الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كانت النظرة المستقبلية لاقتصاد الاتحاد الأوروبي قبل اندلاع الحرب تشير لمرحلة توسعية مطولة وقوية حيث أن الوضع الوبائي كان في تحسن تدريجي ملحوظ في حين كان من المتوقع أن تتلاشى معظم الرياح المعاكسة الناجمة عن اختناق سلاسل الإمداد والضغط على أسعار الطاقة والسلع الأساسية بداية هذا العام.
أوروبا في النفق المظلم مجدداً
من الواضح أن العواقب السلبية للحرب داخل الاتحاد الأوروبي كبيرة جداً وتتفاقم مع تقادم الوقت حيث أن التواجد جوار مسرح العمليات والعلاقات الاقتصادية الوثيقة مع أوكرانيا والاعتماد الشديد على مصادر الطاقة الروسية تزيد من التعقيدات والآثار المترتبة ويحتل الاتحاد الأوروبي المرتبة الأولى بين الاقتصادات الكبرى الأكثر تضرراً من الحرب مدفوعاً بالاضطرابات في إمدادات الطاقة الروسية و ضغوط أسعار السلع الأساسية و تدفق ملايين اللاجئين لدول الإتحاد الذي يزيد من حالة عدم اليقين في الخروج من هذا النفق المظلم .
تلخص الافتراضات الخاصة التي تقوم عليها التوقعات والتي تتعلق بمدة وشدة التوترات الجيوسياسية فضلاً عن حجم وتوزيع وتكامل سوق العمل لاحتواء المواطنين في دول الاتحاد وتأثير تدفقات الأشخاص الفارين من الحرب في أوكرانيا على مدى احتمالية نهوض اقتصاد الاتحاد مجددأ وتبين البيانات التالية الآثار المتوقعة على اقتصاد الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو من ناحية معدلات النمو في الناتج المحلي وفرص العمل والتضخم:
أزمة لاجئين تفاقم الأزمة الاقتصادية
يشهد الاتحاد الأوروبي تدفقًا غير مسبوق من اللاجئين منذ الحرب العالمية الثانية وتشكل التدفقات الكبيرة من الأشخاص الفارين ما يقارب سبعة ملايين لاجىء منذ بداية الحرب مايشكل تحديًا تنظيميًا وتنسيقيًا إضافيًا للاتحاد الأوروبي.
من المتوقع أن يشكل نفوق هذا العدد الهائل من اللاجئين في فترة وجيزة إلى حدوث اضطراب غير مسبوق في العديد من القطاعات داخل دول الاتحاد الأوروبي مثل الاسكان والخدمات والغذاء والنقل والتي ستكون لها نتائج عكسية على تلك القطاعات وتزيد من وتيرة التضخم المدفوع بزياة الطلب ومن المحتمل أن تتفاقم الأزمة وأن تكون دول الاتحاد منكشفة اقتصادياً وتعيد النظر في جميع مصالحها السياسية.
خلق اقتصاد الاتحاد الأوروبي في العام الماضي أكثر من 5.2 مليون وظيفة وحقق معدلات بطالة منخفضة ومن المتوقع أن يتراجع خلق فرص العمل وأن تنخفض الأجور بشكل ملحوظ لهذا العام وسط مؤشرات تباطؤ النمو الاقتصادي بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج مدفوعاً بنقص الإمدادت كما أن المخاوف بشأن الأمان الوظيفي تزداد مع دخول ملايين الأشخاص الفارين من الحرب في أوكرانيا إلى أسواق العمل في دول الاتحاد والذي سيكون له آثار سلبية على مستوى دخل الأفراد في هذه الدول بسبب التنافسية في الوظائف الذي سيخلق حالة من عدم اليقين الاقتصادي.
الاختلاف على تقاسم الأعباء الاقتصادية يضعف اقتصاد الكتلة
تضرب التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا الاتحاد الأوروبي بشدة لكن لم يتضح بعد حول من سيعاني أكثر الآلام الاقتصادية كما أنه هناك إدراك متزايد بأنه سيكون هناك شكل من أشكال تقاسم التكاليف الاقتصادية لهذه الأزمة للحفاظ على جبهة موحدة تجاه روسيا وبلا شك سيكون الأمر أكثر تكلفة بالنسبة لبعض الدول الأعضاء مقارنة بالدول الأخرى مما ينذر بوجود انقسامات داخل الاتحاد نفسه الذي يزيد الشكوك في قدرة هذه الكتلة على الصمود أمام روسيا.
تحاول المفوضية الأوروبية من جانبها تجنب انزعاج بعض الدول وتشير دائماً إلى أن الحرب ستؤثر على النمو في الاتحاد الأوروبي بشكل مؤقت وتبرهن أنه لن تخرجه عن مساره الصاعد لكن مع طول أمد الحرب بدأت الدول تنظر لمصالحها بعيداً عن مصلحة الاتحاد ككتلة وفي اجتماع سابق لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي قالت إيطاليا إنها تتوقع خفض معدل النمو بسبب اضطرابات التجارة وفقدان روسيا كسوق تصديروبسبب التضخم أيضاً ومن المرجح أيضًا أن تتخلى قبرص عن حصة كبيرة من الإيرادات من ناتجها المحلي الإجمالي حيث يشكل الروس خمس زوارها وبدأت بلغاريا بالتحرك بشكل منفرد لحماية انتاجها الزراعي خوفاً من أي كارثة نووية في أوكرانيا , بلا شك أن هذه الحرب تصيب الجميع لكنها غير متكافئة في عواقبها.
روسيا تختبر المرونة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي
أوروبا منكشفة تماماً ولايمكن الصمود طويلاً في ظل عدم توفر بدائل للواردات الروسية حيث تشكل التجارة مع روسيا جزءًا صغيرًا من إجمالي التجارة مع الاتحاد الأوروبي لكنها توفر عددًا كبيرًا من المواد الخام للاتحاد ويمكن أن يؤدي وقف التصدير إلى إنهيار الاقتصاد الأوروبي، حيث أدت الحرب إلى تكثيف الضغوط على سلع مثل المعادن الصناعية (مثل النيكل والنحاس) وكذلك غاز النيون (أحد المدخلات الرئيسية لأشباه الموصلات) و يشكل الخشب الروسي نصف واردات فنلندا في حين أن البلاديوم الذي تسيطر روسيا على 40 في المائة منه من الإنتاج العالمي وهو أحد المدخلات الرئيسية لقطاع السيارات في ألمانيا وإيطاليا .
النتيجة الأكثر وضوحا تتعلق باعتماد أوروبا على الغاز الروسي حيث يحصل الاتحاد الأوروبي على حوالي 40 % من إجمالي وارداته من الغاز من روسيا ولكن دول مثل النمسا والمجر وبولندا تصل هذه النسبة إلى 80 % و 100 % في دول مثل بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وتعتمد ألمانيا وإيطاليا أكبر مستوردي الغاز في الاتحاد على روسيا في الحصول على أكثر من نصف وثلث الغاز لذا فإن أي صدمة في الإمداد سيكون لها عواقب وخيمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال