دور تقنيات الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجرائم “1-2”

أولاً: الطريق إلى التميز من خلال بذل الجهد الإضافي لا يكون مزدحماً بالكثير من الناس أبداً – الكاتب الأمريكي واين داير .

لاتزال الأساليب المتبعة في مجال العدالة الجنائية بمَنأى عن استخدام التقنيات الحديثة وخاصة تقنية الذكاء الاصطناعي  في مجال العدالة الجنائية في كافة مراحلها ولكون أن البيانات الهائلة والمتزايدة بشكل مستمر في العالم الرقمي، سوف تصعب الحياة والقيام بالأعمال على من لم يقم بالاهتمام بمجالات التقنية والذكاء الاصطناعي وخاصة جهات إنفاذ القانون، ولا يكفي امتلاك بيانات دون معرفة الأدوات التي تساعد في إدارة هذه البيانات بصورة صحيحة ومن أهم هذه الأدوات :

التنقيب عن البيانات أو التنقيب عن المعرفة وعرفه البعض ” عبارة عن مجموعة من التقنيات بمـساعدة أدوات الحاسوب المصممة لاستخراج كميات كبيرة من البيانات المتكاملـة للحـصول على معلومات جديدة، خفية أو غير متوقعة، أو أنماط تلقائية، وأحيانا يطلـق عليها اكتشاف المعرفة في قواعد البيانات” ويرى البعض أن تنقيب البيانات هو مرحلة تمثل تحليل البيانات ونقلها لمعلومات وتساهم في رفع كفاءة جهات إنفاذ القانون وسهولة ودقة اتخاذها للقرارات التي تم اتخاذها نتيجة هذا التنقيب.

وكما أن التنقيب يحمل في طياته مجالات كثيرة منها تحليل النماذج الإحصائية وخوارزميات الرياضيات وعلم الآلة والأنماط الصحيحة ، فهو يقوم على استخدام البيانات والذكاء الاصطناعي للتعرف على التصرفات والأنماط، فالبيانات المتوفرة بالعالم الرقمي بعضاً منها رقمية والبعض الأخر غير رقمية وتحتاج لعملية تمر بعدة مراحل كالتحليل والمعالجة والتحويل لمعلومات تسهل فهمها وتسرع من عملية اتخاذ القرار للإجابة على الأسئلة بشكل سريع، فالتنقيب عن البيانات له أهمية كبيرة جداً من نواحي عديدة منها أن عملية جمع هذه البيانات ووضعها في سجلات أو مستودعات كبيرة وتمثل هذه السجلات والمستودعات مخازن للبيانات، حيث تساعد الجهات المنشأة لهذه المخازن على استرجاع هذه البيانات بشكل سلس ويسير وفي أي وقت ويقلل من صعوبة البحث عن المعلومة لدرجة كبيرة ويساهم في صحة ودقة القرار المتخذ بناء على هذه البيانات، مما يعود به الأثر على كفاءة الجهات وجودة مخرجاتها وقراراتها.

 ويقدم التنقيب عن البيانات خدمة كبيرة في مجال الحماية والمراقبة من خلال تحليله ودراسته للأنماط والعمليات غير الطبيعة والتي يترتب على إثرها اختراقات للأنظمة أو مراكز المعلومات.

 بل أن للتنقيب عن البيانات أهمية كبيرة في مجال الجريمة ومكافحتها وعلم الإجرام فمن أول الطرق لمعالجة الجريمة معرفة خصائصها وطرق ارتكابها والدوافع الكامنة خلف ارتكابها، وهذه جميعاً تمثل مراحل تحليل ومعالجة للجرائم وأنماطها والتنقيب عن البيانات يساعد على استرجاع جميع الجرائم المتشابهة والتي ارتكبت بشكل معين ودوافع معينة ومجرمين يحملون صفات وظروف متشابهة وهذه بيانات هائلة لا يسع العنصر البشري الإلمام بها أو البحث بها جميعاً فالتنقيب عن البيانات يساهم في وضع أدوات مساعدة وذات أثر بارز في نتائجها على عملية مكافحة الجريمة والتصدي لها ودعم لوجستي لسلطات التنفيذية.

والتنقيب عن البيانات يحمل أنواع عديدة منها:

1. التنقيب عن البيانات التنبؤية (Data Predictive Mining):

ويقوم هذا النوع من أنواع التنقيب على معرفة سابقة بالنتائج والاستنتاجات التي تكون متوفرة عن البيانات وعلى إثر هذه النتائج والمعطيات تبدأ عملية التنبؤ والتوقع للمستقبل لإيجاد أفضل وأيسر القرارات التي يمكن أن تتخذها الجهة الحكومية أو الكيانات التجارية أو الأفراد.

1. التنقيب عن البيانات الوصفية  (Data Descriptive Mining):

يقوم هذا التنقيب على مبدأ إعادة التنظيم للبيانات والبحث والتنقيب فيها من جديدة للخروج بالأنماط المتواجدة فهو نموذج لديه علم ومعرفة بالأنماط السابقة المتواجدة بهذه البيانات وهو أحد الطرق المستخدمة في مراحل الاستكشاف.

إن للتقنيب عن البيانات أثر بارز في التقدم والتطور على المجتمعات كافة والحكومات لما يمثله من سهولة ويسر في تبسيط البيانات وتقديم المعلومات وسرعة في إيجاد وبحث عن البيانات وإن الانتشار الواسع للأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ساهم في إيجاد ابتكارات جديدة في هذا المجال ومع هذا التطور لم يكن جانب الجريمة المنظمة وعصاباتها بمنأى عن استغلال هذه التقنية للقيام بجرائمهم لكونها تمثل مكاناً مخفياً لم تصل إليه سلطات مكافحة الجرائم إلا بوقت متأخر جداً فبدأت عمليات سرقة البيانات واستغلالها والاحتيال المالي والتسلل على الأنظمة والبيانات الخاصة بالأفراد والشركات والحكومات بهدف إثارة الزعزعة أو الفساد المالي والهجمات السيبرانية لتعطيل الأنظمة وإتلافهم، وإن كانت التشريعات توصلت لمعرفة الجرائم المعلوماتية فإن هناك جرائم بدأت بالانتشار عبر الذكاء للاصطناعي تمثل فساد مالي و هجمات سيبرانية وإرهاب إلكتروني وغسل الأموال ونشر الزعزعة والاشاعات بين افراد المجتمعات ونشر العنف وغيرها من صور الجرائم، الأمر الذي يحتم على الحكومات النظر في مجال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجرائم بشكل عام والفساد بشكل خاص حيث أن جرائم الفساد المالي بالعالم تمثل تريليون دولا وسوف تصل إلى ما بين تريليونين ونصف التريليون دولار حول العالم.

ولعل من أبرز الأمثلة على استخدام التقنيات الحديثة بشكل عام والذكاء الاصطناعي بشكل خاص في مجال الجنائي والحرب هو ما يتم الأن في الحرب الروسية الأوكرانية من استخدامات لهذه التقنيات في تحديد الأهداف والأشخاص والتأثير على الصواريخ التي يتم اطلاقها والمواقع الإلكترونية التابعة لأطراف النزاع.

أخيراً: يقول أبو فراس الحمداني:

وما المرءُ إلا حيثُ يجعل نفسهُ

وإني لها فوق السماكين جاعلُ