الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد أن قدمت المقالة في جزئها الأول لمحة تاريخية عن نشأة إدارة المخاطر، وما اعتراها من تحديات، التي قادتها إلى ماهي عليه حاليًا؛ حيث نجد أن هناك أوجه كثيرة لإدارة المخاطر. ذكرت منها كأمثلة: إدارة المخاطر التكنولوجية، وإدارة المخاطر التشغيلية وغيرها. ومما يتضح لي أن من أهم أوجه إدارة المخاطر وأشملها هو إدارة المخاطر المؤسسية، التي أتطرّق وأسهب فيها في جزئنا الثاني هذا من المقالة.
لكن قبل ذلك سأتبع أسلوب من اعتبرته عراب مجال إدارة المخاطر جيمس لام في أن أُفصِّل بعض الشيء في مصطلح الخطر قبل الخوض في بحر إدارته اللُّجيّ؛ هادفًا لضمان الفهم الدقيق والاستيعاب العام. يمكن أن يعني الخطر أو المخاطرة معاني مختلفة لأناس مختلفين؛ حيث ولا يمكن الحكم بقطعية تعريف واحد صحيح، لكننا اتفقنا سابقًا في جزء المقالة الأول على أن الخطر يعني حالة من عدم اليقين، وأن عدم اليقين يعني أن أمرًا ما سيحدث، لكنه غير مؤكَّد، وأن هناك احتمالاً لحدوثه من عدمه. هذا جميعه يعني وجود نوع من المخاطرة. إذًا فإن عدم اليقين هو نقص في المعلومات يجعل متخذ القرار غير متأكد مما سيحدث، وهذا يؤدي إلى زيادة المخاطر. منه يمكن القول: إن العلاقة بين المخاطرة وعدم اليقين تكاملية حيث عندما يكون هناك خطر ما، فهذا يعني نقصًا في المعلومات التي تسبّب عدم اليقين في عملية صنع القرار.
باختصار؛ فإن عدم اليقين والمخاطر هما وجهان لعملة واحدة، فهما مسبّبان لبعضهما البعض. ومن جانب آخر؛ فإن جيمس يُعرِّف الخطر بأنه “المتغير الذي يمكن أن يتسبّب في أيّ انحراف عن النتيجة المتوقعة، وبالتالي قد يؤثر على تحقيق أهداف العمل وأداء المنظمة ككل”. ونرى من تعريف جيمس واختياره لكلمة “متغير” أنه أيضًا يتفق أن الخطر هو عدم يقين محض بالنتائج التي من الممكن أن تتغير عن المتوقع. على كلٍّ، يقودنا التعريف إلى: ما هو هدفنا من إدارة هذا الخطر؟ الهدف يتمثّل بإدارة المخاطر التي تنطوي عليها جميع الظروف من أجل تعظيم المكاسب وتقليل الآثار السلبية؛ حيث لا ينحصر الهدف فقط على القضاء أو تجنب المخاطر تمامًا، وإنما إيجاد قيمة إيجابية للمؤسسة، ولنا في الجائحة خير مثال!
إدارة المخاطر المؤسسية:
يقودنا الفهم التام لمعنى الخطر، والهدف من إدارته إلى التطرق لتعريف إدارة المخاطر المؤسسية، وهنا أقتبس تعريف جيمس لها في كتابه الغني (Implementing Enterprise Risk Management: From Methods to Applications) بأنها “عملية متكاملة ومستمرة لإدارة المخاطر على مستوى المؤسسة، بما في ذلك المخاطر الاستراتيجية والمالية والتشغيلية والامتثال والمخاطر المتعلقة بالسمعة، من أجل تقليل التباين غير المتوقع في الأداء، وتعظيم القيمة الجوهرية للشركة. تُمكِّن هذه العملية مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية من اتخاذ قرارات على بيّنة بشأن المخاطر من خلال معالجة المتطلبات الأساسية المتعلّقة بالحوكمة والسياسة (بما في ذلك تقبُّل المخاطر)، و تحليلات المخاطر، وإدارة المخاطر، والمراقبة وإعداد التقارير”.
كما يُعرِّف أيضًا إطار العمل المقدّم من (COSO) إدارة المخاطر المؤسسية بأنها الثقافة والقدرات والممارسات المتكاملة مع وضع الاستراتيجية وتقييم أدائها، والتي تعتمد عليها المنظمات لإدارة المخاطر؛ من أجل إنشاء قيمة والحفاظ عليها وتحقيقها. إذًا فإن عملية إدارة المخاطر المؤسسية هي عملية إدارية بالمقام الأول تستند إلى نهج متكامل ومستمر بين مختلف إدارات الشركة هدفها تقليل التباين أو التغيُّر غير المتوقع في الأداء، وتعظيم قيمة الشركة، وأيضًا إيجاد عائد إيجابي. تطبيق مبادئ إدارة المخاطر المؤسسية تدعم من عملية صنع القرار واتخاذه بشكل أفضل على مستوى مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية؛ من خلال التقارير المقدَّمة يتضح للإدارة الكثير من الجوانب الخفية وعليها يصبح اتخاذ القرار أكثر وضوحًا وصوابًا.
عندما ترغب شركة ما في رسم استراتيجيتها أو الاستراتيجيات البديلة وأهدافها وخططها المستقبلية؛ فإنها بحاجة أكيده لفهم جميع أوجه الخطر التي تُهدّد سلامة القرار المراد اتخاذه، بجانب القرارات المتعلقة بالاستراتيجية يمكن أن تتضمن القرارات أيضًا جوانب وضع سياسات رأس المال وتوزيع الأرباح أو القيام باستثمار ما. تذكر الاستطلاعات أن القيمة الإجمالية المستمدَّة من إدارة المخاطر المؤسسية تتجاوز تكاليفها وتعزّز من مرونة اتخاذ القرارات لدى الشركة، المرونة العالية ميزة مهمة في توقُّع التغيير والاستجابة له. لكن هل تعي الشركات هذه القيمة غير الملموسة والتي تتطلب جهدًا ووقتًا لقطف ثمارها!
في الأيام القادمة بأذن الله وفي جزء المقالة الثالث والأخير سأتطرق إلى أهمية وجود مدير مخاطر تنفيذي CRO كجزء رئيسي من هيكلة الشركات، والحديث عن اللَبْس والخَلْط الذي يحدث في المهام ما بين مدير المخاطر والمدير المالي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال