دردشة حول صناعة الإعلان والاستدامة  

وأنت تقف بإحدى الإشارات الضوئية، تنتظر أن يحين دورك لتنطلق بمركبتك في خط سيرك، يلفت نظرك أحد إعلانات الطرق المعروضة على شاشة رقمية. ولأنك مهتم بالبيئة والاستدامة فربما يدور بخلدك تساؤل حول البصمة الكربونية التي تخلفها الطاقة التي يتوجب استهلاكها لعرض إعلان رقمي واحد بأحد التقاطعات. قد يبدو هذا الموضوع غريبا بعض الشيء بالنسبة للبعض، لكنه في حقيقة الأمر محط اهتمام أصحاب الاختصاص بالبيئة، وهو في ذات الوقت يفتح الباب على مصراعيه لكثير من الجدل بين صناع الإعلان والمهتمين بصناعة التسويق من جهة، وبين المهتمين بكل ما يخص الاستدامة من جهة أخرى.

أحد الدراسات القديمة بعض شيء، والتي يمتد عمرها لأكثر من عشر سنوات كانت تشير إلى أن لوحة الإعلانات الرقمية الواحدة تستهلك طاقة أكثر بحوالي ثلاثين مرة من متوسط استهلاك الأسرة الأمريكية في عام واحد. تطورت تقنيات الإعلان اليوم بشكل كبير، لكن لا تزال الإشكالية قائمة من حيث استهلاك الطاقة الكهربية في اللوحات الرقمية. من جهتهم فإن القائمين على صناعة الإعلان يرون بأن النظر للمسألة من هذه الزاوية وحدها يبقى قاصر، والواجب كما يرون هو الاطلاع على الآثار الإيجابية لهذه الصناعة، فكثير من هذه اللوحات على الطرقات تهدف لإرشاد المارة والتعريف بمتطلبات السلامة المرورية. هذه المحاسن في رأيهم كفيلة بأن تجعل من هذه الصناعة شريكا أساسيا في السلامة المرورية على الطرقات. وحتى لو نظرنا للإعلانات التجارية التي تبقى أهدافها الأساسية اقتصادية، فهي أيضا تحقق مداخل يستثمر جزء كبير منها في تحسين البنية التحتية وتطوير المدن.  الفكرة في ذاتها تبقى مؤرقة لمن يرون أن المسألة متعلقة بالأولويات، وأن استهلاك الطاقة لابد أن يكون في مجالات تعود على شرائح المجتمع بمزيد من الفائدة والجدوى. وإحقاقا للحق فنحن لا يمكن أن نغفل أهمية الإعلان في حياتنا وتأثيره على شتى مناحي الحياة عبر التاريخ. فقد اهتمت بالبشرية بشكل مستمر بالعمل على تطوير الوسائل والتقنيات لتصل الرسالة بشكل أفضل، ومع ذلك فإن المبالغة في السعي نعو طرق إبداعية متجددة باستمرار يأتي أحيانا على حساب الآثار البيئية التي نتحدث عنها اليوم، وتزعج البعض. ونحن أيضا لا ينبغي أن نحصر تفكيرنا عندما نتحدث حول صناعة الإعلان بالجانب الاستهلاكي، فهناك جوانب توعوية كان للإعلان دور بارز في تحقيق مستهدفاتها بشكل أو بآخر.