الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
استكمالاً لسرد أهمية الثقافة البيئية في حماية كوكب الأرض،أود أن أُعرّج في هذا المقال عن تجربة المملكة العربية السعودية في هذه القضية. فالمملكة العربية السعودية تعمل ضمن المنظومة الدولية للحفاظ على البيئة ومواجهة التغير المناخي والتصحر وحماية الكوكب، وذلك وفق أعلى المعايير والممارسات العالمية المعتمدة، وتُقدّم كافة أشكال الدعم والتمكين لتحقيق هذه الأهداف، من أجل المساهمة في تحقيق النماء العالمي وتحسين المستويات المعيشية للبشر للمواطنين والمقيمين فيها،وذلك كجزء من برنامج التنمية المستدامة وحماية مواردها الطبيعية. وقد قابلت المملكة هذه التغيرات المناخية بخطط استراتيجية تهدف للحدّ من مسبباتها والحدّ من التصحّر، عبر الاستفادة من مصادر الطاقة المتجدّدة ومنها طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لتمثلا ما نسبته 50% من الطاقة المستخدمة لإنتاج الكهرباء بحلول عام 2030.
هذا بالإضافة إلى تشجيع الاقتصاد الدائري للكربون، الذي يمكن من خلاله إدارة الانبعاثات بهدف تخفيف حِدّة آثار التحدّيات المناخية، وجعل أنظمة الطاقة أنظف وأكثر استدامة، وتعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة، التي تعدّ السعودية أحد أكبر المصدرين فيها. كما تهدف إلى خفض تدهور الأراضي بصورة طوعية بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2040، وتنمية المحميات الطبيعية؛ وذلك برفع نسبتها إلى أكثر من 30 في المائة من مساحة أراضيها التي تقدر بـ600 ألف كيلومتر مربع، لتتجاوز المستهدف العالمي الحالي بحماية 17% من أراضي كلّ دولة.
كما تعمل المملكة أيضاً، على رفع كفاءة إدارة المخلفات، والتأسيس لمشروع متكامل لإعادة تدوير النفايات، والمساهمة بإطلاق مبادرات للتشجير، والعمل على الاستثمار الأمثل للثروة المائية عبر الترشيد واستخدام المياه المعالجة والمتجدّدة. وتسعى المملكة للريادة في رفع مستوى جودة الحياة، وصحة الإنسان، واستدامة الموارد البيئية، وذلك من خلال المبادرات البيئية والمشاريع الداعمة والمحفزة لاستدامتها، ومن أبرز جهودها، توفير صناديق داعمة لأبحاث البيئة، والمحميات الطبيعية، وسنّ التشريعات البيئية للمحافظة على الحياة الفطرية وتنميتها، بالإضافة إلى التدابير الوقائية لحماية المناخ، والحدّ من تلوّث الهواء والماء والتربة.
وقد تُوِّجتْ تلك الجهود في الإعلان عن اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار، برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، والتي تستند إلى 4 أولويات رئيسية تتمثل في صحة الإنسان، واستدامة البيئة، والاحتياجات الأساسية، والريادة في الطاقة والصناعة، واقتصاديات المستقبل. وبدأت السعودية فعلاً بالعمل على تحقيق هذه المستهدفات عبر مشاريع عدة، أولها إنشاء «مجلس للمحميات الملكية» لتشمل 6 مواقع في المملكة؛ بهدف الحفاظ على الغطاء النباتي وزيادته، وتنظيم الحركة في داخل المحميات بما لا يضر في القرى والهجر وأملاك المواطنين داخل نطاقه. ولتنمية المحميات الطبيعية عبر اتساع نطاق رقعتها الجغرافية من 4 في المائة إلى أكثر من 14 في المائة بالمحافظة على البيئة الطبيعية والنباتية، والحياة الفطرية وتكاثرها وإنمائها والحدّ من الصيد والرعي الجائر ومنع الاحتطاب.
يضاف إلى ماسبق؛ إطلاق مبادرة «السعودية الخضراء»، و«مبادرة الشرق الأوسط الأخضر» اللتين ترسمان توجّه المملكة والمنطقة في حماية الأرض والطبيعة، وستتضمّن عدداً من المبادرات التي ستؤدي إلى زيادة المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفاً، حيث ستزرع 10 مليارات شجرة داخل السعودية، و40 مليار شجرة في الشرق الأوسط.
ووضعت السعودية استراتيجية وطنية للبيئة، ضمنها 64 مبادرة بهدف إعادة هيكلة قطاع البيئة ليتواكب مع اتساعها وتنوع بيئتها ومواكبة النمو الكبير في القطاعات المؤثرة في البيئة، من خلال إطلاق خمسة مراكز بيئية متخصّصة؛ هي المركز الوطني للالتزام البيئي، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر، والمركز الوطني لإدارة النفايات، والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، والمركز الوطني للأرصاد. وكذلك العمل مع وزارة الداخلية لتأسيس القوات الخاصة للأمن البيئي، كما اعتُمد نظام بيئي جديد متوافق مع أفضل الممارسات والمعايير العالمية، وإعداد نظام جديد لإدارة النفايات ونظام للأرصاد.
هذه التوجّهات السعودية الصديقة للبيئة ستعكسها ايضاً مدينة «ذا لاين» ، الواقعة في منطقة نيوم، والتي هي عبارة عن تطوّر عمراني طولي الشكل على امتداد 170 كم، يربط العديد من المجتمعات المحلية ببعضها مع أحياء متكاملة تحفّز على المشي في حدائقها العامة ومناظرها الطبيعية. وستُجسّد مبادئ المسؤولية البيئية في لوائح الأعمال في مدينة «ذا لاين»؛ لتعزيز الممارسات القائمة على التنمية المستدامة ومصادر الطاقة المتجدّدة، حيث ستُدعم بالطاقة المتجدّدة بنسبة 100 %، وستُمكّن المدينة المجتمعات المحلية من العيش في وئام مع الطبيعة، التي تجمع بتناغم المساحات المفتوحة، والمتنزهات، والحدائق، والبيئة الطبيعية، والإنتاج الغذائي المستدام.
أمّا الخطة التنفيذية لحماية البيئة التي أعدّتها الهيئة الملكية لمدينة الرياض؛ فتنطلق من “استراتيجية بيئية” اشتملت على مجموعة متكاملة من السياسات والخطط والبرامج والمشاريع التي تضمن حماية بيئة المدينة وتنمية مواردها بطرق مستدامة. واحتلت العناية بالبيئة مساحة كبيرة على خارطة اهتمامات الهيئة، واعتمدت في رسالتها التطويرية على الإنسان كمحور التطوير الأول، والثقافة البيئية هي رافد التطوير الأساس. ومن أبرز البرامج والمشاريع المنبثقة عن ”الخطة التنفيذية لحماية البيئة بمدينة الرياض” إقرار خطة لتأهيل وتحسين الوضع البيئي والحضري لجنوب مدينة الرياض، تتضمن 37 برنامجاً ومشروعاً، إضافة إلى معالجة وتأهيل وتطوير 22 موقعاً متضرّراً في المنطقة، وحصر الأنشطة والمنشآت غير المرخصة ذات الأثر البيئي جنوب مدينة الرياض، وإغلاق ومعالجة 587 مصنعاً ومنشأة غير مرخصة، إضافة إلى إقرار نقل مصنع الإسمنت ومصنع الجبس إلى خارج مدينة الرياض.
وفيما يتعلّق بتحسين جودة الهواء، فقد أنهت الخطة إعداد دراسة لتقييم تلوّث الهواء الناتج من المصادر الرئيسية للانبعاثات، شملت 94 منشأة ومصدراً في المدينة، وشرعت في تشغيل 10 محطات مراقبة جديدة لتلوث الهواء، وإعداد خطة بيئية تتضمّن تنفيذ 62 برنامجاً بيئياً، وتركيب محطة لقياس جودة الهواء في المدينة الصناعية الثانية، ومحطة متنقلة أخرى لقياس مصادر الانبعاث من المصانع. كما تشتمل الخطة على إعداد استراتيجية شاملة لإدارة كافة أنواع النفايات الصلبة والسائلة (البلدية والطبية والصناعية). أما فيما يتعلق بمشاريع الصرف الصحي، فتعمل الخطة على استكمال تنفيذ محطة معالجة الصرف الصحي الجديدة في موقع الحاير بسعة 400 ألف م3، وتنفيذ المرحلة الثالثة من محطة هيت لمعالجة الصرف الصحي بسعة 200 ألف م3 يومياً، ومد شبكات وخطوط نقل رئيسية للصرف الصحي في كافة أحياء الرياض الجديدة بما يغطي مساحة تبلغ 375 كيلو متر مربع.
كما بدأت الخطة، في تنفيذ برنامج شامل لإعادة الغطاء النباتي بمنطقة الرياض، يتضمّن إنشاء بنك للبذور لجمع وحفظ سلالات النباتات المحلية النادرة، وتنفيذ مشاريع تشجير تجريبية بالثمامة ووادي حنيفة، واستحداث غابات للأشجار في محميات منطقة الرياض، مع الاستمرار في تشجير الحدائق والمتنزهات وتشجير الشوارع والميادين في المدينة، وتنظيم حملات لتنظيف المناطق البرية المحيطة بالمدينة، وتنفيذ متنزّهات كبرى بمساحة تزيد عن 2.5 مليون متر مربع تشمل: حدائق الملك عبدالله العالمية، ومتنزّه الملك عبدالله بالملز، ومتنزّه الملك سلمان ببنبان، ومتنزّه الحائر، ومتنزّه الحمراء. وتسعى الهيئة الملكية أيضاً إلى الحدّ من التلوّث البصري ومعالجته، وتنظيم إدارة المخلفات الضارة من استخدام المبيدات والأسمدة الزراعية، والتحكّم بآثار الضوضاء والحدّ من آثارها، وذلك بالتعاون مع وزارة النقل وأمانة مدينة الرياض وإدارة مرور منطقة الرياض ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.
أمّا محور “التغير المناخي” وهو رابع مكوّنات الخطة التنفيذية لحماية البيئة؛ فيتضمّن عددًا من البرامج أبرزها ترشيد استهلاك الطاقة، ودراسة انبعاث غازات الاحتباس الحراري ، ومراقبة جودة المياه السطحية والتربة، وإدارة ومعالجة مياه الصرف الصحي، وترشيد استهلاك المياه.
وقد وجدتْ العديد من الهيئات والجهات المعنية بحماية البيئة في المملكة، ومنها المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، الذي يقوم بدور تطوير المتنزهات الوطنية وإدارتها، وتنميتها وإعادة تأهيل الغطاء النباتي في الغابات والمراعي، وحماية الأنواع النباتية المحلية والمهددة وإكثارها، ومكافحة التصحر.بينما وجد المركز الوطني للالتزام البيئي، ليهتم بمراقبة الالتزام البيئي لجميع المنشآت ذات الأثر على البيئة في القطاعات التنموية كافة، والإشراف على برامج رصد مصادر التلوث البيئي ورصد الأوساط البيئية، إضافة إلى إقرار دراسات الأثر البيئي، وإصدار التراخيص البيئية لجميع المشاريع التنموية، والتفتيش البيئي على المنشآت.
كما أن مهام المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، تتمثل في الإشراف على البرامج المرتبطة بحماية الحياة الفطرية وتنميتها، والبرامج المتعلقة بحماية التنوع الأحيائي في البيئة البرية والبحرية وكذلك تخطيط واداارة المناطق المحمية البرية والبحرية ومراكز إكثار الحيوانات المهددة بالانقراض وإعادة توطينها.وتمثل هذه المراكز البيئية الحكومية، الاطار المؤسسي الجديد لقطاع البيئة في المملكة والتي تعتبر الممكنات الرئيسة لتحقيق مستهدفات المملكة حيال حماية البيئة. فأولتْ هذه الكيانات الجانب التوعوي والثقافة البيئية اهتماماً عالياً لرفع درجة التشاركية الاجتماعية وتحقيق هدفها النهائي في الوصول إلى التنمية المستدامة.
وإنه من المفيد الاهتمام بضمان وصول هذه الحملات إلى المناطق الطرفية في المملكة،لترسيخ الوعي البيئي لدى المجتمع، وتثقيفهم على السلوكيات الصّحيحة في التّعامل مع الطبيعة لتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين جودة الحياة، وضمان مستقبل أكثر استقراراً للبشرية جمعاء.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال