الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يبدو أن آثار الحرب الروسية الأوكرانية التي أصابت أسواق الطاقة في أوروبا وأمريكا بعدما ارتفعت لأرقام قياسية، وتضررت معها دول جنوب آسيا وأفريقيا التي لم تعد قادرة على دفع مبالغ طائلة لشراء الوقود، وخفضت الكثير من الدول إضاءة الشوارع والطرقات وبعض المعالم المهمة من اجل تخفيض استهلاك الطاقة، وفي بعض الدول الفقيرة يحرم الناس من خدمات الكهرباء في اليوم أكثر من مرة، بعدما قننت حكوماتها ساعات محددة لاستهلاك الكهرباء. وفضلا عن أزمة سلاسل الإمداد والتوريد التي تعاني منها معظم الأسواق نتيجة الحرب.
من الواضح أن الدول المستهلكة على موعد أزمة غذاء جديدة هذه المرة، وهي تتعلق بارتفاع قيمة الأرز الهندي، حيث أعلنت وزارة المالية الهندية الخميس الماضي ضريبة جديدة على صادرات الأرز بنسبة 20 في المائة على بعض الشحنات، وقد دخلت حيز التنفيذ يوم الجمعة الماضية، وحظرت الهند تصدير الأرز المكسور الذي يستخدم لتغذية الحيوانات، وتقول الحكومة أن محاصيلها تأثرت بنقص هطول الأمطار في بعض المناطق هذا العام. ويهدد خفض إنتاج الأرز، أحد أهم الأغذية الرئيسية في العالم، بتأجيج تضخم أسعار الغذاء، والذي يقترب من مستويات قياسية
الحكومة الهندية أرادت أن ترفع الأسعار بطريقة غير مباشرة، بعدما تضررت هي مثل باقي الدول الآسيوية من الحرب الأوكرانية الروسية، فبررت سبب ارتفاعها للأسعار بنقص هطول الأمطار.
دول الخليج وتحديدا السعودية التي تحتل المرتبة السادسة عالميا في استيراد الأرز باستهلاك نحو مليوني طن بمعدل 45 كيلو جرام سنويا للفرد، سوف تواجه مطاعم وجبات الأرز أزمة جديدة تتعلق بزيادة الأسعار.
يمثل الأرز بالنسبة للسعوديين من السلع الاستراتيجية فهو يدخل في وجباتهم اليومية في أفراحهم وأحزانهم وتجمعاتهم وكافة المناسبات، ويتفنن الطهاة وأصحاب المطاعم في إعداد قائمة متنوعة يدخل فيها الأرز عنصر مهم. في يناير الماضي كانت الهند رفعت قيمة عروض أسعار الطن الى 150 ريال ليصل سعره الى 1250 دولار.
من الملاحظ رغم الأزمات الاقتصادية التي عصفت بصناعة الأرز من حروب وانخفاض الأمطار وارتفاع الأسعار، إلا أن الطلب على الأرز في السعودية لم يتراجع فهي ولا تزال تصعد نحو المقدمة عالميا من حيث كمية الاستهلاك. ويتوقع ارتفاع استهلاك السعودية للأرز خلال السنوات المقبلة، مع زيادة متوقعة لعدد السكان والوافدين.
هذه المرة الأمر مختلف، ليس فقط الأرز الهندي سيرتفع سعره في الأسواق العالمية، بل تشمل منتجات غذائية أخرى سوف تتأثر هذا العام مثل القمح ومنتجات غذائية أخرى تأثرت نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية، فيما لو استمرت أسعار الأرز الهندي في الارتفاع، فهذا سيؤدي رفع سعر الأرز المطبوخ في السعودية فبدلا من أن يدفع البسطاء 9 ريالات لربع دجاجة مع الأرز سيضيف عليها زيادة 20 في المائة فضلا عن ضريبة القيمة المضافة.
في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، التي تعيشها دول العالم، وتعطل سلاسل الإمداد وخاصة دول أوروبا التي تعيش اصعب الظروف ابتداء من ارتفاع أسعار الطاقة، وبالتالي ارتفعت معها أسعار الكثير من السلع وخاصة القمح الروسي، أما دول الخليج فهي دول مستهلكة، تتأثر بشكل كبير ومباشر في حال حدوث أي أزمة اقتصادية، ويحتل الأرز الهندي مكانة خاصة لدى الخليجيين، على الرغم من منافسة الأزر الباكستاني إلا انه لم يصل الى حد الثقة فيه لدى المستهلك الخليجي، ولا تتجاوز حصة الأرز الباكستاني في الأسواق السعودية عن 10 في المائة إلا أن الأرز الهندي لا يزال يتربع بكميات الاستيراد، مع أن الصين لا تزال تتصدر دول العالم في الإنتاج وتليها الهند ثم إندونيسيا.
اذا ما استمرت الأسعار في ارتفاع، بمبررات غير مقنعة، من المهم أن تفكر سلطات الغذاء في السعودية بإيجاد أسواق بديلة للاستيراد مثل الفيتنام وبنجلاديش وتايلند حتى ولو باستثمارات سعودية في الخارج، من غير المعقول أن نستسلم للارتفاع المتكرر من فترة لأخرى، وأيضا سيطرة مجموعة من التجار على هذه السلعة المهمة، واحتكارهم للسوق.
من المهم ضبط جشع التجار وأيضا شركات الأرز الأجنبية حيث تكيل لدول الخليج بمكيالين، باعتبار أنها دول نفط غنية وثرية. واستغرب كيف أن وزارة الزراعة لم تضع في أجندتها أهمية زراعة بعض السلع الاستراتيجية التي تحتاجها في دول يتم الاتفاق معها؟، وأتمنى إلا ندخل في مفاوضات زراعية في بلدان عربية، فالأوضاع السياسية في كثير من الدول التي نعرفها غير مستقرة سياسيا ومزاج رؤسائها لا يعترف باتفاقيات أو معاهدات وقت الأزمات، فتضيع المليارات والاستثمارات.
من الأفضل نقلها الى بلدان تحترم الاتفاقيات، خاصة وان الأرز والقمح وغيرها من المزروعات لا يمكن زراعتها محليا لكونها تحتاج الى كميات مياه اكبر وأيضا أرضية مختلفة. يجب أن يعرف المسؤول أن الأرز معشوق المواطنين السعوديين والمقيمين ولن يتخلى عنه مهما ارتفعت الأسعار، إنما يجب أن نحرص على سلامة جيب المواطن حينما تستنزف نتيجة ارتفاع الأسعار بدون مبرر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال