الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بدأت في الآونة الأخيرة إرهاصات من هنا وهناك حول نزول العقار وتحديداً في مدينة الرياض، بينما لا يزال العقاريون عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي وإطلالاتهم التلفزيونية يسعون لبث الطمأنينة في السوق في محاولة قد تكون بائسة لصد ما قد يشكل موجة هلع أو عزوف عن الشراء خلال هذه الفترة لكن في نهاية اليوم سوق العقار كأي سوق آخر غير حصين ضد التقلبات ويحتكم لمبدأ العرض والطلب ويتأثر بالعوامل الاقتصادية المتعددة وبعيداً عن الشعبوية والعواطف سأحاول تحليل المشهد بواقعية بناءً على المعطيات على تراب الأرض مقتصراً على مدينة الرياض.
العاصمة الحبيبة الرياض هي أكثر مدن المملكة سكاناً والمركز المالي القوي الذي يساهم بحوالي نصف الاقتصاد غير النفطي للبلاد. بالإضافة إلى ذلك، المدينة تنتظرها العديد من المشاريع التنموية العملاقة كقطار الرياض، حديقة الملك سلمان، مشروع القدية ومشروع تطوير الدرعية التاريخية والأهم هو استراتيجية المدينة المزمع إطلاقها قريباً وبدأت معالمها تتضح شيئاً فشيئاً من مضاعفة محتملة لعدد السكان إلى خطة شاملة لجعل المدينة أحد أفضل عشرة مدن في العالم ويدخل في ذلك تطوير الرعاية الصحية والتعليم والخدمات البلدية مما يسهم برفع جودة الحياة في المدينة، لكن السؤال هنا هو هل يكون هذا مسوغاً لجنون الأسعار الحاصل اليوم في الرياض؟
في الحقيقة أن هذه المعطيات لم تكن السبب الرئيس للارتفاعات الحالية فمن وجهة نظري أن السبب الأول للارتفاع في العقارات بالرياض كان انخفاض أسعار الفائدة قرب الصفر خلال الجائحة مما حفز البنوك للتوسع في الإقراض الشخصي والعقاري خصوصاً القرض المدعوم حكومياً والذي هدفه الأساس رفع نسبة التملك بين السعوديين إلى 70% بنهاية عام 2030م. كذلك، قرار إيقاف الإفراغات في شمال الرياض أسهم بشكل كبير في شح المعروض مقابل السيولة المهولة التي خلقتها القروض البنكية في السوق فكان الارتفاع تحصيل حاصل لكل ذلك ففي نهاية المطاف الموظف الذي يسعى للتملك يعتقد أن زيادة 30% أو 40% في السعر (عن العام السابق) لن تكون حاجزاً أمام بيت العمر وأن البنك سيتكفل بها وهذه في الحقيقة أزمة لا يمكن وصفها بأفضل من أزمة فكر، حيث أن كل هذه الزيادة ستؤخذ من راتب الموظف على مدار 25 أو 30 سنة.
المشهد اليوم هو رفع أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي كإجراء تقليدي لكبح جماح التضخم الذي ارتفع لأعلى مستوياته الشهرية خلال 40 عاماً في الولايات المتحدة نتيجةً لرش الدولارات من الهيليكوبتر الذي حدث خلال الجائحة في بلاد العم سام وتماشياً مع ذلك رفع البنك المركزي السعودي أسعار الفائدة بحكم ارتباط الريال بالدولار وهنا سيتحفظ البنك على التوسع في الإقراض و سيتحفظ الأفراد على الذهاب للبنك للحصول على قرض قد تتجاوز فائدته نصف قيمته أو أكثر، أما بالنسبة لإيقافات شمال الرياض فقد تم الرفع جزئياً عنها وفيما يخص نسبة التملك فقد تجاوزت اليوم 62% قبل 8 سنوات من العام المستهدف وهنا قد تتباطأ عجلة “برنامج الإسكان” أو قد تُرفع النسبة المستهدفة قليلاً لكن بالتأكيد لن تكون الحفلة كما كانت. صحيح أن بعض تجار العقار قد ربحوا الكثير من تلك الحفلة ويحتفظون بسيولة قد ينقضون بها على أي عروض مغرية في السوق سواءً للفلل بحكم أنها الخيار المفضل لسكان الرياض أو للأراضي الخام أو المطورة لكن الجُبن في رأس المال سيحد من هذا التصرف وربما أقول أن رسوم الأراضي البيضاء قد تفعل شيئاً هنا.
من كل ما سبق يمكننا فهم إلى أين يتجه السوق العقاري في الرياض فهو إلى نزول حتى يعود التضخم في الولايات المتحدة إلى مستويات 2% ويتوقف الفيدرالي عن رفع الفائدة وتعود البنوك إلى رهوناتها وقروضها لدينا وفي تصوري أن السيناريو الكابوس وهو تعثر المقترضين بفعل ركود تضخمي أو أي نوع آخر من الأزمات الاقتصادية التي قد تضرب العالم ولجوء البنوك لعرض المنازل المرهونة أمر مستبعد تماماً في المملكة فمعظم المقترضين هم من موظفي الحكومة من مدنيين وعسكريين وليسوا موظفي قطاع خاص يتأثر بتقلبات الأسواق ومشاكل السيولة لكن هنالك سيناريو محتمل الحدوث وهو نزول العقار لمستويات تحيي الشعور بالندم مدى الحياة لدى المقترضين الحاليين.
ختاماً، علينا أن نتذكر أن العقار في المملكة حتى وإن انخفض لمستويات 30% أو 40% فتأثيره على الاقتصاد السعودي محدود جداً ولربما معدوم فلا سوق العقار بموظِفٍ كبيرٍ للسعوديين ولا الأراضي البرتقالية التي يصل مترها المربع لـ 7000 ريال وتوقع صفقاتها في طقس برتقالي تسهم في الناتج المحلي للبلاد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال