الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تدخل الرقائق الالكترونية، المعروفة أيضاً بأنصاف أو أشباه الموصلات، في صناعة جميع الأجهزة التي نستخدمها، من الهواتف إلى الحواسب، ومن السيارات إلى الطائرات، ومن الأسلحة التقليدية إلى الصواريخ عابرة القارات، ومن الأجهزة الكهربائية إلى المعدات الطبية، ومن الدوائر الالكترونية إلى المعالجات الرقمية، ومن الخلايا الشمسية إلى الصناعات الأخرى المختلفة.
وتصنع الرقائق الإلكترونية من مادة السيليكون المتوفر لدى صهر الرمال البيضاء، ليتم بعد ذلك تغليف الرقائق في حاوية من البلاستيك أو الخزف تسمى الحزمة، ليدخل السيليكون بشكل أساسي في صناعة الصمام الالكتروني “الترانزستور” وهو من أهم المكونات الأساسية في تصنيع الإلكترونيات والدوائر الكهربائية، والمعالجات الرقمية، وخلايا الذاكرة الإلكترونية. وينتمي السيليكون إلى مجموعة أشباه الفلزات حيث يجمع بين خصائص العناصر المعدنية وغير المعدنية. ويعتبر السيليكون ثاني أكثر العناصر المتوافرة على سطح الأرض بعد الأكسجين، ويتم إضافة عدد من العناصر الأخرى إليه والتي يطلق عليها اسم “الشوائب” ليتم تحويله إلى رقائق الكترونية أو أنصاف موصلات لتوصيل التيار الكهربائي أو قطعه حسب ما هو مطلوب.
وتعمل هذه الرقائق على تضخيم الإشارات الكهربائية، أو كمفتاح إلكتروني لتشغيل تطبيقات الأجهزة والمعدات. ومن الممكن أن تكون الرقاقة الواحدة عبارة عن صمام الكتروني “ترانزستور” واحد، أو دائرة متكاملة تضم مجموعة مترابطة من الترانزستورات.
وتعتبر هذه الترانزستورات أهم عنصر في الرقائق الإلكترونية التي تعمل كصمامات تسمح بتدفق التيار في اتجاه واحد، وتتكون الدائرة الإلكترونية من عناصر أخرى تكون سلبية بجانب الترانزستورات، مثل المكثفات والمقاومات، حيث تعمل على توفير كمية محددة من المقاومة للتيار بينما تقوم المكثفات بتخزين الشحنات الكهربائية والالكترونية.
ويتم دمج هذه الرقائق الالكترونية في الدوائر المتكاملة من خلال عملية التصنيع الدقيقة للغاية، حيث يتم إجراؤها في غرفة نظيفة منعاً لأي خلل في الشريحة يمكن أن يحدث بسبب التلوث المجهري.
وفي الوقت الذي تعتبر هذه الرقائق أصغر منتج في العالم، حيث لا يتعدى حجمها 5 نانومتر، أي أقل حجماً من أظافر الأصابع، إلا أنها الأكثر طلباً في عصر الثورة الصناعية الرابعة، حيث تخوض الدول في يومنا هذا سباقاً محموماً في صناعتها ودعم إنتاجها للتحكم في سلاسل توريدها وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية، التي يمكن أن تتعطل في حال انتشار الأوبئة أو التوترات الدولية أو الحروب، كما هو حاصل في وقتنا الحاضر. وباتت هذه الصناعة الأهم في العالم، والعمود الفقري لأغلب الصناعات التقنية الحديثة والأساسية في العصر الحالي.
وتعتبر تايوان أكبر منتج في العالم لهذه الرقائق، من خلال شركة “تي إس إم سي“، التي تأسست في عام 1987، لتصبح اليوم أكبر منتج ومُصدِّر للرقائق إلى العديد من أشهر مصنعي أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية والمعدات المعقدة في العالم. ونتيجة لدعم تايوان لهذه الشركة العملاقة، من خلال إعفاء موظفيها من الخدمة العسكرية، وتخصيص 300 مليون دولار لبرامج تدريبهم، أصبحت هذه الشركة أكبر منتج للرقائق في العالم بحصة %92 خلال عام 2020، بينما تأتي شركة “سامسونج” الكورية في المرتبة الثانية بحصة %8. وساهمت الشركة التايوانية العملاقة، التي تقدر قيمتها السوقية حالياً بأكثر من 446 مليار دولار، إلى ارتفاع عوائد الاقتصاد التايواني ليحتل اليوم المرتبة 22 كأكبر اقتصاد في العالم، بناتج محلي إجمالي وصل في العام الماضي إلى 675 مليار دولار، حيث يشكل قطاع الخدمات 63% منه، والصناعة 35.3%. ويُتوقع أن تسجل تايوان نمواً أقوى في عام 2023 بسبب ارتفاع قيمة الصادرات من هذه الرقائق الناجمة عن زيادة الأسعار والأحجام لتلبية الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي، والمركبات الكهربائية، والمعدات العسكرية، إضافةً إلى الفرص الهائلة التي أتاحها التحول إلى الاقتصاد الرقمي، لتفوق استثماراته المتوقعة في هذه الصناعة 107 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة القادمة.
ونتيجة لرغبة الصين في ضمان أمنها القومي، كونها تستورد قرابة %95 من الرقائق الإلكترونية، فلقد قررت نتيجة لعلاقاتها المتوترة مع أمريكا وتايوان، المضي قدماً في بناء 31 مصنعاً جديداً للرقائق بحلول عام 2024، منها مصنع بتكلفة 2.35 مليار دولار بتمويل من الحكومة في مدينة شنتشن الصينية، لبدء الإنتاج الرقائق الالكترونية المتقدمة قبل نهاية عام 2022.
وفي المقابل أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي في الشهر الماضي نصاً تشريعياً لتعزيز الإنتاج المحلي من الرقائق الالكترونية، وسط النقص العالمي الشديد فيها. وجاء هذا التشريع لدعم البحث العلمي في مؤسسة العلوم التقنية الأمريكية بمبلغ 81 مليار دولار، وتحديد مبلغ 52 مليار دولار لتصنيع هذه الرقائق بما يؤدي إلى خلق عشرات الآلاف من الوظائف مرتفعة الأجر في مجال التقنية المتطورة.
إضافةً لذلك تسعى أمريكا إلى تنفيذ خطة طويلة الأجل لتصنيع الرقائق الإلكترونية، من خلال إعادة صياغة الحوافز الضريبية لمصنعها المقترح بناؤه بقيمة 12 مليار دولار في ولاية أريزونا، ومصنع آخر بتكلفة 17 مليار دولار في ولاية تكساس.
كما يسعى الاتحاد الأوروبي لبناء عدة مصانع لإنتاج الرقائق بمساعدة محتملة من الشركات التايوانية والجنوب كورية، لضمان التقنية المتقدمة ومضاعفة إنتاج الرقائق إلى 20% من إجمالي السوق العالمية بحلول عام 2030.
ونظراً لأن العالم بأسره يعيش اليوم أزمة حادة نتيجة انتشار فيروس كورونا، الذي تسبب في إغلاق المصانع، وتأزم وضع السيادة على جزيرة تايوان بين الصين وأمريكا، مما تسبب في نقص المعروض من الرقائق الالكترونية وأدى إلى تراجع مبيعات السيارات هذا العام فقط إلى 61 مليار دولار، وتأخير إنتاج ملايين السيارات خلال الربع الأول من هذا العام. ومن المحتمل أن تشهد مجموعة كبيرة من المنتجات الأخرى التي تعتمد على الرقائق انخفاضاً في الإنتاج وارتفاعاً في الأسعار.
والجدير بالذكر أن انخفاض انتاج الرقائق عالمياً أدى إلى تأخر أمريكا في تسليم تايوان ما قيمته 14.2 مليار دولار من المعدات العسكرية التي تدخل هذه الرقائق في صناعتها وكانت تايوان قد اشترتها منذ عام 2019، وشملت على 66 مقاتلة من طراز “إف-16” إضافة إلى معدَّات بنحو 620 مليون دولار لتبديل مكونات منتهية الصلاحية في نظام صواريخ باتريوت التابع لتايوان.
لذا لجأت تايوان إلى ضخ استثمارات ضخمة في شركاتها لتعزيز هيمنتهما على السوق العالمي ورفعت نفقاتها الرأسمالية لعام 2021 إلى 28 مليار دولار، بينما خصصت كوريا الجنوبية حوالي 116 مليار دولار في مشروع ممتد لمدة عقد كامل من أجل اللحاق بالمنافس التايواني.
أين نحن من هذا السباق العالمي على إنتاج الرقائق الالكترونية، خاصةً وأن الدول الخليجية عامةً والمملكة خاصةً تحتوي على كميات هائلة من الرمال البيضاء التي تشكل العنصر الأساس لمادة السيليكون المستخدمة في صناعة هذه الرقائق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال