الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يستعد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” هذا الأسبوع للانطلاق في أول زيارة له إلى الشرق الأوسط منذ توليه السلطة، وسوف يجد المنطقة وقد تغيرت من عدة جوانب منذ آخر مرة زارها وهو أحد مسؤولي الإدارة الأمريكية. والأكثر أهمية من ذلك أن الاتفاقيات الإبراهيمية عام 2020 كانت تحولا جذريا في ديناميكيات السياسة في المنطقة حيث وطدت العلاقات بين إسرائيل ودول عربية وخليجية خاصة البحرين والإمارات العربية المتحدة.
كان الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022 رسالة تذكير لواشنطن بأن حلفاءها وشركاءها في الشرق الأوسط على قدر من الأهمية – خاصة وأن النفط سلعة عالمية تحتاج إلى الاهتمام بتلك العلاقات من أجل ضمان حماية المصالح الأمريكية. وفي ظل الجمود الذي أصاب مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران، أصبح من الهام أكثر من أي وقت مضى أن تنفذ الولايات المتحدة استراتيجية ردع تحمي بها الاستقرار الإقليمي وتعزز التكامل.
وفي هذا الصدد، تواصل إيران استفزازاتها باختبار تجاوز الخطوط الدولية الحمراء، ومنذ شن هجوم بطائرة مسيرة “درون” أمرت إيران بتنفيذه على حامية أمريكية في “التنف” بسوريا خلال أكتوبر 2021، تم تنفيذ 29 هجوماً على الأقل ضد قوات أمريكية. وبصرف النظر عن الضربتين الطفيفتين على ميليشيات مدعومة من إيران واللتين تم تنفيذهما في بداية تولي الرئيس “جو بايدن” السلطة، لا يبدو أن الولايات المتحدة قد ردت بشكل حاسم للحيلولة دون وقوع المزيد من الاستفزازات.
وأدى ذلك إلى التقليل من قوة الردع الأمريكية في المنطقة، ولكن يجب التنويه إلى أن هذا التقليل لم يبدأ مع تولي “بايدن” رئاسة الولايات المتحدة. ففي عام 2019، وبعد أن ضربت ميليشيات مدعومة من إيران معملي “أرامكو السعودية” في “بقيق” و”خريص” مما أدى إلى توقف مؤقت في إنتاج 5.7 مليون برميل من النفط الخام بالمملكة – أو ما يقارب 5% من إجمالي الإمدادات النفطية العالمية – لم ترد الولايات المتحدة على ذلك. أيضا، تم شن هجمات على ناقلات نفطية قبالة ساحل إماراتي عام 2019، ومرت دون رد مناسب. وبرغم أن هجوم الولايات المتحدة بقتل قائد ما يسمى بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني” كان يعد رسالة ردع على المدى القصير –بعيداً عن الهجوم على قاعدة “عين الأسد” الجوية في العراق – إلا أنه لم تكن هناك أي عمليات انتقامية واسعة النطاق كما كان يتوقع بعض المراقبين والمحللين، وتم التقليل من ذلك لاحقاً من خلال تصعيد لهجة الحذر من جانب إدارة “بايدن” بعد ذلك بعام عند توليه السلطة.
ربما تسببت ديناميكية عدم الرد في تشجيع إيران وشبكة وكلائها وشركائها على شن هجمات صاروخية وطائرات مسيرة على الإمارات العربية المتحدة، في حين أن هذه الإجراءات كانت تركز في السابق على العراق وسوريا والمملكة العربية السعودية. واستهدفت بعض هذه الهجمات قاعدة الظفرة الجوية بأبوظبي التي تضم نحو ألفي جندي أمريكي. وقد قوبل هذا أيضًا ببيانات رسمية وإعادة تموضع المعدات الدفاعية لكن لا جديد.
ليس الحوثيون في اليمن وحدهم هم الذين يقدمون للإيرانيين قاعدة لشن هجمات إرهابية، بل أيضاً تم استخدام شبكة الميليشيات التابعة لإيران في العراق لاستهداف قصر ملكي في السعودية بالإضافة إلى منشآت في الإمارات. لقد استمرت إيران في تطوير برنامجها النووي – على سبيل المثال تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ وعملها في إنتاج معدن اليورانيوم – وأدى ذلك بالتبعية إلى تأكيد حسابات طهران بأنه يمكنها الاستمرار في اختبار الخطوط الحمراء دون الحاجة إلى القلق بشأن رد قوي.
أمن الطاقة يعد أمنا قوميا، والأمن القومي من أمن الطاقة. وفي ظل استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا وردة الفعل السياسية لارتفاع أسعارالنفط التي تعانيها أوروبا والولايات المتحدة، فقد تواصل إيران مثل هذه الهجمات لزيادة الأسعار بشكل أكبر للتأكيد على نفوذها وقوتها بسوق الطاقة على أمل انتزاع المزيد من التنازلات من القوى العالمية. كما تشعر المؤسسة الإيرانية بالفعل أن الصراع في أوكرانيا قد منحها اليد العليا في محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني. مثل هذه البيئة الجيوسياسية مهيأة لمزيد من الاستفزازات الإيرانية مع وجود مخاطر على المناطق الاقتصادية الحيوية بالمنطقة إلا إذا بدأ الرئيس بايدن يشعر بالقلق إزاء النظام الإيراني.
في سياق منفصل، توفر رحلة الرئيس بايدن لحلفائه وشركائه فرصة لتطوير مفهوم الدفاع الجوي للشرق الأوسط (MEAD). ستكون مثل هذه المبادرة رائدة لأنها ستوظف شبكة من أنظمة الإنذار المبكر والرادار، وأجهزة الكشف، والصواريخ الاعتراضية التي تستخدم التكنولوجيا الإسرائيلية والقواعد العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء دول الخليج العربية. هذه محاولة من قبل الولايات المتحدة لمعالجة المخاوف غير النووية للمنطقة بشأن إيران. كما ستعمل المنظومة الدفاعية على حماية البنية التحتية الحيوية للطاقة، حيث تواصل إيران إظهار استعدادها لاستهداف مثل هذه المنشآت. إنها تمثل استثماراً في حماية الاقتصاد العالمي من طهران.
هناك أيضاً جهود دفاعية هامة كالتي تنفذها فرقة “المهام المشتركة 153” التي يقودها الأسطول الخامس الأمريكي، وهي منصة دولية تستهدف تعزيز الأمن البحري وبناء القدرات بالبحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن مع الأخذ في الاعتبار أن حماية هذه الممرات المائية أمر بالغ الأهمية لأمن الاقتصاد العالمي.
في النهاية ، تحتاج الولايات المتحدة إلى المزج بين استراتيجية الردع في المنطقة ومبادرات مثل MEAD لضمان الأمن الاقتصادي. وقد أظهرت الحرب في أوكرانيا أن حلفاء وشركاء واشنطن في الشرق الأوسط على قدر بالغ من الأهمية، فلو تعثرت هذه العلاقات، فإن خصوم الولايات المتحدة مثل الصين وإيران وروسيا سوف يملأون الفراغ في السيطرة على المنطقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال