعلى رأس القائمة المنظومة المالية والاستثمارية.
لكن هناك ما يلتمس العذر لهم في تخوفهم المتعاظم خاصة على أسواق الأوراق المالية في الولايات المتحدة بعد أن ظهرت نتائج آخر يوم من النصف الأول للعام بجملة من الخسائر بلغت حوالي 15% لمؤشر “داو جونز”، و20% لمؤشر “ستاندرد اند بورز”، و30% لمؤشر “ناسداك”، ومتوقع هبوط إضافي.
وهناك أيضا تخوف من ضعف معمّق للطلب على السلع بسبب وسع مساحة العنصر الشاب الذي لا يمتلك النقد الاستهلاكي، وشيخوخة شريحة عريضة في المجتمع الأمريكي بمحدودية احتياجاتها على الأساسيات الحياتية فقط، كما أن التطور المذهل في التكنولوجيا المساهم في رفع كفاءة التشغيل التجاري والصناعي – الذي من المفترض أن يدعم خفض أسعار السلع – يعتبر عاملا في زيادة نسبة البطالة بسبب استبدال القوى البشرية بالآلة الذكية.
ويظل الخوف من أن السياسة النقدية (رفع معدل الفائدة) ربما غير كافية كوسيلة العلاج الوحيدة للتضخم الحالي، لوجود إشارات تدل على أن النقص الحاصل في المعروض بسبب عجز في الإنتاج هو نتيجة مشاكل عميقة في سلاسل الإمداد في المقام الأول.
مهارة الاحتياطي الفيدرالي في إدارة المشهد هي من ستدحض الجدليات والتخوف القائم حاليا من الدخول في الركود التضخمي المطوّل، ولكن هذا يتطلب ظهور أرقام هبوط معتبرة لمنحنى التضخم وبتأثيرات مقبولة على معدلات النمو والبطالة قبل نهاية هذا العام 2022، وإلا ستكون الولايات المتحدة على موعد مع ركود تضخمي تتباطأ فيه معدلات النمو المصحوبة بتصاعد التضخم أو البقاء في مستويات مرتفعة ابتداءً من عام 2023، مما سيتسبب في إحداث تحديات صعبة للاقتصاد الأمريكي والعالمي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال