طاقة الأرض الحرارية ومحاولات إطلاقها في المملكة

تقع منطقة الدرع العربي في الجانب الغربي من المملكة بمحاذاة ساحل البحر الأحمر وبمساحة تقدر بحوالي 580 ألف كيلومتر مربع وتحتوي على معظم مناطق النشاط البركاني في المملكة المعروفة بالحرّات. وهي المناطق التي من المرجّح أن تقع فيها مكامن طاقة الأرض الحرارية. ولقد خضعت المنطقة للعديد من الدراسات الجيولوجية من مختلف الجهات المحلية والدولية في مختلف الأوقات ومن أهمها، بطبيعة الحال، الجامعات ومراكز الأبحاث وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية. وكذلك شركات التنقيب عن المعادن وغيرها.

والدراسات الخاصة بالتنقيب عن مكامن طاقة الأرض الحرارية هي ذات طبيعة مختلفة عن الدراسات الجيولوجية من حيث المعلومات المطلوبة لتقييم المكمن الحراري. وبالتالي، مالم تكن هناك دراسات متخصصة في التنقيب عن مكامن طاقة الأرض الحرارية في المملكة، فنحن ينقصنا الكثير من المعلومات التي نستطيع من خلالها تقييم هذه المصادر المهمة من مصادر الطاقة. 

وهناك بعض الجهات المهتمة بطاقة الأرض الحرارية في المملكة الذين قاموا بالعديد من الدراسات والأبحاث الأكاديمية المتخصصة بهذا المصدر للطاقة. ومن أهم هذه الجهات جامعة الملك سعود بالرياض وجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن. كما أن جامعة كاوست لها إهتمام بالغ بطاقة الأرض الحرارية. وقامت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بنشر تقرير جمعت فيه تلخيصا لنتائج الدراسات والأبحاث الأكاديمية التي جرت في المملكة حتى تاريخ التقرير. إلا أن جميع هذه التقارير والدراسات والأبحاث الأكاديمية، على أهميتها، تعتبر دراسات مبدئية وذات ميزانيات محدودة ولا تستطع أن تشكل همزة الوصل بين البحث الأكاديمي والقطاع الخاص لإطلاق طاقة الأرض الحرارية وإستخدامها فعليا على أرض الواقع.

وكانت هناك مبادرات جادة من بعض رجال الأعمال الذين عرضوا على شركة أرامكو السعودية إستخدام بعض آبار البترول المنتهية لإستخراج طاقة الأرض الحرارية وإستخدامها في توليد الطاقة الكهربائية. إلا أنه يبدو أن الشركة لم تشعر بأهمية الموضوع أو أنه كان لها أسبابها الخاصة في عدم الموافقة على المبادرة.

كما قامت إحدى شركات القطاع الخاص بمحاولة الإستفادة من الدراسات والأبحاث الأكاديمية المتعددة على موقع معيّن، والذي أثبتت الدراسات توفّر طاقة أرضية حرارية كامنة فيه، وتعاقدت مع إحدى الشركات العالمية لعمل دراسة تقييم فني وجدوى اقتصادية للموقع. ثم على أساس مخرجات تلك الدراسة، قامت إحدى بيوت الإستشارات العالمية بعمل دراسة مالية لمشروع تجريبي سعته 5 ميجاوات. وربما كانت هذه هي أول محاولة جادة لنقل الدراسات والأبحاث الأكاديمية إلى صيغة جاذبة للقطاع الخاص. لكن وبالرغم من جودة الدراسة وأهميتها إلا أنه كان ينقصها محدودية وعدم إكتمال الدراسات والأبحاث الأكاديمية والتي قد يكون لها تأثير سلبي على المخرجات النهائية للدراستين.

ومن أهم الجهات الحكومية المهتمة بطاقة الأرض الحرارية هي مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة. فلقد قامت بإقتراح إنشاء مشروع تجريبي لطاقة الأرض الحرارية من خلال برنامجها السنوي لتوطين تقنيات الطاقة المتجددة المعروف بـمبادرة Technology Localization & Commercialization (TLC). إلا أنه ولأسباب مختلفة لم تقم أي جهة في القطاع الخاص أو غيره بالإستفادة من هذه المبادرة. ولعل المشروع يكتب له النجاح في نسخة المبادرة لسنة 2022.

كما قامت جامعة كاوست بإقامة أول مؤتمر عالمي عن طاقة الأرض الحرارية في المملكة سنة 2020 تحت مسمّى Maturing Geothermal Energy For Saudi Arabia والذي حظي بحضور كثيف من العديد من الهيئات والشركات والأشخاص المهتمين من داخل المملكة وخارجها.

كما أن موضوع طاقة الأرض الحرارية في المملكة حاز على إهتمام إدارة الإبتكار والتطوير في وزارة الطاقة. وتقوم هذه الإدارة بدراسة الموضوع بشكل دوري مع العديد من شركات القطاع الخاص والجامعات والمهتمين ومتابعة ما يحدث في المملكة في هذا المجال.

إلا أنه قد تكون من أهم المبادرات لإطلاق طاقة الأرض الحرارية في المملكة هي مبادرة ”التنقيب عن طاقة الأرض الحرارية في المملكة وتقييمها“. وهي مبادرة يشترك فيها ”برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية“ مع ”هيئة المساحة الجيولوجية السعودية“. ولقد قامت هذه المبادرة بالبحث والتنقيب عن مكامن طاقة الأرض الحرارية بطريقة متخصصة في بعض مناطق الحرّات. وما زلنا بإنتظار نتائج هذه المبادرة.

كما أن هناك إهتمام عالمي بطاقة الأرض الحرارية في المملكة حيث يتم دعوة بعض الجهات المهتمة في المملكة إلى ”المؤتمر العالمي لطاقة الأرض الحرارية“ (World Geothermal Congress) والذي يقام كل 3 سنوات لتقديم وشرح آخر المستجدات عن هذه الطاقة في المملكة. كما أن ”التحالف العالمي لطاقة الأرض الحرارية“ Global Geothermal Alliance (GGA) المدعوم من خلال ”وكالة الطاقة المتجددة الدولية“ IRENA لهم إهتمام بالغ بتطوير إستغلال طاقة الأرض الحرارية في المملكة والعالم.

إن إطلاق برنامج طاقة الأرض الحرارية الخاص بالمملكة وإعتماد إضافته إلى مزيج الطاقة السعودي هو أمر في غاية الأهمية في هذه المرحلة التي تسعى فيها المملكة للوفاء بإلتزاماتها الدولية في اتفاق باريس للتقليل من الإنبعاثات الكربونية والوصول إلى الحياد الصفري.