الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في مقالة الأسبوع الماضي، تحدثت بشكل عام عن مفهوم الدبلوماسية العامة، والتي يقصد بها جميع الجهود الرسمية لإقناع قطاعات مستهدفة من الرأي الأجنبي من أجل الحصول على دعم لقضية ما، أو التسامح مع قضية اخرى، او لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للحكومة. وبالتالي، هي بمثابة مخاطبة الرأي العام بطريقة دبلوماسية، لذلك يسميها بعض فقهاء القانون الدولي ب “الدبلوماسية الشعبوية”. تعمل كثير من الدول الآن على وضع أسس قانونية محلية لصنع الدبلوماسية العامة بشكل لا يخرق القانون الدولي ويحقق الاهداف السياسية للدول. مثلا، هناك ما يقرب 77 قانونًا وطنيًا ، تغطي ست قارات ، تجرم المعلومات المضللة أو الأخبار المزيفة على النحو المحدد من قبل كل دولة. تشمل هذه القوانين “قانون تعزيز السلامة على الإنترنت الأسترالي”، و “قانون الأمن الرقمي” في بنغلاديش ، و” قانون مكافحة التلاعب بقانون المعلومات الفرنسى”، و”قانون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات” في رواندا ، و”مشروع القانون الإسرائيلي المتعلق بالدعاية الأجنبية”. علاوة على ذلك ، تعمل دول مثل الولايات المتحدة وبولندا بنشاط على توسيع القوانين الوطنية للحد من وهجوم وسائل الإعلام الأجنبية عليها ، مما يضع حواجز أمام مذيعي الدبلوماسية العامة مثل VOA و RT و CGTN.
وبالتالي، فنحن أمام جبل من تاريخ طويل لدول تتعامل مع الدبلوماسية العامة والتي قطعت شوطا طويلا في هذا المجال وخبرة في التشريع والتطبيق لهذا التخصص من القانون. لذلك في ظل عدم وجود انظمة محلية لدينا لمواجهة الدبلوماسية العامة التي تمارسها الدول الاخرى علينا، فلابد على الاقل من وجود استراتيجية لمواجهة الدبلوماسية العامة المضادة للاستقرار الوطني والسياسي. بشكل عام، وبسبب إلمامي بقوانين حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية، القانون الدستوري السعودي و الدستور الأمريكي، والكثير من القوانين ذات العلاقة، استطيع الاشارة الى ركائز اساسية لبناء استراتيجية مخاطبة وسائل الإعلام الخارجية، من دون اتخاذ موقف الدفاع. ويمكنني ان اتبنى قضية زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن و اقحامه الدائم لقضية الصحفي جمال خاشقجي حتى ولو لم يكن هنالك داعي لذلك.
تعتمد هذه الاستراتيجية التي لا تخالف قوانين دولية ولا محلية، وتظهر مستوى الحقوق لدينا من دون محاولة الدخول في دوامة التبرير، على “ركنين”. الركن الاول يتعلق بالنظام الداخلي متمثلا بانظمة المملكة الدستورية والانظمة العادية والاتفاقيات الدولية التي هي جزء منها. و ركن خارجي، يتعلق بدستور الدولة المراد مخاطبة أعلامها وقوانينها وأنظمتها ومدى احترامها للاتفاقيات الدولية التي هي جزءا منها.
فمثلا، عند اثارة موضوع الصحفي خاشقجي، لابد من إعمال القاعدة القانونية، واظهار ان الدولة لديها نظام تطبقه، وأنها تحترم الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها، وهذا يرفع من شأنها دوليا، وإبراز نصوص المواد التي تماهي مع أنظمة المملكة. مثلا، في نظام الحكم السعودي، نص صراحة على حق الحياة، وعلى حرمة التعرض لحياة أي شخص حتى ولو كان مخطئ، والجهات المختصة في الدولة هي من تتولى معالجة الخطأ و تعاقب عليه.
وبالتالي، لدينا عقوبات رادعة لمن يرتكب جريمة القتل، ولا يستطيع أيا من كان بحكم الحقوق الدستورية الممنوحة للمواطنين والمقيمين أن يتم سلب روح انسان، الا في حالة وجود محاكمة عادلة مرت بجميع مستويات المحاكم، وتم المصادقة على عقوبة الإعدام، ويتم تطبيق الحكم من قبل الجهة المختصة.
لابد من ذكر اسم الحقوق في الاتفاقيات الدولية، والتي التزمت المملكة بدورها بتطبيقها، واعتبارها انها حقا دستوريا لا نزاع عليه، ويدعم هذا الحق مؤسسات متعددة مثل جهات الرقابة وإنفاذ القانون والمحاكم، وقوانين سارية مثل نظام الإجراءات الجزائية، ومشروع نظام العقوبات.
ثانيا، اثارة موضوع مفهوم سيادة الدولة بشكل دائم، ونتيجة لهذه السيادة ، فإن الدولة تطبق قوانينها وتحمي حقوق من يخضع لهذه السيادة.
اخيرا، رسم خريطة حقوق الإنسان العامة، ودمجها مع المبادئ الدستورية التي نص عليها نظام الحكم، والانظمة المحلية والجهات ذات العلاقة بكل حق من الحقوق. وبالتالي، استخدام مبدأ تدرج القوانين مرتكز رئيسي لمواجهة اي هجوم له علاقة بقضية خاشقجي وا اي قضية اخرى تستخدم من قبل أجندة خارجية.
ومن هنا نستطيع إبراز أن المملكة هي دولة مؤسسات وقانون، وأنها تتعامل مع جميع القضايا بما فيها قضايا حقوق الإنسان، ليس لأنها فقط تخشى الإعلام الخارجي، وانما لانها دولة قانون، تملك المبادئ الدستورية في طيات انظمة و قوانينها ومؤسساتها، وهذا ما يجب البدء بالعمل عليه في بناء استراتيجية الدبلوماسية العامة.
بالطبع، الموضوع ليس بهذه البساطة، وبه من التفاصيل الشئ الكثير التي تحتاج الى نقاش مبني على أمور عدة للوصول للصيغة النهائية. ولكن نقطة الارتكاز التي يبدأ منها هذا النقاش هو تطبيق ما ذكر عن طريق إحياء القاعدة القانونية، حيث أن اللغة التي دائما ما يتم مناقشتها، هي عدم وجود حقوق للإنسان، وهذا يعني عدم وجود قوانين، وعدم وجود إجراءات تسبق المحاكمة العادلة …الخ.
وهذا ما نريد ان يتم استغلاله، خصوصا ان كل ما سبق من انظمة و قوانين ومؤسسات و محاكم موجودة بالفعل و تماهي قدر الإمكان مع الاتفاقيات التي التزمت بعدها المملكة. أما بالنسبة للركن الثاني ألا وهو استخدام الدبلوماسية العامة لإقناع إعلام الدولة الاخرى من اجل منع إثارة مواضيع لا داعي لإثارتها، من خلال اثارة مواضيع، لا ترغب هذه الدولة بتسليط الضوء عليها من قبلنا، على الرغم من مناقشة الإعلام الداخلي الأمريكي لها، وسيتم مناقشتها في جزء آخر من هذا المقال الأسبوع القادم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال