الطاقة النظيفة تحتاج الطاقة الأحفورية لإنتاج معادنها! 

صناعة التعدين في العالم مطالبة بزيادة إنتاجها لمستويات مرتفعة، وباستخدام معدات تعدين تحت الأرض تعمل بالطاقة الكهربائية الناتجة عن مصادر نظيفة كالهيدروجينية والهجينة، بغرض تسريع التحول من استخدام الطاقة الأحفورية ومحاربة تغير المناخ، إلا أن الحاجة لمصادر الطاقة الأحفورية لا مناص منه حتى يأتي اليوم الذي تكون فيه الكهرباء منتج غير أحفوري المصدر، ومتاحا تجاريا بعد عدة عقود زمنية من الآن، وهذا سيحرج كل من له علاقة بملف الطاقة النظيفة.

اقتصاد العالم الجديد الذي يريد الاعتماد على التقنيات المتجددة سوف يستهلك الوقود الأحفوري بشكل كبير، لأجل الحصول على المعادن مثل البلاديوم والروديوم و البلاتين والنيكل والزنك والجرمانيوم والفضة والليثيوم والنحاس، فبدون هذه المعادن وغيرها لن يكون هناك مصادر طاقة نظيفة.

في نظرة سريعة لمعدن النحاس بمفرده كمثال، فإن أدوات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تحتاج ما بين 7 إلى 37 ضعفًا من النحاس حسب تقديرات المتخصصين، فطواحين الهواء العملاقة الجديدة التي ستبلغ طاقتها 12 ميغاواط لكل منها ستحتاج إلى ما لا يقل عن 5.5 مليون طن من النحاس في السنوات القليلة القادمة.

حتى التخطيط لإيجاد 20 مليون نقطة شحن للمركبات الكهربائية بحلول عام 2030 بحاجة إلى معدن النحاس وبكميات تستدعي تطوير مناجم نحاس بميكانيكية جوفية متطورة إضافة على الموجود حاليا، وفي مناطق جغرافية جديدة أكثر صعوبة وتفتقر إلى البنية التحتية، وهذا يتطلب استثمار رأسمالي مالا يقل عن 240 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لتلبية الطلب المتزايد على هذا المعدن فقط. 

كما أن إعادة تأهيل مناجم النحاس القديمة والمتدهورة فنيا يستدعي الحاجة لكميات ضخمة من الطاقة المستمدة من الوقود الأحفوري لكي يعاد تأهيلها لتستمر في إنتاج ما يحتاجه العالم من هذا المعدن المهم، وهذا بالطبع سيتولد عنه الكثير من غازات الاحتباس الحراري، ولا حلول أخرى أمام الحاجة لاستخراج ما لا يقل عن 700 مليون طن من النحاس في العشرين سنة القادمة لخدمة الطاقة النظيفة، وهي نفس الكمية التي أنتجتها البشرية حتى هذه اللحظة. ومن المفارقات الساخرة أن مثل هذا التعدين المهم للطاقة النظيفة يعرقل عملية حماية المناخ والبيئة بسبب استخدام الوقود الأحفوري.

على مستوى معدن آخر مثل البلاتين، فإن تقنية خلايا وقود الهيدروجين تعتمد على هذا المعدن، مثل محركات الطائرات الجديدة التي مخطط لها أن تعمل بالهيدروجين وكذلك محركات القطارات في أوروبا، وهذا المعدن المتواجد بكثرة في إفريقيا التي تعتبر موطن لأهم المعادن المطلوبة في صناعة الاقتصاد الهيدروجيني مثل البلاتين والبلاديوم على مستوى العالم، في أمس الحاجة إلى تنمية اقتصاداتها ومجتمعاتها أولا، وهذه التنمية تحتاج مصادر طاقة أحفورية رخيصة نسبيا. 

يكافح الغرب من أجل تنفيذ خطط الطاقة الخضراء الطموحة فيها وفي باقي العالم، ومصادر الطاقة الأحفوري سيواصل لعب دورا حاسما في تلبية الطلب العالمي على الطاقة، وسيكون أكثر حسما في دعم تطور مصادر الطاقة النظيفة التي تعوز مصادر طاقة عالية ومستدامة لأعمال التعدين العميقة والمعقدة، وهذا لا يكون إلا بواسطة الأحفوري ولفترة طويلة، حتى الوصول لمستهدف ما يسمى بصافي صفر كربوني الذي إن تحقق فلن يكون قبل عدة عقود زمنية من الآن.