الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في المقال السابق، تكلمت بشكل موجز عن مايحتويه قانون الحد من التضخم الأمريكي. هدف هذا النظام الأساسي هو خلق اقتصاد جديد يعتمد على الابتكار من خلال استخدام الطاقة النظيفة. كما يسعى الى دعم الرعاية الصحية و خفض أسعار الادوية، و رفع الضرائب على كل من يزيد دخله عن ٤٠٠ الف دولار امريكي. قد نرى ان البعض استبشر خيرا بهذا النظام، و البعض الاخر يعتقد بل ويكاد يجزم ان قانون الحد من الضرائب ليس سوى خطة حالمة صعبة التنفيذ. والسبب عند من يرى صعوبة تنفيذ هذا النظام هو صعوبة التعويل على النظام الرأسمالي الذي ساهم خلال العقود الماضية في فرض التزامات مالية وقانونية و تغييرات هيكلية تجعل الهيكلة الحالية غير متوافقة مع أهداف قانون الحد من التضخم. لعلي في هذا المقام، اتحدث عن جزء واحد من الأجزاء التي ستتأثر قانونيا نتيجة هذا القانون الجديد، ألا وهي قضية عقود التوريد والمشتريات وسلاسل الإمدادات في المؤسسات الامريكية، سواء كان مؤسسات عامة او خاصة.
جميع المؤسسات بكافة اشكالها وانواعها والقطاع الذي تنتمي اليه، تحتاج الى عقود توريد ومشتريات وتكوين سلاسل الإمدادات لتشغيل هذه المؤسسة. وحقيقة، قد يعتقد البعض، انه بمجرد اتقان استخدام الانظمة القانونية والتقنية لهذه العقود، ستسير العملية بكل سلاسة. من الناحية النظرية هذا صحيح لأن النظرة العامة لهذه العقود انها عبار عن توفير خدمة تحتاجها المؤسسة، مثلا شراء اجهزة، أو توفير مواد خام، او بناء مسرح ..الخ. وبالتالي بمجرد ما يتم احكام تطبيق النصوص القانونية، يتم اختيار افضل العروض باقل الاسعار. ولكن من الناحية العملية، فهناك تحديات كثيرة تواجه كل من يعمل في هذا القطاع، خصوصا من ناحية رسم الاستراتيجية القانونية لعملية الترسية على أفضل العروض بما يتوافق مع الأهداف النهائية التي تسعى لها المؤسسة. وهذا ما أثبتته الدراسات والابحاث في هذا المجال والتي أكدت أن عقود المشتريات والمنافسات ليست فقط عقود توفير خدمة او احتياج، وإنما مستقبل عمل المؤسسة يعتمد بشكل كبير عليها. ففي دراسة Ariba، كشفت ان ثلاثمائة وخمسة وعشرون من رؤساء أقسام المشتريات في مؤسسات كبرى في أوروبا والولايات المتحدة كشفوا عن وجود طريقتين يعتمدون عليها لتوفير المشتريات لمؤسساتهم. وهي المنهج التقليدي والذي يركز على اعتبار عمل الادارة محافظًا إلى عمل المحاسب “bookkeeper”. بينما الفئة الاخرى والتي لديها حماسا للابتكار وبالتالي يكون طريقتهم في إدارة العمل هو وضع أهداف صارمة لخفض التكلفة مع جودة عالية او متوسطة الى عالية. خلصت الدراسة، أن كلا الفئتين لا يمكنها أن تصل لتطوير المؤسسة وتحقيق هدفها الاساسي الذي يصب في صالحها بنسبة مرتفعة من دون أن تكون عملية الشراء مبتكرة من حيث الهيكل والاستراتيجية. بمعنى أن هذه الهيكلة والاستراتيجية تبني اسلوبها الخاص في التعامل مع وسائل الإنفاق المختلفة والإنفاق خارج العقد و وبناء نظام داخلي لضمان الامتثال والالتزام.
نأتي الى نظام الحد من التضخم. قبل أزمة كوفيد، كانت كثير من إدارات العقود والمشتريات قد وضعت استراتيجيتها وهيكلتها الداخلية للتعامل من مختلف وسائل الانفاق البيئة والمعقدة تحت ظروف ارتفاع معدل الانتاج وانخفاض التكلفة المالية، والتي تفتقر بعضها للهيكلة المناسبة لها. لكن، مع أزمة كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية تغيرت الظروف الاقتصادية، والتي قادت العالم مرحلة الركود الاقتصادي نتيجة التضخم. هذا الارتفاع التضخمي والندرة المتكررة للإمدادات الحيوية تجعل نموذج التشغيل التقليدي او السائد حاليا ظاهرة بشكل متزايد ومكلف على المؤسسات. كما تشمل أوجه القصور الافتقار إلى التخطيط الموثوق به على المدى الطويل ، والتركيز المتزايد للإمداد ، والرؤية المحدودة في اقتصاديات الموردين ، ونقص التعاون بين الفرق الوظيفية ، والفشل في تبني وتوسيع نطاق التقنيات التي أثبتت جدواها والتي يمكن أن تقلل من أعباء المعاملات.
في نظام الحد من التضخم، هناك تشجيع كبير على الابتكار خاصة في مجال الطاقة والبيئة، وهذا يعني أن الضرائب سوف تزداد على كل ما يؤثر على الطاقة والبيئة، وهذا يعني ازدياد أسعار المنتجات. في حين انه سوف يتم ابتكار منتجات جديدة لدعم الطاقة النظيفة والمحافظة على البيئة. وهذه بدورها ايضا، لا يمكن التكهن بقيمتها، ولكن سيكون لها دعم من الدولة، خصوصا في بداية الرحلة. هذا يعني أن المؤسسات الامريكية بشكل عام تواجه تحديات أساسية في ممارسات إدارات العقود والمشتريات والقدرات والنظم القانونية والتقنية للموردين بناءً على افتراضات لن تكون سارية مع هذا النظام الجديد. لا أعلم ماذا يخبئ المستقبل، ولكن باعتقادي، أن في ظل هذا النظام والذي سينعكس علينا لامحالة في المستقبل، لن يستمر شكل كراسات الشروط و المواصفات و مقترحات المشاريع “RFP” والتي تسعى لتحقيق وفورات في الأسعار، ولن تعتبر هي النموذج التشغيلي السائد في العالم لأنه سيكون غير قابل للتطبيق. اذ ان مفهوم عقود المنافسات و الشراء والتوريد سيختلف، والمعايير ايضا ستختلف. اذ ان العقود ستكون ملزمة في وقت ما، بالتماشي مع المنتجات التي تدعم الطاقة النظيفة وحماية البيئة، اذا اردنا ان نتماشى من النظام العالمي و الدولي.
لكن السؤال، ماهو الاجراء الذي يفترض أن يتم وضعه في أي إدارة ذات علاقة بالعقود والمنافسات؟ كما نجد الآن، هناك حالة فوضى في إدارات العقود في المؤسسات الامريكية لتعديل طريقتها في إبرام العقود لتتماشى من النظام الجديد. لكن، قبل ان يصل الينا تأثير هذا النظام، سواء كان هذا التأثير قريبا او بعيدا، لابد على ادارات عقود المنافسات والمشتريات في جميع القطاعات ان تبدأ في بناء استراتيجيتها وهيكلتها من جديد لتتناسب مع التطور في مجال الطاقة والبيئة وارتفاع الأسعار. من أهم التوصيات التي قد اقدمها في هذا المقال هي كالاتي: تقدير التأثير المحتمل للتضخم والتقلب في الأسعار واضطرابات سلسلة التوريد على مستوى السلع والموردين؟ نفهم بعمق صناعات الموردين وديناميكياتهم في الإنتاج. لابد ايضا ان تهتم الإدارات في مشاركة رؤيتها مع الإدارات الاخرى للمساعدة في حماية الإيرادات والإنفاق. وعلى رأس هذه التوصيات، لابد من ان يكون لدى الادارات خارطة طريق لحماية الانفاق والايرادات وتخفيف مخاطر المحتملة أيا كانت، سواء كانت بسبب أسعار العروض و جودتها ، التقنيات المستخدمة ، ومعدل الطلب ، وتوافر المخزون، وهل فعلا لدينا ما يثبت لنا أننا سوف نسترد تكاليف هذه العقود، ام انها ستكون مجرد هدر مالي يستنزف طاقة المؤسسة ويجعلها خاوية ومتهالكة..الخ.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال