الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في دراسة مشتركة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، صادرة قبل ثلاث سنوات، أجمع خبراء المال والاقتصاد والتجارة على أن الدول ذات التكاليف المرتفعة في خدماتها اللوجستية تفقد مزاياها التنافسية وفرصها المثالية، وأن أكبر مصدر لهذه التكاليف لا يتمثل في تكلفة النقل والشحن ورسوم الموانئ ومناولة البضائع والرسوم الجمركية، بل يكمن في تدني مستوى خدمات الأجهزة الحكومية، وتفاقم وتيرة البيروقراطية، وانعدام مبادئ الشفافية والاستشراف، التي تعتبر جميعها عوامل أكثر أهمية للخدمات اللوجستية حتى من التكاليف نفسها.
وتم في هذه الدراسة اختيار الدول استناداً لأكثرها تصديراً واستيراداً وأهمها ارتباطاً بالأسواق الدولية، حيث تم استقصاء أكثر من 5 آلاف معيار عالمي مع حوالي 10 آلاف وكيل دولي للشحن في 160 دولة، شملت كفاءة خدمات الأجهزة الحكومية، وجودة البنية التحتية المرتبطة بمجالي التجارة والنقل، ومدة عمليات التخليص الجمركي، وسهولة ترتيب الشحنات بأسعار تنافسية، والقدرة على تتبع مسار الشحنات، ومعدلات وصولها إلى أصحابها في الوقت المحدد لها.
في هذه الدراسة جاءت ألمانيا في المركز الأول لتحقق أعلى مستوى أداء بنسبة 100%، لكونها تتعامل مع المستوردين والمصدرين من خلال منصة إلكترونية موحدة في هيئة واحدة خالية من البيروقراطية و متشبعة بالكفاءة و مرتبطة بأفضل بنية تحتية. وجاءت لوكسمبورغ في المرتبة الثانية بنسبة أداء 99.8%، لتتبعها السويد بنسبة 99.3%، ثم هولندا بنسبة 98.8% وسنغافورة بنسبة 97.4%. كما جاءت المملكة في المركز 52 بنسبة كفاءة أداء لا تزيد عن 66.8%، لتحل في المرتبة السادسة عربياً بعد الإمارات التي حققت المركز 13 عالمياً، بينما جاءت قطر في المرتبة 30، والبحرين في المركز 44، وعمان التي جاءت في المركز 48، ومصر في المرتبة 49 وبنسبة كفاءة أداء تساوي 67.7%.
ولتحسين مؤشر أدائها اللوجستي لتكون ضمن قائمة الدول العشر الأولى على مستوى العالم، أطلقت المملكة في شهر يونيو من العام الماضي الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية لترسيخ مكانة المملكة وجعلها مركزاً لوجستياً عالمياً يربط القارات الثلاث، وزيادة مساهمة هذه الخدمات في إجمالي الناتج المحلي الوطني من 6% إلى 10% في عام 2030م.
وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تعزيز التكامل في منظومة الخدمات اللوجستية والارتقاء بكافة أنماط النقل الحديثة لدعم مسيرة التنمية الشاملة في المملكة. كما تهدف هذه الإستراتيجية إلى رفع قدرات قطاع الشحن الجوي لتصل طاقته الاستيعابية إلى أكثر من 4.5 ملايين طن، واستهداف الطاقة الاستيعابية للموانئ لتزيد على 40 مليون حاوية سنوياً. وبناءً عليه أعلنت المملكة أنها ستقوم بزيادة في مجموع أطوال السكك الحديدية المستقبلية لتصل إلى 8080 كم، وإنشاء مشروع “الجسر البري” بطول يتجاوز 1300 كم، الذي ستتجاوز طاقته الاستيعابية 3 ملايين مسافر، وشحن أكثر من 50 مليون طن سنوياً. وهذا سوف يؤدي إلى ربط موانئ المملكة على ساحل الخليج العربي بموانئ ساحل البحر الأحمر، مع فتح فرص جديدة وواعدة لهذا الخط عبر مروره بمراكز لوجستية حديثة، ومراكز للأنشطة الاقتصادية والمدن الصناعية والأنشطة التعدينية.
ولتحقيق هذه الأهداف الطموحة طالبت الاستراتيجية بضرورة ترسيخ الشراكة في الخدمات اللوجستية مع القطاع الخاص محلياً ودولياً عن طريق رفع مستوى الإجراءات الفعّالة وتطوير نظام جمركي ذي كفاءة عالية، وتعديل الأنظمة القائمة بما يمكّن مشغلي منظومة النقل وغيرهم من استثمار إمكاناتهم بصورة مثلى. وهذا سيؤدي إلى تقدم ترتيب المملكة في مؤشر الخدمات اللوجستية إلى المركز الأول اقليمياً، لتصبح المملكة من خلالها مركزاً رئيساً للتجارة العالمية، وتساهم في زيادة صادراتنا غير النفطية من 16% إلى 50% على الأقل من الناتج المحلي غير النفطي.
ونظراً لأن هذه التطلعات الطموحة تحتاج إلى عدة خطوات رئيسية لتحقيق أهدافها، يقترح من القائمين على هذه الاستراتيجية البدء في تنفيذ هذه الخطوات على النحو التالي:
أولاً: إعادة هيكلة القطاعات الحكومية المرتبطة بالخدمات اللوجستية، والتي تشمل وزارة النقل والمؤسسة العامة للموانئ وهيئة الزكاة والجمارك والجهات الأخرى ذات العلاقة، بحيث تتفق هذه القطاعات على إنشاء منصة الكترونية موحدة للخدمات اللوجستية من خلال هيئة مختصة لتحييد البيروقراطية ومنح الصلاحية وحصر المسؤولية.
ثانياً: اختيار المناطق الحرة القريبة من الموانئ السعودية الصالحة لمشاريع الخدمات اللوجستية والخارجة عن سلطات الجمارك والمرتبطة بكافة وسائل النقل من سكك حديدية وطرق برية ومطارات دولية، مع تقديم كافة أنواع الدعم والمساندة لهذه المناطق من خلال تعديل الأنظمة وتحديث الأجهزة وتطوير المراقبة عن بعد.
ثالثاً: تقليص الرسوم الباهظة المفروضة على الصادرات والواردات وإعفائها من الرسوم الجمركية لكونها متواجدة في المناطق الحرة أو مناطق الإيداع الخارجة عن النطاق الجمركي، مع ضرورة تشجيع شركات القطاع الخاص على تشغيل هذه المناطق والاستفادة من مقوماتها وتراخيصها بما يضمن أحقيتها النظامية في التصدير وإعادة التصدير، خاصةً وأن الخدمات اللوجستية تعتمد في المقام الأول على الإدارة والكفاءة والسرعة في اتخاذ القرار لتأمين تدفق الموارد كمنتجات المصانع والطاقة والمعادن، حيث تكمن أهمية الخدمات اللوجستية الاحترافية في توفير المنتج النهائي أو المواد الخام في الوقت المناسب بالسعر المناسب.
رابعاً: التركيز على توطين وظائف الخدمات اللوجستية بالمختصين لأهمية هذا النشاط في توليد وتوفير الوظائف، حيث يوظف ما نسبته 22% من القوى العاملة في الدول المتقدمة وتصل هذه النسبة إلى 30% في الدول النامية. وهذا سيؤدي حتماً إلى زيادة المحتوى المحلي وتطوير التجارة المحلية والدولية وزيادة تنافسية المملكة، لترتفع مساهمة هذا النشاط في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى أكثر من 15%.
وأخيراً علينا جميعاً في تحسين أداء الخدمات اللوجستية لأنها المعجزة التي ستحقق طموحاتنا وترتقي بمراتبنا وتواكب أهداف رؤيتنا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال