3666 144 055
[email protected]
عنيت الشريعة الإسلامية بالحث على فعل الطاعات، والتنافس في الصالحات، والمسابقة للخيرات.
ومن أبواب الخير، الوقف والصدقات والتبرعات التي تكون ذخراً للمرء في حياته، ويستمر نفعها بعد وفاته.
ومن أعظم الإحسان، الإحسان بعمل الخير، بأن يكون العمل فيها وفق أحسن الطرق وأمثل المسالك، ليبقى الأثر، ويعظم النفع، ومن طرق الإحسان بالأوقاف العمل على حوكمتها.
وقبل الحديث عن حوكمة الأوقاف، أن ندرك تنوع الأوقاف : فمنها شركات مساهمة وقفية، وشركات وقفية (ذ.م.م) والأوقاف استثمارية كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وتختلف احتياجات هذه الأوقاف من تطبيق الحوكمة، ومع هذا التنوع يكون الحديث عن حوكمة كل هذه الأنواع من الأوقاف في مقال، حديث قاصر، ولكن حسبنا أن نشير إلى أصول وقواعد عامة في حوكمة الأوقاف والتي يمكن تطبيقها على الأوقاف الاستثمارية الكبيرة والمتوسطة.
ونقصد حوكمة الأوقاف : هي مجموعة من الأسس والنظم والقواعد التي تحكم العلاقة بين الناظر من جهة والواقف من جهة أخرى، ومن له مصلحه مع الوقف أو من الوقف أو يستفيد من خدمات الوقف أو يتأثر بمخرجاته، في إطار القيم الأخلاقية والمساءلة والمحاسبة والشفافية والإفصاح.
وقد يتبادر إلى الذهن تساؤل عن مدى القدرة على الموائمة بين الحوكمة والأوقاف، لاختلاف طبيعة وخصائص الحوكمة من جهة، والأوقاف من جهة أخرى، والجواب عن ذلك أننا يمكننا صياغة أساسيات حوكمة الأوقاف من خلال تنزيل مبادئ الحوكمة الأساسية من المسؤولية والمساءلة والشفافية والإفصاح والعدالة على الأوقاف، مع اعتبار المميزات والخصائص التي تتمتع بها الأوقاف من طبيعة نشأتها والمستفيدين منها. ولتقريب الصورة يمكن أن نلاحظ أوجه الاتفاق والاختلاف بين المؤسسات أو الشركات أو الجهات الوقفية وبين الشركات المساهمة وفق الجدول التالي :
المؤسسات أو الشركات أو الجهات الوقفية | الشركات المساهمة | ||
1 | المنشأ | الواقفون | المؤسسون |
2 | المستفيد | الموقوف عليهم | المساهمون |
3 | الرقابة | الناظر أو مجلس النظارة أو مجلس الأمناء أو مجلس الإدارة. | مجلس الإدارة |
4 | التنفيذ | الإدارة التنفيذية | |
5 | الإشراف | الجهات الإشرافية | |
6 | …… | الجهات ذات المصالح من موظفين وجهات تعاقدية … . |
وأما أسس تطبيق حوكمة الأوقاف، فهي ما يلي :
أولا : الالتزام بالتشريعات والنظم والقواعد التي تنظم وتؤطر عمل المؤسسات الوقفية وتنظمه، من خلال ثلاث مستويات :
أ- الإطار الشرعي الفقهي : تميز الفكر الوقفي في الإسلام بوضع الكثير من التنظيمات والتشريعات. منها : بيان شروط الوقف، وأركانه، وحقوق الأطراف ومسؤولياتهم، كل ذلك من أجل تعزيز قيام مشروع الوقف، واستمراريته وضبطه، فيلتزم بها.
ب- الاطار الخارجي : ويقصد به الالتزام بأنظمة وتشريعات الجهات الحكومية أو المشرفة على قطاع الأوقاف.
ت- الاطار الداخلي : ما ينشئه الواقف أو مجلس النظارة من أنظمة وقواعد عمل، مثل وثيقة الوقف، والنظام الأساسي، وقرارات مجلس النظارة، واللوائح المالية والإدارية وغيرها.
ثانياً: الإفصاح والشفافية :
على المؤسسات الوقفية الالتزام بتطبيق مبدأ الإفصاح والشفافية، والإفصاح في واقع المؤسسة الوقفي يمكن أن يتركز في العناصر التالية : ( تقرير التدقيق المحاسبي الخارجي أو الداخلي – الميزانية المالية – قائمة التدفقات المالية – الاستثمارات الوقفية – الصرف على الموقوف عليهم ) .
وكذلك الإفصاح عن جميع الحالات التي تؤدي إلى تعارض المصالح، كتوظيف الأقارب أو التعاقد معهم، أو يكون منسوبو الوقف من نظار وتنفيذين لهم علاقة مع جهات أخرى تتعاقد مع مؤسسة الوقف.
ثالثا: المسؤولية والمساءلة :
يقصد بها مسؤولية الناظر أو مجلس النظارة أو مجلس الأمناء أو مجلس الإدارة عن المحافظة على الوقف وتنميته وحمايته وصيانته، من خلال إشرافهم ورقابتهم، ورسم سياسات مناسبة في إدارة الوقف واستثماره، وبناء على الخطط الاستراتيجية.
وفي حال إهمال أو تقصير الناظر أو مجلس النظارة أو مجلس الأمناء أو مجلس الإدارة في الإدارة أو الرعاية للوقف، فتتم مساءلتهم ومحاسبتهم، فإذا قصروا في حفظ الغلة أو أهملوا توزيعها دون مسوغ، فإنهم مسؤولون ومحاسبون من قبل الجهات الإشرافية أو المحكمة المختصة.
رابعاً: حفظ حقوق الواقفين :
من أهم مبادئ الحوكمة حفظ حقوق الواقفين، فهم الأساس الرئيس في المؤسسة الوقفية، ويتم ذلك من خلال احترام شروط الواقفين وتنفيذها على الوجه المأمول.
وحماية أصول الواقفين تكون بحمايتها من الاعتداءات الخارجية على أصل الوقف، وتكون أيضاً في الحماية الداخلية لأصل الوقف، من إهمال وتقصير الناظر أو مجلس النظارة أو مجلس الأمناء أو الإدارة التنفيذية أو تعديهم على عوائد الوقف، وعدم تنفيذ شروط الواقف.
خامساً : العدالة :
وذلك من خلال المعاملة المتكافئة للموقوف عليهم، والعدالة في صرف ريع الوقف، من خلال تحديد المستفيدين ” الموقوف عليهم ” بناء على شرط الواقف إن وجد أو من خلال صياغة معايير لتحديد المستفيدين والمفاضلة بينهم، وتحديد آلية التوزيع وشروطها ومواعيدها.
وتكمن أهمية العناية بتطبيق حوكمة الأوقاف لما يلي:
أولاً : إن وجود نظام حوكمة في الأوقاف، يكسبها المصداقية لدى المؤسسات المالية من مصارف ومؤسسات مانحة مما يتيح لها تمويل مشاريعها وبرامجها الاجتماعية.
ثانياً : الحوكمة تعين على تنفيذ عمليات الأوقاف بشفافية ودقة، مما يزيد من مهنية العاملين والقائمين على الأوقاف، ويدل على نزاهتهم ويحفظ سمعتهم .
ثالثاً : الأوقاف التي تدار بحوكمة تحفظ شرط الواقف، تعزز من مصداقية الواقفين، عندما يدركون أن شروطهم التي وضعوها منفذة بسبب منهجية الحوكمة المعتمدة في الأوقاف.
رابعاً : إن تطبيق الحوكمة في الأوقاف يعزز من ثقة المستفيدين ” الموقوف عليهم” أو من يدخل ضمن المصرف الوقفي، لإدراكه أن صرف ريع الوقف يتم صرفه وفق معايير محددة، وآلية واضحة، وشروط قائمة، ومواعيد منتظمة.
خامساً : الحفاظ على الأصل الوقفي، وذلك من خلال مسؤولية الناظر أو مجلس النظارة أو مجلس الأمناء أو مجلس الإدارة عن المحافظة على الوقف وتنميته وحمايته وصيانته، من خلال إشرافهم ورقابتهم، ورسم سياسات مناسبة في إدارة الوقف واستثماره، وبناء على الخطط الاستراتيجية.
سادساً : التاريخ يشهد أن الفساد وغياب الرقابة والشفافية واللوائح والنظم والمساءلة على الأوقاف، أدى إلى ضياع أصول وقفية، وتشكيل صورة نمطية سيئة عن واقع الأوقاف.
في نهاية المقال هذه الملامح العامة حول حوكمة الأوقاف، حررّتها من مواد تتعلق بالحوكمة والأوقاف، منها كتاب ( دليل إجراءات تأسيس وإدارة المؤسسات الوقفية وفق إطار الحوكمة ) للباحث / عمر محمد فرحان، فله جزيل الشكر.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734