الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حظي مفهوم المساعدات التنموية الرسمية بمناقشات وتعريفات من المنظمات والمؤسسات الدولية التنموية ممثلة في الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك والدوليين واللاعب الرئيس في هذه المنظومة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وذلك لتوحيد الجهود نحو سعيها في تمكين أثر المساعدات من الدول المانحة الى الدول المتلقية وإن تكون الجهود منسقة ومتسقة وتتفادى أي تأثيرات سلبية للمساعدات على الدول والمجتمعات والافراد.
تعد اتفاقية بريتون وردز (Bretton Woods) التي عقدت في عام 1944م أساس بداية الاهتمام الدولي بالتنمية بعد أن تمخض عن هذه الاتفاقية إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير وذلك بهدف القيام بدور هام وفعال في إيجاد الحلول الدولية للمشاكل الاقتصادية والمالية الناتجة عن الحروب العالمية. وعزز البنك الدولي اهتمامه بالتنمية بإنشاء المؤسسة الدولية للتنمية IDA وذلك في عام 1960م كأحد فروع البنك لتقديم قروض طويلة المدى للدول النامية بشروط ميسرة عن شروط البنك الدولي. وعلى الرغم من أن لهذه المؤسسة دور مختلف، لكنهما يعملان في إطار موحد للنهوض برؤية متمثلة في إيجاد تنمية مستدامة تشمل الجميع. حيث يهدف البنك الدولي للإنشاء والتعمير إلى الحد من الفقر في البلدان المتوسطة الدخل والبلدان الفقيرة المتمتعة بالأهلية الائتمانية، في حين تركز المؤسسة الدولية للتنمية على البلدان الأشدّ فقراً في العالم. ثم وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1961م على قرار بأن يكون عقد الستينيات هو عقد التنمية بالنسبة للأمم المتحدة بهدف الإسراع بمشروعات التنمية في البلدان النامية، وحث الدول المتقدمة على تقديم جزء من ناتجها القومي الإجمالي إلى الدول النامية، وقد طالب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في دورته الأولى سنة 1964م بتخصيص1% من الدخل القومي للدول المتقدمة (الناتج القومي الإجمالي بسعر التكلفة ناقصا إهلاك رأس المال) كموارد يتم نقلها للبلاد المتخلفة. ثم أكد المؤتمر ذلك في دورته الثانية بنيودلهي سنة 1968م. وأصدرت بناء على ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أكتوبر 1970م الإستراتيجية الدولية للتنمية كبرنامج عمل للعقد الثاني للتنمية (1970 -1980م)، وتقوم هذه الإستراتيجية على أن تقدم الدول المتقدمة موارد مالية إلى الدول النامية بما نسبته 1% من الناتج القومي الإجمالي للدول المتقدمة بأسعار السوق. وأن يذهب 0.7% منه في على صورة مساعدات رسمية إنمائية تنموية.
وقد ركزت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة على ضرورة أن تكون المساعدات المالية والفنية غرضها المطلق الآخذ بيد الدول النامية لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي وألا تكون تلك المساعدات من شأنها الأضرار بالسيادة القومية للدول التي تقبل تلك المساعدات. وعقدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة مؤتمر قمة الألفية في سبتمبر 2000م، واعتمد فيه إعلان الألفية الذي التزمت به الدول بتحقيق مجموعة من ثمانية أهداف إنمائية دولية بحلول عام 2015م، تحت إطار قياس التقدم المحرز نحو التنمية في بدايات القرن الحادي والعشرين. ويدعو الهدف الثامن إلى إنشاء شراكة عالمية للتنمية تعنى بتخفيف الدين وزيادة المساعدة الإنمائية الثنائية والمتعددة الأطراف وخصوصًا إلى أقل البلدان نموًا. ومن ثم اعتمدت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015 أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، والتي تُعرف أيضًا باسم الأهداف العالمية، باعتبارها دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030م من خلال سبعة عشر هدفا تنمويا مستداما ومتكاملة أي أنها تدرك أن العمل في مجال ما سيؤثر على النتائج في مجالات أخرى، وأن التنمية يجب أن توازن بين الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وأيضا من خلال التعهد بعدم ترك أي شخص في الخلف، والتزمت البلدان بتسريع التقدم لأولئك الذين لايزالون في الخلف. وانه لتحقيق تلك الأهداف الطموحة. فإن الإبداع والمعرفة والتكنولوجيا والموارد المالية من كل المجتمع أمر ضروري لتحقيق تلك الأهداف في كل سياق.
من جهة أخرى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD تضطلع بدور هام في مجال التنمية الاقتصادية بعد أن مرت بعدة مراحل حتى تبلورت أهدافها في عام 1961م ، وهذه المنظمة تضم اليوم 34 دوله من مختلف أنحاء العالم، وقد أوجدت هذه المنظمة لجنة المساعدة الإنمائية Development Assistance Committee وهذه اللجنة أنشئت مع بدايات إنشاء المنظمة وتهدف إلى جمع الجهات المانحة الرئيسية في العالم، وتحديد ورصد المعايير العالمية في المجالات الرئيسية للتنمية، والاسهام في تطوير سياسات أفضل لحياة أفضل من خلال بيانات شفافة حول تمويل التنمية ، وتحسين التعاون التنموي والممارسات والسياسات. ولقد لعبت لجنة المساعدة الإنمائية DAC في إدارة التعاون الإنمائي DCD دورا رئيسيا في صياغة الالتزامات الإنمائية الدولية بما فيها الأهداف الإنمائية وإعلان باريس بشأن فعالية المعونة. وتعمل المنظمة في تحديد مصادر المساعدات التنموية الرسمية سواء المقدمة من الدول أو المنظمات الرسمية وتبرز الدول أعضاء لجنة مساعدات التنمية DAC كأهم مصدر للمساعدات وتشمل هذه اللجنة 30 دولة تم انضمامها الى اللجنة لمعايير مثل وجود استراتيجيات وسياسات وأطر مؤسسية مناسبة تضمن القدرة على تنفيذ برنامج التعاون الإنمائي وان يكون لهذا البرنامج مخرجات قابلة للقياس مقياس؛ بالإضافة الى وجود نظام لمتابعة وتقييم الأداء. أيضا تصنف المنظمة الدول أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) كمصدر للمساعدات التنموية الدولية، وكذلك الصناديق التنموية المتعددة أو الثنائية مثل صندوق أبو ظبي، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، والبنك الإسلامي للتنمية، والصندوق الكويتي، والصندوق السعودي للتنمية. حيث يتم تقديم المساعدات من تلك الدول إما بشكل مباشر من الدولة المانحة إلى الدولة المستفيدة (المساعدات الثنائية) أو عن طريق المساعدات المتعددة الأطراف.
الجانب الأكبر أهمية هنا يكمن في تعريف المساعدات التنموية الرسمية وكيف يتم التفريق بينها وبين المساعدات غير التنموية OFFICIAL DEVELOPMENT ASSISTANCE (ODA)، وتصنف المساعدات المقدمة إلى البلدان النامية في خانة المساعدة الإنمائية الرسمية إذا استوفت المعايير الثلاثة التالية؛ (أ) أن يكون مصدر هذه المساعدات القطاع الرسمي في البلد المانح. (ب) أن تكون الشروط المالية ميسرة. وأخيرا (ج) إذا كان الحافز الرئيسي وراء تقديم المنحة أو القرض هو تعزيز التنمية الاقتصادية والرفاه في البلد المستفيد. وتتركز تركيبة المساعدات التنموية من خلال القروض وهي تمويلات تتطلب السداد، وهذه القروض يجب أن تشتمل على آجال استحقاق لأكثر من عام واحد حتى تضم إلى إحصاءات لجنة المساعدة الإنمائيةDAC. ولوصف القرض بأنه تساهلي أو ميسر، انه يجب أن يتضمن عنصر منحة Grant Element ، ويقصد بالمنحة أنها التحويلات التي تقدم نقدا أو البضائع أو الخدمات التي لا تلزم الدولة المتلقية بسدادها. وهي تقدم إلى ما يمكن وصفه بالدول منخفضة النمو دون المطالبة باستيفائها، وقد تكون على صورة مساعدات مالية مباشرة أو هبات عينية أو عبر أحد مشاريع البنية التحتية، أو برامج مثل التعليم أو الصحة أو التدريب. وإضافة إلى التدفقات المالية يمكن أن تشمل المساعدة الإنمائية الرسمية التعاون الفني والتكاليف الإدارية اللازمة لتقديم هذه المساعدة. وتستثنى من المساعدة الإنمائية الرسمية المعونة التي لا يكون هدفها الرئيسي إنمائيًا، ومنها القروض المقدمة لأغراض عسكرية.
اذن يرتبط تعريف المساعدة الإنمائية الرسمية بتوفر عنصر المنحة فيها، وتعريف عنصر المنحة في القروض، قد أثار نقاشا متعدد نظرا للاختلاف في طريقة حسابه وتحديده، وبدون الدخول في وصف محدد فإن عنصر المنحة مفهوم حسابي لا يدل على معونة حقيقية، وانما قيمته (نسبة المنحة في القرض) من المهم لا تقل فعليا في أغلب الحالات عن 25% من قيمة القرض. والقروض التي يقل عنصر المنحة فيها عن 25% تصنفها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في خانة “تدفقات رسمية أخرى”. وعنصر المنحة هو الأساس الذي يتم من خلاله تعريف مفهوم التساهلية أو التيسيرConcessionality في المساعدة الإنمائية الرسمية. حيث تعمل الأركان الدولية للتنمية (IMF) و(WB) و(OECD) على معايير لقياس مدى تساهلية القروض التي تقدمها الدول المتقدمة إلى الدول النامية، ويعد مستوى التيسير Concessionality Level مقياس لـ الليونة Softness في الائتمان الذي يعكس الفائدة التي تعود على المقترض للقرض مقارنة بسعر السوق. ويتم قياس التساهليه والتيسير في القروض من خلال عنصر المنحة بالقرض فكلما كان هذا العنصر مرتفعا كلما اُعتبر القرض تساهلياً. يعكس عنصر المنحة فنيا الشروط المالية للصفقة وهي سعر الفائدة، ومدة القرض (فترة السداد النهائية)، وفترة السماح (الفترة حتى سداد الدفعة الأول من القرض). وهذه الشروط تعكس مقاييس لتيسير (ليونة) القروض. ومن خلالها يتم الحساب على أساس الفرق بين القيمة الاسمية للقرض والقيمة الحالية المخصومة من مدفوعات خدمة المقترض كنسبة مئوية من القيمة الاسمية. وقد حددت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الحد الأدنى للتساهليه في القروض بان لا يقل عنصر المنحة عن 25% وبعد 15 يوليو 1988م ، تم رفع الحد الأدنى إلى 35% لوصف القروض بأنها إنمائية رسمية مع العلم أن المنظمة تقبل الحد الأدنى لمستوى عنصر المنحة في القرض وهو 25% لوصف هذه القروض على أنها مساعدات رسمية. أيضا اتجهت المؤسسات التنموية الدولية (IMF) و(WB) على اعتبار أن القروض الإنمائية تعد مساعدات إنمائية رسمية عندما يفوق عنصر المنحة فنيا 35% من القرض. وعلى الرغم من أن المؤسسات الدولية قامت بإيجاد نماذج لقياس عنصر المنحة في القروض الموجهة للدول، فان مصدر تلك النماذج يقوم احتسابه على احد الشروط المالية وهو سعر الخصم ولكنها تختلف في التطبيق طبقا لرؤية كل مؤسسة لأهداف الشروط المالية الملبية لمعاييرها. ومن هذا المنطلق فان تطبيق الشروط المالية لقروض بعض الصناديق ومؤسسات تمويل التنمية في تلك النماذج لا يخدم الوضع المؤمل منها، ولا يقدم الصورة الواقعية التي تبين وضعها وحجم مساعدتها التنموية، وهو ما عانت منه بعض المؤسسات الإقليمية الأخرى مثل البنك الإسلامي للتنمية، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادي العربية، التي قامت بإيجاد صيغ مناسبة لقياس عنصر المنحة في قروضها التنموية قامت بنشرها وتطبيقها على المساعدات المقدمة منها.
وقد حرصت المملكة من خلال الصندوق السعودي للتنمية على تحقيق المعايير الدولية في ان تكون القروض التنموية تحمل صفة التيسير والتساهليه، بدأ من أن مصدر هذه المساعدات هو القطاع الرسمي في المملكة، وتوفر الشروط المالية الميسرة التي يتم تقديمها بالإضافة إلى إن الحافز الرئيسي وراء تقديم المساعدات التنموية هو تعزيز التنمية الاقتصادية والرفاه في الدولة المتلقية. وكان لإنشاء الصندوق السعودي للتنمية وتخصيصه لتقديم التسهيلات التنموية للدول الفقيرة ومنخفضة التنمية، دورا في مساهمة المملكة مع الدول المتقدمة في تنمية تلك الدول وتخفيف العب المادي عنها من خلال القروض التنموية منخفضة الشروط المالية. وذلك على الرغم من إن المملكة بلد ناشئ لم تكتمل بعد بنيته الأساسية ويعتمد على النفط وهو مصدر ناضب كمصدر أساسي ورئيسي للدخل القومي والذي عملت عليه رؤية المملكة 2030 من حيث تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط مع الاخذ على عاتقها الاستمرار في الاسهام بمد يد العون الإنمائي للدول الفقيرة.
وان شاء الله في المقالات القادمة سيتم استعراض أبرز الدول المانحة واتجاهات اقراضها وابرز الدول المتلقية ومصادر تلقيها للمساعدات التنموية الرسمية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال