الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل التعريف الحديث للثروة يلخص البنك الدولي عناصر الثروة في كل من: «رأس المال المنتَج، والموارد الطبيعية، وقيمة المهارات والقدرات البشرية للدولة». وهذا التعريف والمفهوم الحديث للثروة يضع في الاعتبار فكرة التنمية المستدامة والحد من استنزاف الموارد الطبيعية، وفي الوقت ذاته يقر بأهمية المهارات البشرية باعتبارها مكونا أساسيا لثروة الأمم. ولما كان تكوين تلك المهارات فضلا عن صقلها يكون بالتعليم والتدريب فإن دور التعليم والتدريب يبدو واضحا في تكوين ثروة الأمم من حيث القيمة الكامنة.
وبناءً للتطرق لثروة الأمم؛ لابد من الإشارة هنا إلى أنه منذ أن اصدر المفكر الاقتصادي الإنجليزي الكبير آدم سميث كتابه الشهير (ثروة الأمم) كان التصور السائد أن الموارد الطبيعية هي العامل الحاسم في تحديد ثروة أي مجتمع، وفي تحديد مواقع الدول على سلم القوة، لذلك لم يكن من الغريب أن ارتبطت بداية الثورة الصناعية في بريطانيا بوجود الفحم، وأن أصبحت ثروة الدول وقوتها تقاس بما تمتلكه كل منها من موارد طبيعية، لكن هذا المفهوم تعرض لتحولات جذرية في الحقبة الأخيرة، بحيث أصبحت المعرفة، ونتاج العقل البشري، هما العنصران الحاسمان في تحديد ثروة المجتمع، ودرجة تقدمه، وفرص استمرار هذا التقدم في القرن المقبل. وانعكس ذلك على اهتمام الدول ــ بما فيها تلك المتقدمة ـ بموضوعي: التعليم وإعادة التعليم.
يأتي هذا المقال في ذات الوقت الذي يُعقد فيه مؤتمر على مستوى العالم في “الولايات المتحدة الأمريكية” تحت مظلة “الأمم المتحدة” يحمل موضوع “قمة تحويل التعليم”.
إن متابعة عدد من الملتقيات الدولية حول موضوع التعليم، وأهمية التعليم في رقي وتطور الأمم تكشف عن عدة مسائل: أولها، إن قضية التعليم لم تعد امراً فنيا، يختص به أساتذة التربية وحسب، وإنما صارت قضية مستقبل، يهتم بها الباحثون والعلماء. وذلك، لما للتعليم من تأثير بالغ على مستقبل الدول، في وقت يتزايد فيه الاهتمام بالتنمية البشرية وبتعظيم القدرة على التنافس. وثانيها: ازدياد الأدراك بأن النظم التعليمية الراهنة، سواء على مستوى التعليم ما قبل الجامعي ــ أو الجامعي ــ لم تعد قادرة على مواكبة التحولات العالمية المتسارعة. وأن التطوير المطلوب يتجاوز المسائل الفنية او التقنية، ويتطلب رؤية متكاملة للمستقبل، وتصوراً للأهداف التي يسعى الهيا المجتمع، ودور النظام التعليمي في تحقيقها. وثالثها: إن ذلك ارتبط بالثورة العلمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم، وخصوصاً (الانفجار المعرفي) الممتثل في ثورة المعلومات، التي تتدفق بسرعة متناهية من خلال شبكات الاتصال داخل كل دولة من ناحية، أو تلك التي تعبر الحدود بين القارات من ناحية أخرى، والتطور الذي حدث في مدخلات العملية الإنتاجية، بحيث اصبح الجزء الأكبر من ثمن أي منتج، أو خدمة تكنولوجية متقدمة، يعود ــ بالأساس ــ الى المعرفة المتضمنة فيه، وليس فقط الى المادة الخام التي ساهمت في صنعه.
وهنا تأتي الإشارة لدراسة عن تأثير التعليم وتنمية القوى البشرية بشكل عام في النمو الاقتصادي قام بها العالمان «هاريسون»، و«مايرز» حيث قسما بلاد العالم إلى أربعة مستويات من حيث مكانة النمو الاقتصادي تأثرا بدرجة التعليم.
البلاد الأقل تقدما: وهى البلاد التي تعانى من ضعف الوعى بالتعليم، ومحدودية إمكانات المدارس، وانتشار ظاهرة التسرب، وارتفاع الفاقد في التعليم، وانخفاض معدلات القيد في المدارس (40% من الفئة العمرية 6 ــ 12 سنة في المرحلة الابتدائية، 3 % من الفئة العمرية 12 ــ 18 سنة في المرحلة الثانوية)، وأغلب دول هذه الفئة لا يوجد بها جامعات والقليل منها به معاهد عليا.
البلاد المتقدمة جزئيا: وهى البلاد التي بدأت في طريق التقدم وقطعت فيه شوطا معقولا، ويتميز التعليم فيها بالتطور السريع من حيث الكم على حساب نوعية التعليم. وتعانى هذه الفئة من البلاد من ارتفاع نسبة التسرب والفاقد من التعليم، خاصة التعليم الابتدائي على الرغم من عنايتها به، وانخفاض نسبة المقيدين بالمرحلة الثانوية، ونقص أعداد المدرسين، كما أنه يوجد بها جامعات إلا أن اهتمامها موجه إلى التعليم النظري.
البلاد شبه المتقدمة: وهى البلاد التي قطعت شوطا متوسطا في طريق التقدم، ويتميز التعليم فيها بأنه إلزامي لمدة 6 سنوات، وترتفع معدلات القيد بها لتصل إلى نحو 80 %، ومشكلات التسرب والفاقد من التعليم أقل حدة من الفئتين السابقتين، والتعليم الثانوي متنوع ويميل إلى الاتجاه الأكاديمي بهدف الإعداد للتعليم الجامعي الذى يتميز في هذه البلاد بالتميز النسبي، إلا أن الجامعات تعانى من ازدحام الطلاب وضعف الإمكانات المادية ونقص أعداد أعضاء هيئات التدريس.
البلاد المتقدمة: وهى البلاد التي قطعت شوطا طويلا في طريق التقدم، وحققت مستوى اقتصاديا متطورا خاصة في مجال الصناعة، وتزدهر بها حركة الاكتشافات العلمية، ولديها رصيد من الكفاءات البشرية والقوى العاملة المؤهلة والمدربة. ويتميز التعليم فيها بارتفاع معدلات القيد في جميع مراحله، وارتفاع مستوى التعليم الجامعي، والاهتمام بالكليات العلمية بدرجة تفوق الكليات النظرية مع الاهتمام بالبحث العلمي والاكتشاف والاختراع.
وفي ضوء ذلك كله؛ كانت المملكة العربية السعودية حفظها الله من الدول التي أولت التعليم اهتمامًا في كافة النواحي، فكانت ميزانيته خلال العقود الماضية تمثل ما يقارب 20% من الميزانية العامة السنوية للمملكة. ولم يتوقف هذا الاهتمام، بل إنه استمر في ضوء رؤية 2030؛ فأصبحت المنافسات الدولية المتعلقة بالتعليم والتعلم هدفًا أسمى لدى وزارة التعليم، ومبتغى مهم. وكذلك جاءت محاور التعليم وتنمية الموارد البشرية أساسًا وهدفًا في جميع الأنشطة المستقبلية للملكة، فنجد مثلًا؛ أنه في مشروع “نيوم” ومدينة “ذا لاين” كان التعليم أهم المحاور والأهداف في بناء هذه المدينة. ويبقى التعليم دائمًا هو ذروة اهتمام قادة المملكة حفظهم الله ورعاهم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال