الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تنتشر مشاريع طاقة الأرض الحرارية في العديد من الدول. وتمتلك جميع دول العشرين G20 برامجها الخاصة بهذه الطاقة المتجددة فيما عدا المملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا. وفي سنة 2021، قاربت القدرة المركبة لمشاريع توليد الطاقة الكهربائية باستخدام طاقة الأرض الحرارية في العالم على 16 جيجا وات. وهذا يعتبر رقما صغيرا جدا بالمقارنة مع مزاياها المتعددة التي سوف نذكرها في مقال لاحق.
وهناك خمس من دول العالم انضمت إلى ما يسمى بـ ”نادي الجيجا“ وهي الدول التي لديها طاقة كهربائية مولدة باستخدام طاقة الأرض الحرارية تزيد عن 1 جيجا وات. وهي الولايات المتحدة الأمريكية بسعة 3،639 ميجاوات وأندونيسيا بسعة 1،948 ميجاوات والفلبين بسعة 1،868 ميجاوات وتركيا بسعة 1،347 ميجاوات ونيوزيلندا بسعة 1،005 ميجاوات.
أول مشروع في العالم لتوليد الطاقة الكهربائية بإستخدام طاقة الأرض الحرارية كان في قرية لارديرللو Larderello الواقعة في مقاطعة Tuscany بإيطاليا. ابتدأ المشروع سنة 1904 بتوليد 250 وات لإضاءة خمس لمبات ثم تطور حتى صار يغذي محطة القطار في القرية سنة 1013. واليوم، تطور المشروع لتوليد ما يقارب من 970 ميجاوات مع وجود خطة لإضافة 100 ميجاوات سنة 2023 مما يعني إنضمام إيطاليا إلى نادي الجيجا. كما أنه يوجد في قرية لارديرللو متحف يوضح تطور المشروع عبر السنين مع عرض بعض الأجزاء القديمة من المشاريع مثل نسخة من أول مولد تم إستخدامه وأجزاء من الحفارات وقطع من أبراج التبريد الخشبية وغيرها الكثير من الأجزاء والصور. والحقيقة أن زيارة المنطقة والمتحف كانت تجربة جميلة استحقت عناء السفر.
ومن المتوقع أن تشهد أوروبا توجها ملحوظا لإستغلال طاقة الأرض الحرارية كأحد الحلول المطروحة لحل أزمة الغاز الطبيعي مع روسيا الإتحادية. وتقليل الإعتماد على الغاز الروسي في المستقبل. وبالفعل إبتدأ الإتحاد الأوروبي في عقد إجتماعات لدراسة إمكانية تعديل بعض القوانين التنظيمية الخاصة والتي قد تساعد دول أوروبا على تعجيل الإستفادة من هذه الطاقة المتجددة. إن الإسراع في تنفيذ مشاريع طاقة الأرض الحرارية بغرض مسابقة الزمن لحل الأزمة قد يؤدي إلى إرتفاع أسعار التنقيب والحفر في أوروبا وقد يضغط أيضا على شركات تصنيع المولدات الخاصة بهذه الطاقة وهي ما يعرف بـ .Organic Rankine Cycle (ORC)
وأنا أرى أن وضعنا في المملكة حاليا مماثل لدول أوروبا. بالطبع، مع إختلاف الأهداف والأسباب. فدول أوروبا دخلت في ظرف دولي وجدت فيه نفسها مضطرة لتحقيق معادلة صعبة تهدف إلى تقليل إعتمادها على الغاز الروسي في أقصر وقت ممكن مع الحفاظ على مستويات إستهلاكها من الطاقة لإحتياجاتها المختلفة.
بينما رؤية المملكة 2030 الطموحة تسعى جادة إلى التقليل من إعتماد المملكة على مصادرها من البترول والغاز الطبيعي، إختيارا وليس إضطرارا بحمد الله. إن الإهتمام بدراسة جميع مصادر الطاقة المتجددة المتوفرة في المملكة بأسلوب يتخطى البيروقراطية التي عادة ما تؤخر الوصول إلى الأهداف المرجوة من شأنه أنه يقلل من تكلفة الفرصة (Opportunity Cost). كما أنه سوف يحدد موقف المملكة من هذه المصادر مما يؤدي إلى الوصول إلى أهداف رؤية المملكة 2030 بأسلوب علمي وعملي أكثر.
وتعمل مشاريع توليد الطاقة الكهربائية بإستخدام طاقة الأرض الحرارية بما يعرف بنظام “الدائرة المغلقة”. وهذا لأن البخار أو السائل الحار يستخرج من باطن الأرض ويستخدم في توليد الطاقة الكهربائية ثم يُبرّد إلى درجة 50 درجة مئوية ويعاد حقنه في منطقة المكمن الحراري لتقوم حرارة الأرض الطبيعية بتسخينه لإستخدامه مرة أخرى وهكذا طوال مدة عمل المشروع. ومن فوائد هذا النظام هو عدم تسريب أي إنبعاثات كربونية.
وهناك العديد من دول العالم التي تستخدم طاقة الأرض الحرارية إستخداما مباشرا (direct use) مثل التسخين والتبريد أو أي إستخدامات أخرى غير توليد الطاقة الكهربائية. وهذه النوعية من المشاريع لا تحتاج إلى الحفر لأكثر من حوالي 400 متر أو أقل تحت سطح الأرض للإستفادة من فرق درجتي الحرارة بين سطح الأرض وعمق الحفر عن طريق مضخات خاصة بذلك.
وتقدر القدرة الحرارية المركبة للإستخدام المباشر لطاقة الأرض الحرارية في العالم سنة 2019 بـ 30،180 ميجاوات حراري (MWt). وأكثر الدول إستخداما لهذه الطاقة هي الصين بسعة 14,160 MWt وتركيا بسعة 3,480 MWt واليابان بسعة 2,407 MWt وإيسلندا بسعة 2,368 MWt وهنغاريا بسعة 952 MWt.
وأخيرا، نذكر أنه كان هناك محاولتين قبل عدة سنوات لمشروعين منفصلين في مدينة جده بالمملكة لتبريد مشروع سكني ومشروع برج مكاتب بواسطة الإستخدام المباشر (direct use) لطاقة الأرض الحرارية. إلا أن المحاولتان لم يكتب لهما النجاح بسبب الملوحة الشديدة للتربة في مدينة جده والتي كونت، مع الوقت، عازلا حول الأنابيب المدفونة تحت الأرض منعت عملية نقل الحرارة من التربة إلى السائل داخل الأنابيب وتم إلغاء المشروعين والعودة إلى الطرق الإعتيادية للتبريد. ولعل مشروعا كهذا يكون له فرص نجاح أفضل في مناطق أخرى من المملكة تكون أوضاع التربة فيها أفضل من أوضاع التربة في مدينة جده.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال