الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في السنوات الأخيرة، حظي الابتكار التكنولوجي باهتمام متزايد على الصعيد الدولي. وبالرغم من الدور الرائد الكبير الذي يلعبه هذا الابتكار في تنمية وتعزيز الاقتصاد العالمي، إلا أنه قد تم إلقاء اللوم على تقدم بعض تلك التقنيات مثل الروبوتات، والعمليات الآلية، والتعلم الآلي، وإنترنت الأشياء IoT والبيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وذلك لأنها جعلت وظائف بعض العاملين متكررة وزائدة عن الحاجة (وبخاصة، أولئك العاملين الذين يشغلون الوظائف ذات الأجر المتوسط).
وبالرغم من أن الثورة الصناعية الأولى خلقت آلاف الوظائف للبشر في التصنيع، فإن الثورة الصناعية الرابعة الحالية قد شهدت استبدال البشر إلى حد كبير بالروبوتات.
وقد أصبحت الروبوتات “أكثر ذكاء” بمرور الوقت، حيث تتمتع العديد من النماذج الجديدة منها بالقدرة على التعلم، ويؤدي التقدم في الذكاء الاصطناعي إلى تسريع قيمة هذه الروبوتات، خاصة وأن الأجر الفعلي للروبوتات هو أقل كثيراً من الأجر للبشر.
وكمثال، في الولايات المتحدة، فإن تكلفة التشغيل أو “أجر الساعة” لروبوت يُدعى “باكستر” (وهو مُصمم للوظائف الصناعية البسيطة مثل التحميل والتفريغ والفرز ومناولة المواد) يبلغ نحو 4 دولارا أمريكيا للساعة، أي أقل من متوسط أجر الساعة البالغ 23 دولارا أمريكيا المدفوع للبشر في الوظيفة ذاتها.
ونتيجة لذلك، أصبح هناك تفضيل للروبوتات بشكل متزايد على البشر، خاصة بالنسبة للوظائف الصعبة أو الخطيرة أو الروتينية. وبالنسبة للتأثير الكلي على التوظيف، قدّرت بعض التقارير بأن نحو 47٪ من الوظائف الحالية، في الولايات المتحدة وحدها، من المحتمل أن يتم استبدالها بأجهزة الكمبيوتر على مدار العشرين عاماً القادمة. ويظهر ذلك جلياً حيث أصبح بالفعل استخدام الروبوتات يُشكل نسبة نحو 80٪ من صناعة السيارات في العالم بشكل عام.
ومع التوجه المستقبلي بأن تكون السيارات ذاتية القيادة على الطرق خلال السنوات القادمة، فإن صناعة النقل الضخمة، بما في ذلك شركات سيارات الأجرة والشاحنات، سوف تحتاج إلى عدد أقل من السائقين البشر. وعلى سبيل المثال، منذ سنوات قليلة، طلبت شركة أوبر العملاقة لخدمات النقل شراء أكثر من 100 ألف سيارة ذاتية القيادة من شركة مرسيدس-بنز، تمهيداً لتغيير استراتيجيتها مستقبلاً.
ويبقى السؤال هو…
على الصعيد الدولي، إلى أي مدى كانت الابتكارات التكنولوجية مسؤولة عن عدم المساواة في الدخل، خاصة منذ السبعينيات، عندما بدأ الاتجاه التصاعدي الحالي للتقنيات..؟
والإجابة هي… أدخلت ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تقنيات “تكاملية” لعمل البشر ذوي المهارات العالية، وهم أولئك الذين تمكنوا من استخدام التقنية وتبنيها لزيادة مهاراتهم (وليس لتكرارها)، وبذلك شهدوا زيادة في الإنتاجية والأجور مقارنة بالعاملين الأقل مهارة والذين لا يستخدمون التقنية في زيادة مهاراتهم.
وقد أدت زيادة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى المزيد من الاستثمارات في ذلك الاتجاه، وبالتالي زيادة الطلب على هؤلاء العاملين المهرة -استقطاب الوظائف- حيث زاد الطلب على العاملين ذوي المهارات العالية، بينما انخفض الطلب على العاملين ذوي المهارات المتوسطة، مما أدى إلى فجوة في الأجور.
وحين لا يكون عدد هؤلاء العاملين ذوي المهارات كافي لمواكبة الطلب، فإن هؤلاء العاملين يحصلون على “علاوة إضافية” لمهاراتهم المميزة، ويؤدي ذلك إلى التفاوت في الأجور بشكل أكبر.
ولكن…
بدلاً من إلقاء اللوم على التكنولوجيا، هناك بالفعل فرص كثيرة لأن تؤدي الابتكارات التكنولوجية إلى المزيد من فرص العمل والدخل، وإلى وجود نتائج مجتمعية أكثر مساواة.. حيث أن التقنيات الجديدة تتمتع بالقدرة على تحسين صنع السياسات الاقتصادية والاجتماعية وتؤدي إلى فرص عمل جديدة.
وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى وجود أسواق جديدة ونماذج أعمال جديدة، بما في ذلك نماذج الأعمال التي تعزز الكثير من القطاعات.. مثل الطاقة النظيفة، والاقتصاد الدائري، والرعاية الصحية، كما أنها تسمح لكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة بأن يصبحوا أكثر إنتاجية، وغيرها من القطاعات الأخرى التي تخلق الابتكارات التكنولوجية بها فرص عمل جديدة.
وأخيراً وليس أخراً.. في لغة الاقتصاد، فإن التكنولوجيا قد لا تكون محايدة بالفعل، وإنما هي “منحازة للمهارات”. لذلك، لابد من اكتساب تلك المهارات المستقبلية والتخطيط الذكي لاكتسابها، من قبل أبناء وبنات الوطن.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال