الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُعتَبَر ثقافة المنافسة الحرة من الثقافات الحديثة التنموية التي تَعتَمِدُ على فكرةٍ مُحدَّدةٍ، وهي أنَّ السوق للجميع؛ فلا يجوز لفعالياتٍ اقتصاديةٍ أن تُسَيطِرَ على آليات السوق خدمةً لمصلحتها الأنانية، بل يجب أن تُتَاحَ الظروف والإمكانيات لجميع المنشآت حتى تَقُومَ بنشاطَاتِهَا، وتُقدِّم سِلَعِهَا وخدمَاتِهَا للمستهلكين.
والغاية الأساسية من حماية المنافسة الحرة تَكمُن في توفير أفضل معايير الجودة الممكنة للمستهلكين بأقلِّ سعرٍ مُمكنٍ؛ حيث إنَّ ضعف المنافسة يؤدِّي إلى فرض معاييرٍ وأسعارٍ جائرةٍ من المنشآت المُهَيمِنَةِ على المستهلكين.
لكن بالنظر إلى حداثة المنافسة كثقافةٍ في الأسواق، فإنَّ الهيئة العامة للمنافسة لم تكتفِ بالنظام واللائحة الخاصَّة بحماية المنافسة، بل ذهبتْ الهيئة أبعَدَ من ذلك في تكريس ثقافة المنافسة الحرة.
حيث قامت الهيئة بالإعداد برنامجٍ استرشاديٍّ بغرض الامتثال لنظام المنافسة؛ وهكذا يكون البرنامج هو المعيار الاسترشادي لكلِّ منشأةٍ مُلزَمَةٍ بإصدار دليلٍ خاصٍّ بها بخصوص احترامِهَا للمنافسة الحرة.
فعلى الرغم من السلطة التنفيذية الواسعة للهيئة على صعيد اكتشاف مخالفات المنافسة الحرة وتحريك الإجراءات النظامية بحقِّ مُرتَكِبيِهَا، إلاَّ أنَّ الهيئة لم تكتفِ بهذا الدور التقليدي، بل اهتمَّت أيضاً بنشر ثقافة المنافسة، ليس بالأسلوب التوعوي فقط، بل عبر إصدار دليل الامتثال لنظام المنافسة ولائحته.
يهدف دليل الامتثال لنظام المنافسة إلى وضع منهج أساسٍ للمنشآت خلال وَضعِهَا لبرنامج المنافسة الفعَّال لديها، وتجنُّب الممارسات المُخلَّةِ بالمنافسة الحرة.
وإذا قُمنَا بمراجعةٍ سريعةٍ لأهمِّ ممارسات انتهاك المنافسة وفق النظام، سنَجِدُ الممارسات غير المشروعة التالية:
وقد وَجَدَ النظام أنَّ بعض عمليات التركُّز تُفِيدُ الأسواق، كأن تأتي شركة قابضة خبيرة تجمع تحت إدارتها مجموعةً من المنشآت الصغيرة فتقوم على تشغيلِهَا بمعاييرٍ عالميةٍ، وقد تكون ذات آثارٍ مُختَلَطَةٍ إيجابيةٍ وسلبيةٍ، فهنا على الهيئة وضع شروطٍ قبل الموافقة على التركُّز، أمَّا إذا كان أثر عملية التركُّز سلبياً بالمطلق فيكون على الهيئة رفض الترخيص لعملية التركز.
وقد فَرَضَ النظام عقوبة الغرامة بنسبة 10% من المبيعات الناتجة عن استغلال السوق والإساءة للمنافسة فيها وفق الممارسات السابقة، أو مبلغ 10 ملايين ريال عند استحالة تقدير قيمة هذه المبيعات.
فإذاً، يتدخَّل نظام المنافسة في آلية عمل المنشآت الاقتصادية، ويُقيِّدُ حَرَكَتِهَا في التوسُّع السوقي والاتفاقيات التي فيما بينها، ويُقيِّدُ أسلوبِهَا في تسعير المنتجات.
مثل هذه القيود النظامية يَصعُبُ الامتثال لها إذا لم يكنْ لدى إدارة المنشأة ذاتُها الفهم العميق للممارسات غير المشروعة، والقدرة على تحديدها، ثم اجتنابها.
فالمشكلة في الثقافة الخاطئة التي تتمثَّل مثلاً في اعتقاد المنشأة التي تحظى بحصةٍ سوقيةٍ واسعةٍ أنَّ مِن حقِّها فَرْضَ شروطِهَا على المستهلكين بالنظر إلى خِدمَتِهَا لجانبٍ واسعٍ من السوق، فيما ترى بعض المنشآت أنَّ من حقِّهَا التحالف عبر اتفاقيات هيمنةٍ بعرض حماية نفسها من المنافسة غير العادلة، وأيضاً يظنُّ الراغب بالاستحواذ على مجموعة شركاتٍ أنَّ هذا من حقِّه وأنَّه يقوم بتوفير سيولة للسوق.
كلُّ هذه الاعتقادات والظنون هي مُجرَّدُ ثقافةٍ خاطئةٍ عن المنافسة الحرة الصحية في السوق كما فَرَضَهَا نظام حماية المنافسة، وإذا رغبت المنشأة الامتثال، فعليها تطبيق معايير المنافسة ضمن النظام الداخلي لديها.
وهذا يَعنِي عدم كفاية النظام واللائحة إذا أردنا تغيير ثقافةٍ خاطئةٍ أو تعديل وجهة نظرٍ مُتَرَسِّخَةٍ في عقلية إدارة بعض المنشآت، بل لا بدَّ من نظام امتثالٍ داخليٍّ لديها يُوَضِّحُ ثقافة المنافسة الحرة، ويُحدِّدُ إجراءات تطبيقِهَا وفقاً لنشاط كلِّ منشأةٍ.
وهكذا، فقد وضع دليل الامتثال الصادر عن الهيئة العامة للمنافسة خطواتٍ مُحدَّدةٍ أسماها “خطوات النَّهج المُتَّبَعِ” بغرض تنفيذ برنامج الامتثال لنظام المنافسة كما يجب، وستكون هذه الخطوات موضوع الجزء الثاني من مقالنا هذا بإذن الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال