الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ابتدأ عام 2022 على أمل استمرار زخم الانتعاش للاقتصاد العالمي، بعد تعافٍ مبدئي في عام 2021 حيث كان من المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي نحو 4.4٪، وفقًا للتقديرات الأولية لصندوق النقد الدولي، إلاّ أنه نظرًا للتداعيات السلبية التي جاءت في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية وتراجع النشاط الاقتصادي في الصين وروسيا وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة دون مستوى التوقعات، فقد خفّض الصندوق توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد العالمي في يوليو إلى 3.2٪ للعام 2022، بانخفاض قدره 0.4٪ عن توقعاته بمعدل 3.6٪ في إبريل 2022. وقد ساهم تعافي الاقتصاد العالمي في النصف الثاني من العام الماضي وأيضاً ما تركه تأثير انقطاع سلاسل إمداد الإنتاج في أعقاب وباء كورونا بأن شهدت جميع مؤشرات السلع زيادات منذ بداية العام، ثم تسارعت وتيرة الزيادة على إثر التطورات الجيوسياسية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. وقد تعرض الاقتصاد العالمي في الأساس من جراء جائحة كورونا لعدّة صدمات والتي كان من أهمها وليس وحدها تعطّل سلاسل إمداد الإنتاج على إثر حالات الإقفال للأنشطة الاقتصادية، ومن ثم ما صاحبها من السياسات المالية التحفيزية وكذلك السياسات النقدية التيسيرية، حيث أدّت هذه السياسات المالية والنقدية في ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة منذ فترة السبعينات في الكثير من الدول، وخاصة في الولايات المتحدة والاقتصادات الأوروبية الرئيسية. وقد دفعت هذه المستويات من التضخم البنوك المركزية في دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية إلى تشديد السياسة النقدية، حيث شهدت هذه المؤشرات تراجعاً من بداية شهر يونيو ومنها السلع الغذائية، ولكن بنسب متفاوتة. غير أن مؤشر البترول، على وجه الخصوص، شهد أسرع زيادة منذ بداية العام، حيث تجاوزت أسعار خام برنت 140 دولارًا للبرميل خلال شهر أبريل ثم بدأت مستويات أسعار النفط في التراجع مع زيادة المخاوف من تراجع الطلب العالمي على إثر احتمالات دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة الركود، ومع ذلك من المتوقع أن تبقى أسعار النفط مرتفعة طوال عام 2022، وذلك بالنظر إلى استمرار الصراع بين روسيا والغرب، وأن يبلغ متوسط أسعار النفط نحو 105 دولار للبرميل خلال 2022، (الرسم البياني 1).
في ظل فك اتفاقية تخفيضات إنتاج النفط بين أوبك وحلفائها، بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا، تؤكد أوبك أن أسواق النفط العالمية تتجه إلى التوازن مع استمرار زيادة الإنتاج بشكل متدرج بمقدار 0.43 مليون برميل يوميًا كل شهر، ولكن ابتداءً من شهر يوليو و لغرض تعويض نقص الإنتاج بسبب الحظر على صادرات النفط الروسية فقد تم رفع مقدار الزيادة إلى 0.65 مليون برميل يومياً، وبما يعادل نحو 7% من الطلب العالمي. وفي اجتماع أوبك وحلفائها الأخير في شهر أغسطس تم الإتفاق مرة أخرى على زيادة الإنتاج بمقدار 0.1 مليون برميل يومياً على الزيادة المقررة ابتداءً من شهر سبتمبر، حيث بلغ إنتاج أوبك من النفط في يوليو 28.9 مليون برميل يومياً. كما عزت أوبك وحلفائها أن الإرتفاع الحاد في الأسعار يعود في الأساس إلى المخاطر الجيوسياسية ومخاوف المتعاملين في أسواق النفط من احتمالات نقص المعروض، خاصة بعد القرار الأخير الذي اتخذه أعضاء الاتحاد الأوروبي بحظر استيراد النفط من روسيا عبر البحر، والذي يصل إلى أكثر من ثلثي واردات النفط الروسية. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يؤدي التخفيف الأخير لقيود الإغلاق في الصين إلى زيادة الطلب على النفط، ووفقًا لذلك، بلغ متوسط أسعار خام برنت 106.2 دولاراً للبرميل في النصف الأول من عام 2022. والتزامًا باتفاقها ضمن مجموعة أوبك وحلفائها، استمرت المملكة العربية السعودية في زيادة إنتاج النفط بمقدار 143 ألف برميل يوميًا في كل شهر حتى يونيو، ثم قامت برفعه بمقدار 160 ألف برميل خلال يوليو، حيث بلغ متوسط الإنتاج 10.7 مليون برميل يومياً، بزيادة قدرها 13.5٪ على أساس سنوي ومن المتوقع أن يبلغ متوسط إنتاج المملكة نحو 10.5 مليون برميل يوميًا لعام 2022، كما زادت صادرات النفط السعودية بنسبة 24.8٪ على أساس سنوي لتصل إلى 7.2 مليون برميل يومياً في النصف الأول من عام 2022، (الرسم البياني 2).
ونتيجة لهذه التطورات في أسواق النفط، بلغت إجمالي الإيرادات الفعلية في الميزانية العامة للسعودية 648.3 مليار ريال في النصف الأول من عام 2022، بالمقارنة مع 452.9 مليار ريال في النصف الأول من عام 2021، بزيادة قدرها 43٪ على أساس سنوي. وتعزى هذه الزيادة بحد كبير إلى الإيرادات النفطية، حيث ارتفعت بنسبة 75٪، إذ أنه وبعد أن سجّلت الميزانية السعودية عجزاً بنحو 73 مليار ريال في عام 2021، حققت فائضا مالياً بلغ 135.4 مليار ريال في النصف الأول من عام 2022، وهو أعلى مستوى فائض منذ عام 2016 عندما بدأت وزارة المالية في الإعلان عن الميزانية على أساس ربع سنوي. وتعود هذه الزيادة الكبيرة في الإيرادات النفطية أولاً إلى زيادة أسعار النفط، التي ارتفعت بنسبة 47.6٪ منذ بداية عام 2022، وثانياً إلى مستوى إنتاج النفط، الذي ارتفع بنسبة 25.6٪ على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2022. ولذا فإنه من المتوقع أن تحقق ميزانية المملكة فائض مالي يقارب نحو 270 مليار ريال (72 مليار دولار) للعام 2022، حيث مثّلت هذه النتائج المالية حالة معاكسة للفترة ما بين 2018-2021 التي شهدت فيها الميزانية الفصلية للمملكة العربية السعودية استمراراً في العجز المالي. (الرسم البياني 3).
لقد اختارت الحكومة لتمويل العجز المالي بداية من خلال السحب من الاحتياطي ومن ثم اتجهت بعد ذلك إلى إصدار السندات والصكوك في الأسواق المحلية والدولية، مما ساهم في ارتفاع الدين العام، حيث وصل إجمالي الدين العام إلى 966.5 مليار ريال بنهاية النصف الأول 2022. وقد أدّى السحب من الإحتياطي لتمويل العجز المالي خلال الفترة من 2016 وحتى 2021 إلى انخفاض صافي الأصول الأجنبية الرسمية، التي بلغت ذروتها عند 737 مليار دولار في أغسطس 2014 إلى 449 مليار دولار في يونيو 2022. ونتيجة لذلك، انخفضت نسبة صافي الأصول الأجنبية إلى الناتج المحلي الإجمالي من 130٪ إلى قرابة 60٪، لكنها لا تزال في مستوى جيد لمواجهة أية ضغوط مضاربة على الريال السعودي تستهدف سعر الصرف، كما أنها تشكّل تغطية 30 شهرًا من الواردات. ومع الإرتفاع الحاد الحالي في أسعار النفط إلى جانب زيادة الإنتاج، شهدت الصادرات النفطية ارتفاعا كبيراً وكذلك الصادرات غير النفطية، حيث حققت المملكة فائضاً في الحساب الجاري بمقدار 37.4 مليار دولار خلال الربع الأول من 2022. وفي ظل تحقيق هذه الفوائض الكبيرة في ميزانية الحكومة لهذا العام، فإن عمليات السحب من الإحتياطي سوف تتوقف وبالتالي سوف يستمر صافي الأصول الأجنبية في الارتفاع، إذ من المتوقع أن يبلغ 485 مليار دولار في نهاية عام 2022، (الرسم البياني 4).
لقد شكّلت تقلبات النسب المئوية لميزان الحساب الجاري وميزان حساب المالية العامة إلى إجمالي الناتج المحلي نمط التغيرات في معدلات النمو للناتج المحلي بالأسعار الجارية، حيث يكون النمو إيجابي عندما يكون كلاهما حققا فوائض مالية كما شوهد خلال الفترة 2010-2014، ويظهر نموًا سلبيًا عندما يكون كلا الحسابين الجاري والمالي في نطاق العجز كما جاء خلال الفترة 2015-2017، وهو دلالة في مدى اعتماد اقتصاد المملكة على النفط بما يوفره من إيرادات مالية تساعد وتساهم في تمكين الدولة من تنفيذ مخططات وبرامج التنمية و بالتالي تحقيق النمو الاقتصادي. وبعد أن سجّل كلا الحسابين عجزًا كبيراً في عام 2020، جاء نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بالسالب في عام 2020، لكنه تعافى في عام 2021 و سجّل نموًا بنسبة 20٪، في حين أن الحساب الجاري قد حقق فائضًا إيجابيًا متواضعًا على إثر التحسن في أسعار النفط وارتفاع مستويات الإنتاج. وتشير التوقعات لعام 2022 إلى فوائض كبيرة في كلا الحسابين التجاري والمالي نتيجة التطورات الجيوسياسية وانعكاساتها صعوداً على أسعار النفط، وبما يفضي إلى نمو قوي في الناتج المحلي الإجمالي، حيث تعمق تقلبات أسعار النفط ليس فقط مشكلة تذبذب الإيرادات النفطية في هيكل الموازنة العامة، ولكن أيضا في نمو الأنشطة الإقتصادية الأخرى وذلك حسب درجة ارتباطها بالإنفاق الحكومي (الرسم البياني 5).
لقد جاء نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة مماثلاً إلى حد ما لحالة التذبذب للناتج المحلي الإجمالي الإسمي، غير أن التغيرات في الناتج االمحلي الحقيقي من سنة إلى أخرى ليست بمستوى الحدة مقارنة بالقيمة الإسمية للناتج المحلي. وبعد تسجيل نمو معتدل بنحو 3.5٪ خلال الفترة 2012-2016، استقر الإقتصاد من غير تحقيق نمو في الفترة 2017-2019 قبل أن ينكمش بنسبة 4٪ في عام 2020 وذلك بسبب تأثير جائحة كورونا. ومع عودة أسعار النفط إلى الإرتفاع وبداية حالة الإنتعاش الإقتصادي نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.2٪ في عام 2021، كما أنه على إثر استمرار وتيرة التعافي مستفيدة من النمو القوي لقطاع النفط نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للربع الأول بنسبة 9.6٪، ومن ثم بنسبة 11.8 ٪ في الربع الثاني للعام 2022، حيث من المتوقع أن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للعام 2022 إلى 8٪. وأما بخصوص الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي فقد حافظ على نموه الإيجابي خلال الفترة 2010-2019، و لكنه انخفض إلى مستوى معتدل خلال الفترة 2016-2019 عند حوالي 2.5٪ قبل أن ينكمش بنسبة 3.5٪ في عام 2020، ثم دخل في مرحلة التعافي على إثر برامج التحفيز المالية والتيسير في السياسة النقدية في عام 2021 ليسجّل ما يقارب من 3.7٪. و إن التغيرات في نمو القطاع غير النفطي يبقى تابعاً للتغير في القطاع النفطي، حيث بلغت مساهمة قطاع النفط والغاز والتكرير في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي 38.6٪ في الربع الأول 2022، وهي نسبة حاكمة تدل بوضوح على مدى التأثير الذي تمثله أسعار النفط في نمو الناتج المحلي الإجمالي و تؤكد تبعية الاقتصاد السعودي لقطاع النفط، في حين جاء في المرتبة الثانية قطاع تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم بنسبة 8.4٪، وفي المرتبة الثالثة جاء قطاع الصناعات التحويلية بنسبة 8.3٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، ( الرسم البياني 6).
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال