الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يُعتَبَر القطاع المالي في أيِّ اقتصادٍ، المُحرِّك الأساسي لنشاط العمليات التشغيلية لكافة المشروعات والفعاليات الاقتصادية، مهما كان القطاع الاقتصادي الذي تنتمي إليه.
فالقطاع المالي يُقدِّم السيولة، فيما يكون على باقي القطاعات تشغيل هذه السيولة وتحويلِهَا من دينٍ أو رأس مالٍ، إلى ربحٍ.
وبالنظر إلى رؤية 2030، فقد تمَّ وضع أهدافٍ مُحدَّدةٍ لبرنامج تطوير القطاع المالي تتمثَّل بما يلي (وثيقة البرنامج، خطة 2022، صـ6):
لكن أهداف برنامج التطوير المالي هذه تُواجِهُ تحدياتٍ جوهريةٍ، عَدَّدَهَا برنامج تطوير القطاع المالي في المملكة 2022، وسنُحَاوِلُ شَرحَ أهمِّها واقتراح بعض الخطوات لمواجهَتِهَا:
أولاً: الاعتماد على التمويل المصرفي بدل أدوات الدين؛ أي أنَّ التركيز في التمويل حالياً هو على القروض المصرفية المباشرة بدل إصدار الشركات -التي تحتاج التمويل- لأدوات دينٍ يشترِيهَا الجمهور. وقد بلغت نسبة أدوات الدين (4%) فقط من سوق التمويل في المملكة (وثيقة 2022، ص ـ16).
وهذا الواقع يُنشِئُ ضغطاً كبيراً على المصارف، ويَجعَلُ من خطَّة التنمية رهناً بنجاح القطاع المصرفي، ويَزِيدُ من مخاطر التباطؤ الاقتصادي والتضخُّم، في حال فشلت المصارف بتقديم السيولة المطلوبة أو فشلت بتحصيل السيولة التي كانت قد أقرَضَتْهَا للشركات.
لذا، يتمثَّل الحل في تسهيل إصدار أدوات الدين، وهو من الأمور المُرتَبِطَة بقواعد نظام الشركات ولوائح هيئة السوق المالية.
ثانياً: التركز العالي في سوق الأسهم؛ وهو يَعنِي أنَّ القيمة السوقية المتداوَلَة في السوق، هي صادرةٌ في مُعظَمِهَا من عددٍ محدودٍ من الشركات الكبرى، فيما تكون باقي الشركات على هامش السوق من حيث السيولة والتأثير في اتِّجاهات التداول.
ووفقاً لوثيقة برنامج التطوير المالي، فإنَّ (10) شركاتٍ مدرجةٍ في السوق المالية فقط، تُمثِّل ما نسبَتُهُ (60.3%) من القيمة السوقية للسوق ككلٍّ (وثيقة 2022، صـ17).
هذا الواقع، لا يَخدِمُ الطموح في بناء قطاعٍ ماليٍّ مُتَنَوِّعٍ وعميقٍ وقادرٍ على دعم التنمية، حيث يجب أن تزداد حصَّة باقي الشركات حتى تُعبِّر السوق بشكلٍ أدقّ عن اقتصاد المملكة من جهةٍ، ثم تَستَطِيعُ هذه السوق دعم الاٍقتصاد بالسيولة بشتَّى قطاعاته من جهةٍ أخرى.
وفي الحقيقة، إنَّ زيادة تمثيل القطاعات والشركات في السوق المالية مهمة ملقاةٌ على هيئة السوق المالية، التي يجب عليها توفير المناخ الإيجابي لزيادة مُعدَّلات الإدراج في السوق، وابتكار أسواقٍ جديدةٍ بمعاييرٍ ماليةٍ مُيسَّرةٍ للإدراج بالمقارنة مع السوق الأعلى من حيث المعايير المالية.
ثالثاً: ضعف الاستثمار المؤسَّسي؛ وهي من المشكلات الهيكلية في القطاع المالي، حيث إنَّ المؤسَّسات المالية هي التي تَستَطِيعُ تحريك السوق عند حدوث حالةٍ من البطء أو الركود، تماماً مثلما يلعب صانع السوق دور البائع أو المشتري في أسواق المال حتى يُنشِئُ سوقاً على الأسهم الراكدة التي لا يتمُّ التداول عليها.
ووفقاً لوثيقة برنامج التطوير المالي، تُمثِّلُ حصَّة الاستثمار المؤسَّسي في السوق السعودي مقارنةً بالاستثمار الفردي ما نسبته (41%) فقط (وثيقة 2022، صـ17)، وهي حصَّةٌ سوقيةٌ ضعيفةٌ لا يستطيع من خلالها الاستثمار المؤسَّسي القيام بأدوارِه المرجوَّة.
وفي الواقع، فإنَّ تمكين الاستثمار المؤسَّسي يبقى رهناً بقدرة وزارة التجارة على تسهيل إجراءات تأسيس وإدارة الشركات المالية التي تنوي الاستثمار في السوق السعودية؛ مثل الشركات القابضة أو صناديق الاستثمار.
رابعاً: شبه غياب الاستثمار الأجنبي؛ حيث تَبلُغُ نسبة الاستثمار الأجنبي مقارنةً بالمحلِّي ما نسبته (9%) فقط (وثيقة 2022، صـ17)، وهي نسبةٌ ضعيفةٌ جداً وأقلُّ بأضعافٍ من النسب الموجودة في الأسواق المالية المُتَقَدِّمَةِ.
وفي هذا الإطار، يجب تحفيز الاستثمار الأجنبي، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال من جهةٍ، وفتح الباب بشكلٍ مدروسٍ للمؤسَّسات المالية الأجنبية الناجحة ذات السمعة العالمية الطيبة من جهةٍ أخرى.
خامساً: وجود ثغرات في الشمول المالي؛ أي أنَّ نسبة الخدمات التي تُقَدِّمُهَا المصارف العاملة في المملكة تكون متفاوتةً قياساً بعدد السكان وفق فئاتٍ مُعيَّنةٍ؛ مثل المناطق الريفية أو النساء.
فعلى سبيل المثال، تَبلُغُ نسبة الأشخاص الذين لديهم حساباتٍ مصرفيةٍ في أرياف المملكة (78%) من مجموع السكان، فيما تبلغ نسبة النساء اللَّواتي لديهنَّ حساباتٍ مصرفيةٍ (58.8%) من مجموع تعداد النساء في المملكة (وثيقة 2022، صـ18).
هذه النسب المتفاوِتَةِ، تَفرِضُ على وزارة المالية والبنك المركزي مهامَ تشجيع الفئات ذات المساهمة الضعيفة في القطاع المالي؛ حتى تزداد مساهَمَتُهَا؛ عبر تقديم إعفاءاتٍ ضريبيةٍ أو ميِّزاتٍ مصرفيةٍ أخرى، كلُّ ذلك بغرض زيادة نسبة الشمول المالي.
سادساً: ضعف تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسِّطة؛ حيث تبلغ نسبة القروض الممنوحة لهذه المنشآت في عام 2019 بالمقارنة مع باقي المشاريع ما نسبته (5.7%) من مجموع القروض (وثيقة 2022، صـ18).
هذه النسبة تَكشِفُ عن نقطة ضعفٍ كبيرةٍ في نشاط القطاع المالي ومساهَمَتِهِ بالتنمية؛ لأنَّ المشاريع الصغيرة والمتوسِّطة هي من الأساليب الرئيسية لخطَّة التحوُّل وتمكين القطاع الخاص وزيادة قدرة الفرد على التخطيط المالي.
وبشكلٍ عامٍّ، يبدو القطاع المالي في المملكة قادراً على الوصول إلى الطموحات والقيام بدوره في الطريق إلى رؤية 2030، لكن على الجهات المالية التنفيذية تسخير كافَّة الإمكانيات المالية لتذليل الصعاب وتجاوز الثغرات الواضحة بشكلٍ سريعٍ، حتى لا يكون مرور الوقت أسرع من خُطَى التنمية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال