الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لطالما عرفت البشرية منذ الأزل الحروب الاقتصادية Economic warfare وذلك بهدف السيطرة على الموارد الاقتصادية ومنافعها او بهدف تقويض القدرات الاقتصادية خلال الازمات السياسية والعسكرية ، ويمكن تعريفها وفقاً لقاموس أكسفورد الإنجليزي على أنها استراتيجية اقتصادية تقوم على استخدام إجراءات تكون الغاية الأساسية منها إضعاف اقتصاد دولة أخرى .
ولذلك تعد الحرب الاقتصادية واحدة من أقدم أنواع الحروب التي عرفتها البشرية حيث كانت تأتي في شكل صراع على الموارد الاقتصادية فيما الى ذلك تغيرت أنماط هذه الحروب مؤخرا لتصبح في شكل تقويض الأداء الاقتصادي والسيطرة على الأسواق من خلال حركة الواردات ورؤوس الأموال واحتكار انتاج سلعة ما في بلد ما لصالح دولة ما وصولا الى الحرب الاقتصادية التي تتم من خلال الرقمنة واختراق البيانات والهجمات التقنية التي تضرب الاقتصاد الرقمي كما انها تتشكل في أساليب وقرارات الرفض والاستحواذ الاقتصادي او السعي لتحقيق ميزة سياسية او اقتصادية .
في المقابل هناك بعض الحروب الاقتصادية التي تتخذ شكلاً نظامياً متعارف عليه كتلك التي يقوم بها المجتمع الدولي من خلال مواثيق هيئة الأمم المتحدة أو بعض الدول ضد الدول التي تخرج عن مبادئ السلم العام وتنتهك القوانين الدولية وأيضا المنظمات الإرهابية لتقويض اضرارها على المجتمعات والدول .
في زمن الحرب ، تعتبر الحرب الاقتصادية عاملاً مساعدًا هامًا للأعمال العسكرية مما يسهم في إضعاف اقتصادها أي انها تدعم الاعمال العسكرية بشكل مباشر وعلى الرغم ذلك فان الحروب الاقتصادية خلال السلم ترتكز على البعد الاقتصادي فقط أي انها موجهة الى الاقتصاد فقط وهو ما يعني ان جميع التدابير التي يمكن استخدامها في زمن الحرب قابلة للاستخدام أيضًا في زمن السلم .
تندرج تحت مفهوم الحروب الاقتصادية عدة اتجاهات مثل العقوبات الاقتصاديّة او الحصار الاقتصادي او المقاطعة الاقتصادية او السيطرة على الأسواق بصناعة الازمات الاقتصادية وغيرها .
يواجه العالم اليوم سلسلة من الازمات الاقتصادية تأتي من ضمنها الحروب الاقتصادية مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا حيث نجد انها الدول الغربية اتجهت نحو فرض عقوبات اقتصادية مختلفة على روسيا من أبرزها عقوبات على البنك المركزي الروسي وهي الأولى من نوعها على بنك مركزي في إحدى دول مجموعة العشرين ، إضافة الى منع روسيا من استخدام نظام سويفت لتحويل الأموال ، و تجميد أصول البنوك الروسية في بعض الدول، وتعليق تراخيص التصدير للسلع التي يمكن استخدامها في أغراض مدنية وعسكرية، ووقف تصدير السلع ذات التقنية العالية، ومعدات تكرير النفط، ووضع حد أقصى للمبالغ المالية التي يمكن للروس إيداعها في البنوك ومنع رحلات الطيران التابعة لشركات روسية من التحليق فوق الأجواء الأوروبية أو الهبوط في مطارات دول الاتحاد، وتجميد الأصول الروسية سواء كانت لأفراد أو شركات، واستهداف 70 في المائة من الأسواق المالية الروسية والشركات الكبرى المملوكة للدولة بما فيها الشركات المملوكة لوزارة الدفاع وغيرها من العقوبات ، ومما لا شك فيه ان هذه العقوبات سوف تلقي بظلالها لإحداث تداعيات اقتصادية أخرى في وقت كانت معه آفاق الاقتصاد العالمي تشهد ثقة كبيرة بالنظام الاقتصادي العالمي كما هو الحال اليوم عندما سجل اليورو أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ 20 عاما واقترب حاليا من تكافؤ واحد وربما الى ما دون ذلك ناهيك عن ازمة الطاقة في أوروبا وغيرها من الازمات الأخرى ومنها ازمة الامن الغذائي حيث تشكل روسيا وأوكرانيا ربع مبيعات القمح السنوية في العالم مما خلق ارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الغذائية .
ان الحروب الاقتصادية اشد فتكاً من الحروب التقليدية ذلك لأنها تهدم القدرات الاقتصادية كما أنها تشكل بعدا نفسيا يلامس بشكل مباشر حياة الناس بتوسعها دائرة الفقر والبطالة وتحد كثيرا من عمليات التطور والنمو فاستخدام الأسلحة الاقتصادية أثناء الحرب له تاريخ طويل لكنه مع صعود العولمة وتطور سلاسل التوريد وتوسع قاعدة التبادل التجاري العالمي أعطى الحروب الاقتصادية قوة غير مسبوقة ليكون تأثيرها مدمراً ومؤلما لكنه بلا جراح ولذلك أي انقطاع في توريد المواد الخام او السلع الغذائية يكون الضرر اكثر بكثير من خسارة معركة حربية.
مجمل القول : لطالما كانت ولاتزال الحروب الاقتصادية واحدة من اقسى الحروب التي شهدتها البشرية وتكون اكثر ألما عندما يؤخذ بها كأداة تكميلية للصراع المسلح ، وفي ظل أي حروب اقتصادية فإن الاقتصاد العالمي سيكون في وضع دون المستوى الأمثل مما يتطلب المزيد من الجهود الدولية والتعاون الدولي الدؤوب لتجنيب الاقتصاد العالمي كافة الصدمات والصراعات المتعددة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال