الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال قمة جدة للأمن والتنمية، وقعت المملكة مع الولايات المتحدة الأمريكية على 18 مذكرة تعاون، تشمل العديد من المجالات ومنها قطاعات التقنية والفضاء. وقد لاقت تلك القمة الاهتمام الدولي نظراً للعديد من العوامل السياسية والاقتصادية التي تواجهها دول العالم في الوقت الراهن. وفي هذا المقال، سوف ألقي الضوء على بعض تلك الاتفاقيات ومدى أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية للمملكة. كما سأتناول كذلك مفهوم السيادة الرقمية، والتنافس الدولي بين دول الشرق ودول الغرب.
(الاتفاقيات في مجال التقنية وأثرها الاقتصادي على المملكة)
إحدى الاتفاقيات التقنية، والتي تم التوقيع عليها بين المملكة والولايات المتحدة، هي في مجالات تقنيات الجيل الخامس والجيل السادس، وذلك بهدف تسريع نمو الاقتصاد الرقمي وتعزيز وتيرة البحث والتطوير والابتكار في المنظومة الرقمية في المملكة. ولمزيد من التوضيح حول أهمية هذه المذكرة، يجب ان نتحدث بإيجاز عن بعض المفاهيم مثل الاقتصاد الرقمي وما هو المقصود بتقنيات الجيل الخامس والجيل السادس، ومن ثم كيفية استفادة المملكة من هذه الاتفاقية في تسريع نمو الاقتصاد الرقمي.
الاقتصاد الرقمي هو الاقتصاد الذي يعتمد على الأنشطة الاقتصادية ذات الصلة بالتقنية الرقمية، بدءا من التجارة الالكترونية، والمدن الذكية، والعمل عن بعد والتعليم الآلي عبر الانترنت، والملفات الصحية الإلكترونية، واستخدام المركبات الذاتية التشغيل، وتطبيقات الهواتف المحمولة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الاشياء، وغيرها من الانشطة. أما تقنيات الجيل الخامس للاتصالات، أو ما يُعرف بمصطلح 5G، فهي تقنية “موجودة حالياً” وقد بدأت بالانتشار في عام 2019 مع انتشار الأجهزة الذكية المتصلة بالإنترنت، لأن العالم بحاجة إلى نظام أسرع وأعلى كفاءة لدعم مليارات الأجهزة الموجودة ونقل الكميات الضخمة من البيانات بشكل اسرع من قبل. ومن المتوقع أن تتطور الكثير من التقنيات المستحدثة، مثل إنترنت الأشياء، مع تقنية الجيل الخامس. أما تقنية الجيل السادس للاتصالات، أو ما يُعرف بمصطلح 6G، فهي تقنية “مستقبلية” متوقع لها ان تبدأ في الانتشار بحلول عام 2025 وستكون سرعة النقل كبيرة إلى حد بعيد، بمعنى أنه ما نستطيع تحميله من بيانات ضخمة بحجم 21 تيرا بايت في 5 ساعات بواسطة تقنية الجيل الخامس، سوف نستطيع تحميله في نحو 18 ثانية فقط بواسطة تقنية الجيل السادس.
ووقعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، كذلك، مذكرة تعاون مع شركة (IBM) الرائدة في مجال التقنية الرقمية لتأهيل 100 ألف من أبناء وبنات الوطن، على مدى خمس سنوات، وهي واحدة من ضمن 8 مبادرات مبتكرة تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة كمركزً محوري للتقنية والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وايضا في مجال نظم المعلومات الصحية، وقعت وزارة الصحة السعودية مع وزارة الصحة الأمريكية والعديد من الشركات الامريكية مثل شركة Med tronic ، وشركة Digital Diagnostics، وشركة IQ-VIA اتفاقيات في مجالات التطبيق السليم لنظم المعلومات الصحية، وكذلك دعم البحث المشترك والتطوير والابتكار الصحي ومجالات الصحة العامة، والعلوم الطبية والبحوث، وايضا تهدف تلك الاتفاقيات إلى توحيد الجهود لمواجهة قضايا التحديات العلمية والبحثية ، وتبادل المعلومات والمستشارين والخبراء والأكاديميين، بالإضافة إلى التدريب المشترك للعاملين في تلك المجالات، حسب أفضل وأحدث الممارسات الدولية.
وأهمية مثل تلك الاتفاقيات التقنية هي أنها تُساعد بشكل كبير في دعم مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي للمملكة، إضافة إلى إيجاد مئات الآلاف من الوظائف، ورفع الانتاجية وإطلاق أسواق جديدة رقمية، وبالتالي تعزيز مكانة المملكة كقائد إقليمي في تقنيات المستقبل والابتكار. ولأن رؤية المملكة تعمل على تنويع مصادر الدخل معتمدة على عدة مجالات لدعم الناتج المحلي، فإن الاقتصاد الرقمي يُشكل أحد روافد القطاع غير النفطي في المملكة، حيث تم تقدير استثمارات الحكومة والقطاع الخاص في تقنية المعلومات والاتصالات ب 15 مليار دولار منذ عام 2017، كما انه وحتى اليوم، بلغت مساهمة الاقتصاد الرقمي في المملكة حوالي 400 مليار ريال بنسبة تراوحت بين 13 و14 في المائة في الناتج المحلي، وتستهدف المملكة رفع النسبة خلال الأعوام القادمة إلى أكثر من 19 في المائة بتقديرات تصل إلى نحو 18 مليار ريال في الناتج المحلي للمملكة. كما أن العائد الاقتصادي من تقنيات الجيل الخامس وحده، على سبيل المثال، سيسهم بقرابة 60 مليار ريال في الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول 2030.
كما أننا نجد انعكاس مثل تلك الاتفاقات والشراكات في بناء الكفاءات والخبرات الوطنية، والتي بدورها تقود إلى “توطين التقنيات” في المملكة، وكذلك تشجيع ودعم الاستثمارات داخل المملكة، وهذه جميعها من أهداف رؤية 2030، حيث ان المملكة تُعد ثاني أسرع دولة نمواً في تقرير التنافسية الرقمية حسب المنتدى الاقتصادي العالمي، وضمن أسرع 10 دول نمواً في التقنيات المالية والتجارية. كما تعد المملكة أضخم سوق تقني ورقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـنحو 40 مليار دولار.
(الاتفاقيات في مجال الفضاء وأثرها الاستراتيجي على المملكة)
ومن جهة أخرى، توجد اتفاقية أرتيميس NASA Artemis والتي انضمت إليها المملكة، وهي اتفاقية دولية تدور حول مبادئ التعاون في استكشاف الفضاء وكيفية الاستفادة من الوصول للقمر والمريخ والمذنبات والكويكبات في الأغراض السلمية، وايضا اجراء البحوث والتجارب العلمية لبناء اول مستوطنة بشرية على سطح القمر والتحضير لاول مهمة في تاريخ البشرية للوصول للمريخ، وكذلك تهدف الاتفاقية الى التعدين الفضائي واستكشاف المعادن النادرة خارج كوكب الأرض، خاصة انه هناك استكشافات علمية وعسكرية هائلة، وكمثال، يحتوي القمر على كميات كبيرة من الهيليوم – 3، البديل المحتمل لليورانيوم وهو مطلوب بشدة من قبل محطات الطاقة النووية لأنه ليس مشعاً. كما أن مياه الجليد القطبية على سطح القمر قد تستخدم لصنع وقود صاروخي بطاقة هائلة لنقل البعثات إلى المريخ وأماكن أخرى في النظام الشمسي.
وبالنسبة لمستقبل المملكة في مجال الفضاء، فهذه الاتفاقية وانضمام المملكة لهذا التحالف الدولي، هذا ينسجم مع الأولويات الوطنية للابتكار التي أعلنت عنها المملكة في نهاية شهر يونيو الماضي، والتي يتضمن اقتصادات المستقبل، حيث أن اقتصاد الفضاء يمثل الفرصة التريليونية المقبلة للعالم بحلول عام 2040، وبإمكانه دعم النمو في قطاعات متعددة، بالإضافة إلى توفير الآلاف من الوظائف لابناء وبنات الوطن، وكذلك تعزيز المساهمة الفاعلة للمملكة في المشاريع الدولية المشتركة وتعزيز ريادة المملكة وتنويع مواردها في انشطة اقتصاد الفضاء، وتاكيد الاستخدام السلمي والمسؤول للفضاء، والعمل مع المجتمع الدولي في استكشاف الفضاء وتحديدا القمر والمريخ، وترسيخ مكانة المملكة مستقبلا كدولة رائدة في مجال الفضاء الجديد.
(التنافس بين دول الشرق ودول الغرب، ومفهوم السيادة الرقمية)
اما بالنسبة لطبيعة التنافس بين دول الشرق ودول الغرب في مجالات التقنية والفضاء، فكما هو معروف دوليا، يوجد تنافس كبير بين الصين والولايات المتحدة لفرض النفوذ الرقمي على العالم عبر تقنيات الجيل الخامس والسادس، وهو سباق شبيه بالحرب الباردة حين كان هناك سباق تقني وفضائي بين أمريكا وروسيا. فاليوم، تملك الصين السرعة الإنتاجية والوفرة الصناعية والمرونة والأسعار المناسبة، بينما تملك الولايات المتحدة الجودة في التصنيع والضمانة الأقوى والانتشار الجيوسياسي.
ومع تسارع التطورات في التقنية والفضاء نشأ مفهوم جديد وهو مفهوم “السيادة الرقمية”، وذلك تماشيا مع مدى حساسية البيانات والمعلومات الرقمية وأهمية حمايتها، ويصعب التنبؤ في هذا التنافس من سيكون المنتصر بين دول الشرق والغرب، فالصين تعتقد أن التدخل السياسي في تقنية الجيل الخامس قد يعيق تقدم التقنية عالميا، وأن الصين ستتخذ بشكل مستقل خيارات تتناسب مع مصالحها لتوفر بيئة عادلة لجميع الشركات وليس فقط الشركات الامريكية والغربية.
كما ان الصين أطلقت مصطلح “اتفاقية الناتو الفضائي” على اتفاقية أرتيميس، وذلك لأن اتفاقية أرتيميس التي صاغتها الولايات المتحدة، هي مجموعة مبادئ غير ملزمة لتنظيم النشاط على القمر والمريخ وغيرهم من الكواكب، وذلك من خلال تعيين مناطق يجب على الآخرين تجنبها، والحق في “امتلاك ونقل واستخدام وبيع” الموارد المستخرجة من القمر أو الكويكبات، وهذا أمر تعارضه الصين وروسيا بقوة، على سبيل المثال.
وبشكل عام، فإن سياسة المملكة دائما متزنة وعلى قدر كبير من الحكمة، وهي سياسة تدعم التوازن بين جميع الاطراف على الصعيد الدولي، الشرق والغرب. وذلك لإن المملكة ترحب بالجميع، وايضا فإن هدف المملكة دائما هو التقدم والازدهار الاقتصادي والاستفادة العلمية والتقنية من خلال بناء الكفاءات بين أبناء وبنات الوطن.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال