جائحة كورونا بدأت كأزمة صحية واجهها العالم وتحولت إلى أزمة اقتصادية مازالت الجهود تبذل للخروج منها بأقل الخسائر. غيرت هذه الجائحة إدارة جميع الأمور من أبسطها كيفية الحصول على المستلزمات اليومية الضرورية إلى كيفية إدارة اقتصادات الدول، وحوكمة الشركات ليست بمنأى عن هذه التغييرات التي طالت العالم.
سأذكر بعض النقاط التي استحدثتها الجائحة، أو بمعنى أدق زاد التركيز عليها
- تنوع تشكيل أعضاء مجلس الإدارة من ناحية الجنس، العرق، العمر، الخبرات. فقد أثبتت الدراسات أن مجالس الإدارة التي تكون عضويتها متنوعة قراراتها تكون أكثر فعالية من غيرها. ولا يخفى أهمية هذا التنوع في ظل تعقد بيئة اتخاذ القرارات التي يواجهها أعضاء المجلس ووجود الكثير من المؤثرات المجهولة التي يمكن تقليل أثرها بالاستعانة بالخبرات المتنوعة التي يضمنها تنوع خلفيات أعضاء المجلس
- مركزية أصحاب المصلحة بدلا من مركزية حملة الأسهم. يعرف أصحاب المصلحة بأنهم أي شخص أو منظمة تتأثر أو تؤثر على نشاط الشركة. أغلب الدراسات تركز على خمس مجموعات من أصحاب المصلحة وهم: المستهلكين، الموظفين، الموردين، المجتمع، وملاك الأسهم. بعد الجائحة تأثرت بعض إن لم تكن كل الشركات، ولا يخفى على الجميع أن البعض تأثر إيجابا بالجائحة وزاد الطلب على منتجاته، بينما البعض الآخر تأثر سلبا إلى درجة أنهاء النشاط والإغلاق. يلاحظ أن الشركات التي غيرت ونقلت تركيزها من فقط تحقيق مصالح حملة الأسهم إلى التركيز والموازنة بين مصالح جميع أصحاب المصلحة قد استطاعت الخروج من تبعات الجائحة بأقل الخسائر. هذا لا ينفي التوجه المتعارف عليه لمجلس الإدارة بأن “المساءلة” “accountability” لازلت لحملة الأسهم، ولكن التغير الآن بعد الجائحة هو في طبيعة وإطار هذه المساءلة. كما أن الموازنة بين أصحاب المصلحة يجب أن يكون متوافق مع الهدف الأساسي للشركة واستراتيجيتها العامة.
التوجه الحديث الآن هو النظر للحوكمة على أنها أحد مقومات استدامة الشركات جنبا إلى جنب مع البيئة والمتطلبات المجتمعية “ESG”. لذا ينصح مجالس الإدارات ببناء إطار واضح لعمليات موازنة المصالح والالتزامات للأطراف المختلفة ومراقبة تحقيقها. ولا يخفى على الجميع أن الالتزام بالموازنة بين مختلف هذه المصالح يمثل فرصة كما أنه يحسن من عملية إدارة المخاطر على المستوى الاستراتيجي لمجلس الإدارة. هذا التوجه الجديد لمجلس الإدارة يسمى في بعض الأبحاث الحديثة بحوكمة ال 360 درجة.
- تشكيل لجنة أصحاب المصلحة، بحيث تكون هذه اللجنة تابعة لمجلس الإدارة ومهامها تتلخص في تعريف كل أصحاب المصلحة وتحديد أهدافهم والعمل على تحقيقها والموازنة بينها بما يتفق مع الهدف الأساسي للشركة واستراتيجيتها العامة. وينصح أعضاء المجلس بعمل لقاءات دورية بأعضاء هذه اللجنة والتأكد من فهم احتياجاتهم وأهدافهم للمواءمة بينها.
- ربط مكافآت أعضاء المجلس والإدارة التنفيذية بتحقيق أهداف أصحاب المصلحة بدلا من ربطها بتحقيق الأهداف المادية وتحقيق الأرباح. قد تكون هذه الأهداف مرتبطة بمعايير بيئية مثل تقليل الانبعاثات الكربونية. وينصح أن تصمم هذه الأهداف بحرص ويراعى فيها قابليتها للتحقيق، أن تكون عادلة، ومتوافقة مع استراتيجية الشركة.
- توزيعات الأرباح، قبل الجائحة كان ينظر إلى توقعات ومتطلبات حملة الأسهم وسيولة الشركة، لكن بعد الجائحة أصبح القرار أكثر تعقيدا والمدخلات أكثر تشابكا. فأصحاب القرار بين سندان رغبة حملة الأسهم بالحصول على التوزيعات وبين مطرقة صعوبة إدارة العمليات ما بعد الجائحة واضطرارهم لتقليص أعداد الموظفين والرسائل التي يريدون إرسالها للسوق عن استمرارية الشركة بعد الجائحة.
- الحوكمة السيبرانية، وقد أفردت لها مقال سابق عن تعريفها، أهميتها وتأثيرها على جميع عمليات الشركات
يجب على الشركات إعادة النظر إلى لوائح الحوكمة وتعديلها والاستفادة من الدروس التي تعلمها العالم بعد الجائحة.