الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ذكرنا في مقال سابق (المقال) أن إرتفاع التكلفة الرأسمالية هو أحد العوائق المهمة لمشاريع توليد الطاقة الكهربائية بإستخدام طاقة الأرض الحرارية. إن إرتفاع التكلفة الرأسمالية للمشاريع بالإضافة إلى طول مدة تنفيذها، والتي تبلغ من ثلاث إلى خمس سنوات على أحسن تقدير، والذي ينتج عنه تأخر العوائد المالية. تشكّل عاملا مثبطا للقطاع الخاص للإستثمار في مشاريع الطاقة الكهربائية.
إن مشاريع توليد الطاقة الكهربائية بإستخدام طاقة الأرض الحرارية مع جميع مزاياها وإستخداماتها والتي ذكرناها في مقال سابق (المقال) يجب أن تشكل حافزا قويا لصاحب القرار في إطلاق طاقة الأرض الحرارية الكامنة. وبغض النظر عن تكاليفها الرأسمالية، بل ومنح القطاع الخاص مميزات مدروسة تشجع على الإستثمار في مشاريعها. إذ أنه بجانب أنها الطاقة المتجددة الوحيدة التي تعمل طوال اليوم (baseload) بمرونة وموثوقية عالية وبدون إنبعاثات كربونية. فهي أيضا طاقة مجانية من باطن الأرض. وينعكس ذلك إيجابا على التكلفة الإجمالية للميجاوات ساعة (LCOE).
إن المقارنة المباشرة للتكلفة الإجمالية للميجاوات ساعة (LCOE) لمشاريع توليد الطاقة الكهربائية بإستخدام الطاقة الشمسية مع مشاريع طاقة الأرض الحرارية هي مقارنة غير دقيقة ولا تحاكي الواقع وذلك لإنعدام التماثل بين الحالتين. وتكون المقارنة أكثر واقعية في حال تحويل مشاريع الطاقة الشمسية إلى مشاريع (baseload) وذلك بإضافة إحدى تقنيات التخزين لتوليد حوالي 14 ساعة في اليوم لتغطي ساعات الطلب على الطاقة الكهربائية أثناء عدم عمل مشروع الطاقة الشمسية. وسنجد عندها أن التكلفة الإجمالية المباشرة للميجاوات ساعة لمشاريع طاقة الأرض الحرارية هي المشاريع الأقل تكلفة بين جميع مشاريع تقنيات الطاقة المتجددة الأخرى.
إن تقنية طاقة الأرض الحرارية في الواقع ليست منافسة لتقنية الطاقة الشمسية إذ إنهما يعملان سويا في تكامل يغطي الطلب اليومي على الطاقة الكهربائية بقدر المستطاع. إنه من الأفضل إعتبار طاقة الأرض الحرارية كمنافس للوقود الأحفوري إذ إنهما يشتركان في الكثير من الصفات الفنية إلا أن طاقة الأرض الحرارية تمتاز بأنها مجانية ولا تنضب كما أنها لا تتسبب في الإنبعاثات الكربونية.
قامت إحدى شركات القطاع الخاص بدراسة مفصلة عن الطاقة الكهربائية وإستشراف تطور الطلب عليها في المملكة حتى عام 2060. وقدمت الدراسة تصورا عن تأثير إدماج طاقة الأرض الحرارية في مزيج الطاقة السعودي. إحتوت الدراسة أيضا على مقارنة التكلفة الإجمالية بين مشروعين سعة كل منهما 1000 ميجاوات أحدهما يعمل بالغاز الطبيعي والآخر يعمل بطاقة الأرض الحرارية لمدة 40 عاما. إعتمدت الدراسة على مخرجات تقرير هيئة تنظيم الماء والكهرباء (ECRA) لعام 2019.
قامت الدراسة بإختيار تقنية الغاز الطبيعي للمقارنة لأكثر من سبب. أولا فإن المملكة تتجه إلى إستخدام الغاز الطبيعي عوضا عن النفط بغرض التقليل من الإنبعاثات الكربونية. وثانيا بسبب أنها تقنية تعمل طوال اليوم (baseload). فتكون المقارنة بينها وبين طاقة الأرض الحرارية متكافئة.
كانت نتيجة المقارنة أن التكاليف السنوية لتشغيل مشاريع طاقة الأرض الحرارية سوف تكون أكثر تكلفة في الستة سنوات الأولى بسبب التكاليف الرأسمالية العالية. ثم تتعادل في السنة السابعة. ومن بعد ذلك تكون إقتصادية أكثر بالمقارنة مع مشاريع الغاز الطبيعي حتى توفر، في نهاية المدة، 15 بليون دولار (مجموع تكلفة الغاز الطبيعي بسعر السوق العالمي زائدا مصاريف التشغيل والصيانة) وتزيح أيضا211 مليون برميل نفط مكافئ من الغاز الطبيعي لكل 1000 ميجاوات.
إن توفّر الإمكانات المادية في المملكة بالإضافة إلى تشجيع الدولة الدائم للقطاع الخاص وتوفير مناخات مناسبة لجذب الإستثمارات الخارجية هي عوامل تشكّل للمملكة فرصة في إتخاذ دور الريادة العالمية لمشاريع طاقة الأرض الحرارية.
وفي ختام هذه السلسلة من المقالات نقول إن دمج طاقة الأرض الحرارية إلى مزيج الطاقة السعودي وإطلاق مشاريعها سوف يكون له أثر إيجابي على منظومة الطاقة في المملكة. ويؤدي كذلك إلى الحفاظ على ثروة المملكة من النفط والغاز. كما أنه سوف يكون له مساهمة واضحة في تخفيض الإنبعاثات الكربونية والوصول إلى الحياد الصفري قبل عام 2050.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال