الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الدولار هو العملة الاحتياطية الاولى في العالم، مما يعني أنه يُستخدم في معظم المعاملات الدولية. ونتيجة لذلك، فإن التغييرات في قيمته لها آثار على الاقتصاد العالمي بأكمله.
في عام 1973م أنشأ الاحتياطي الفيدرالي مؤشر الدولار ليتبع قيمة الدولار بعد أن تخلى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عن معيار الذهب، مما سمح لقيمة الدولار الإرتفاع والعوم بحرية في أسواق العملات الأجنبية العالمية. فقبل إنشاء مؤشر الدولار، كان الدولار ثابتا مقابل الذهب بدون تغير عند 35 دولار للأونصة الواحدة.
يعتبر مؤشر الدولار الأمريكي مقياس لقيمة الدولار في الأسواق العالمية مقابل سلة من العملات لأهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في ذلك الوقت، وهي اليورو (حاملا الوزن الأكبر بأكثر من نصف السلة) والين الياباني والجنيه الاسترليني والدولار الكندي والكورونا السويدية والفرنك السويسري. وقد بلغ مؤشر الدولار أعلى مستوى له على الإطلاق في 5 آذار (مارس) 1985م عندما وصل إلى 163.83 نقطة حيث كان الدولار أعلى بنسبة 63.83% مقارنةً بعام 1973م، في حين كان أدنى مستوى للمؤشر على الإطلاق في 22 نيسان (ابريل) 2008م عند 71.58 نقطة، متؤثرا بإزمة رهن العقارية في الولايات المتحدة.
شهد الدولار الأمريكي في العام الماضي ارتفاعًا كبيرًا مقابل العملات العالمية الرئيسية، حيث وصل مؤخرًا إلى مستويات تاريخية. فقد ارتفع بنسبة 15٪ مقابل الجنيه الإسترليني، و 16٪ مقابل اليورو، و 23٪ مقابل الين الياباني. ولأول مرة منذ 20 عامًا، أصبح الدولار الأمريكي مساويًا لليورو من حيث القيمة، وهو الخبر الأكثر قراءة هذه الأيام. ويمكن القول إن الوضع الجيوسياسي الحالي يجعله أكثر جاذبية. فلقد عانى اليورو من الحرب الحالية في أوكرانيا وانكشافه على مخاطر الطاقة الروسية وما تعانيه منطقة اليورو خصوصا في الشتاء المقبل، بالإضافة الى مخاطر أخرى قد تحدث مثل إندلاع أزمات سياسية خصوصاً مع ارتفاع مستويات الدين الحكومي ومعدلات البطالة.
في حين أن هذا قد يبدو جيدًا للدولار، إلا أنه قد يكون سلاحًا ذو حدين. فإذا أصبح الدولار قويًا جدًا، فهذا قد يضر الأعمال التجارية للشركات الأمريكية، لأن سلعها قد تصبح أغلى ثمناً بالنسبة للمشترين الأجانب. وفي نفس الوقت إذا انخفضت مبيعات الصادرات الأمريكية، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وهو تحدي جديد يضاف الى التحديات الأخرى التي يواجهها حاليا، وأهمها التضخم.
وبعد هذه المقدمة نعود الى سؤال المقال، لماذا ارتفع الدولار؟
ارتفع الدولار لأسباب اقتصادية وجيوسياسية. فقد قام البنك المركزي للولايات المتحدة، الاحتياطي الفيدرالي، برفع أسعار الفائدة بشكل كبير من خلال سياسته في تكوين وطبع الأموال أو ما يسمى بالتيسير الكمي بهدف كبح جماح التضخم الناجم عن مشكلات الإمدادات الناتجة من أزمة فيروس كورونا (كوفيد-19) وما ترتب عليها من تبعات. بالإضافة الى تأثير الحرب في أوكرانيا على أسواق السلع الأولية والتى أدت الى اضطرابات في حركة التجارة والإنتاج ومنها الى صدمات ارتفاع في أسعار الغذاء والطاقة. وكانت الزيادة التي شهدتها أسعار الطاقة على مدى العامين الماضيين هي الأكبر من نوعها منذ أزمة النفط في عام 1973. كما تُعد الزيادات الأخيرة في أسعار السلع الغذائية، حيث تمثل روسيا وأوكرانيا أكبر المنتجين لها، وفي أسعار الأسمدة التي تعتمد على الغاز الطبيعي باعتباره أحد مستلزمات إنتاجها، هي الأكبر منذ عام 2008.
السبب الآخر لارتفاع الدولار هو أنه ملاذ آمن كلاسيكي وإحدى أدوات التحوط عند الأزمات. والملاذات الآمنة بشكل عام هي أدوات مالية تزيد قيمتها خلال فترات الانكماش الاقتصادي وتستخدم للتحوط ضد المخاطر. تبرز هذه الأصول الدفاعية في أوقات الأزمات لأنها لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور الاقتصاد، مما يعني أنه يمكن إعادة تقييمها حتى في حالة انهيار الأسواق المالية. و يعتبر الدولار الأمريكي الأقوى من الآثار الجانبية لأسعار الفائدة المرتفعة هذه. نظرًا لأن الدولار يقدم حالياً عائدًا أعلى عند إيداعه في أحد البنوك الأمريكية. فإن ذلك يشجع المستثمرين الأجانب على بيع عملتهم المحلية وشراء الدولار، الأمر الذي يخيف المستثمرين الذين يركضون بعد ذلك من أجل الأمان المتصور لهذه العملة مما يدفعها إلى الارتفاع مرة أخرى.
وبناءً على ما سبق، فإنني أتوقع أن يستمر الدولار في الاستفادة من وضعه كملاذ آمن للمستثمرين الدوليين والمصالح التجارية، خصوصاً إذا نظرنا إلى الوضع الأكثر خطورة للاقتصاد الأوروبي. وربما نرى زيادةً في الطلب على الأوراق المالية الأمريكية والذي من شأنه سيضغط على أسعار الفائدة طويلة الأجل. كما أنني اتوقع أن يتحرك الاحتياطي الفيدرالي في اتجاه تخفيف تكلفة الاستثمار بسحب محفظته من سندات الخزانة طويلة الأجل في نفس الوقت الذي يدفع فيه أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى أعلى، وكل ذلك من أجل الحد من التضخم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال