الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الامس، قرأت خبر في رويترز الإخبارية، عن استطلاع لآراء محللين اقتصاديين للسوق العقاري الامريكي، حيث انهم يتوقعون ركود في القطاع العقاري لم تمر به السوق العقارية الامريكية منذ عقد من الزمن. لا يخفى على الجميع ان انخفاض نسبة الفائدة و بسبب أزمة كورونا التي جعلت نمو البناء في القطاع العقاري الأمريكي يدخل مرحلة ركود خلال فترة كورونا. مما أدى الى ارتفاع نسبة الطلب مقابل نسبة العقار المعروض. وهذه معادلة اقتصادية معروفة، انه بارتفاع الطلب على سلعة محدودة الإنتاج في السوق يؤدي الى ارتفاع اسعارها، والعكس صحيح. لكن، موضوعي هنا ليس لمناقشة معادلة رياضية ولا معادلة اقتصادية، وليس لمناقشة وضع القطاع العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انها بعد ازمة الرهن العقاري، اصدرت العديد من التشريعات و المبادئ القضائية العقارية للسيطرة على السوق العقاري، ولازالت الى الان تعمل على إصدار المزيد في هذا الشأن حتى لا تفلت القبضة من يد الحكومة مرة اخرى. انا هنا لاتحدث عن نظام التمويل العقاري، وتنظيم التمويل العقاري للأفراد.
في فقه القانون، هناك ما يسمى قانون الملكية وهنا ما يسمى بقانون العقود. قانون الملكية كما يسمى في امريكا بانه قانون الاشياء law of things. وهذا يعني التعامل في اطار هذا القانون في كل أمر له علاقة فقط بعقود البيع والشراء والإيجار والرهن …الخ. وهو مختلف تماما عن قانون العقود. العقار، يعتبر من الأصول، والاصول بحد ذاتها لا تعتبر منتجة، وبالتالي العقود الناتجة منها، هي عقود محدودة. في حين ان قانون العقود، يتناول جميع أنواع العقود التي تنشأ في العلاقة التعاقدية. مثال، لدينا أرض مملوكة لشخص ما، تم بناء عمارة سكنية عليها، تم بيع البعض، وتأجيل البعض الآخر. هنا لم ينتج عن هذا الاصل الا نوعان او ثلاث أنواع من عقود الملكية. وبالتالي هذه العقود تخضع لمعايير مختلفة. في حين لو تم بناء هذه الأرض مصنع مثلا، سوف ينشأ عن هذا المصنع أنواع أخرى من العقود، مثل الشركات وعقود التوزيع و الاستيراد والتصدير، وبالتالي لها معايير مختلفة في تقييمها، حتى لو أراد التاجر أخذ قرض من البنك مثلا، هنا نوع القرض وهدفه وطبيعته مختلفه تمام عن العقود التي تخضع لقانون الملكية.
في قراءة اقتصادية لنظام التمويل العقاري السعودي، وفي التنظيم الذي صدر من ساما فيما يخص جدولة القروض العقارية، اشارت الى : ان التمويل العقاري لمن يقل راتبه عن 15000 ريال سعودي، يكون بنسبة استقطاع تصل الى 55% من الراتب، وفي حال احتساب الدعم الحكومي للتمويل العقاري تصل النسبة إلى 65%. كما ان من يتجاوز راتبه عن 25000 ريال سعودي، يكون تقييم نسبة الاستقطاع من الراتب خاضعة لسياسات الممول الذي يتولى عملية تقييم مصروفات العميل. من وجهة نظري المتواضعة، هذه المسألة عبارة عن ثغرة تشريعية حدثت بسبب عدم استخدام تحليلها اقتصاديا.
في استخدام النظريات الاقتصادية في التشريع، يوجد نظرية اقتصادية، تسمى بنظرية المساومة Bargaining theory. فحوى هذي النظرية هي لو ان لدينا الشخص أ، هذا الشخص يملك قدرة مادية لشراء سيارة بقيمة 30000 ريال ويرى ان هذه هي القيمة الحقيقة لمتعة امتلاك هذه السيارة، و لدينا بائع ب يرى أن قيمة إمتلاكها وقيادتها يساوي 40000 ريال. ووفقًا لهذه الحقائق ، فإن اتفاقية البيع تعني ان قيمة السيارة هي مابين 30000 و 40000 ريال. وبناء عليه، البائع سيقوم ببيع السيارة بقيمة متوسطة وهي 35000 ريال.
بمثل هذا المثال، لنفترض، ان لدينا ممول عقاري، يمنحه القانون احقية تحديد نسبة الاستقطاع الشهري لمن راتبه يزيد عن 25000 ريال. فهذا يعني، انه اي عقار سيرغب في أن يتملكه طالب التمويل، سيتم تمويله بالمبلغ المطلوب بعد أن يوافق على شروط الممول. فهذا يعني، ازدياد الطلب من قبل طالبي التمويل على تملك العقار، والذي سيؤدي الى ارتفاع الاسعار الى ان تخرج عن السيطرة، خصوصا عندما يكون القطاع العقاري يعاني من الفقر التشريعي الذي بدوره يسمح بالتلاعب من جميع النواحي. طبيعي جدا ان يعرض مالك العقار عقاره الذي يستحق قيمة مليون ريال، بثلاثة مليون طالما ان هناك ممول سيدفع هذه القيمة. وهنا هو جوهر المشكلة التشريعية الصارخة في انظمة التمويل العقاري لدينا.
هذه فقط اشارة الى نقطة واحدة ساهمت بدخول سيولة لا محدودة للسوق العقاري أدت الى تضخم العقار بشكل كبير، وأخشى أننا الآن في مرحلة الفقاعة العقارية. السؤال الان هو كالاتي، هل العقار فعلا قوة اقتصادية؟ نعم هو قوة اقتصادية لكنها غير منتجة لتصل الى درجة انها تدعم الناتج المحلي ليكون في اقوى صورة. الصناعة تعتبر من قوة اقتصادية، كلما قويت، كلما رفعت الناتج المحلي بشكل ملحوظ، الاستيراد و التصدير ايضا من الامور التي تلعب دورا كبيرا في الناتج المحلي. لكن التضخم العقاري المتعلق فقط ببيع وشراء الأصول من أجل التجارة أو من أجل التملك، من ناحية استثمارية له مساهمة في الناتج المحلي، لكن المستثمر الاجنبي، لن يستثمر فقط في العقار.هنا انواع مختلفة تسعى المملكة لجذب المستثمرين فيها، أولها مجال السياحة. المستثمر الأجنبي في مجال السياحة يجب أن تكون التكلفة عليه متناسبة مع متوسط دخل الفرد حتى يحقق عائد ربحي يساعده على الاستمرار في الاستثمار. سبق لي أن قرأت في مكان ما عن الاستثمار في السياحة، ان المستثمر يهتم بأن يكون لدى الأفراد القدرة المادية على تملك عقاران، احدهما مسكن له، وآخر مصيف له. واكاد اتفهم وجهة النظر هذه، الأفراد غالبا هم من يغذون قطاع السياحة.
التحليل الاقتصادي لأحد الجوانب القانونية في التمويل العقاري في السعودية، لا يعتمد فقط على جانب العقار، أو على اقتصاد العقار. بالطبع هو مهم، وللتجار العاملين فيه كامل حقوقهم التي تضمن حرية التملك والبيع والشراء. لكن لابد من الجهة المشرعة إصدار قوانين ذات بعد على جميع الجوانب الاقتصادية. احيانا، يكون أمام المشرع مشكلة او تحدي، ويوجد له الحل التشريعي لذات الموضوع. ولكن احيانا يتم حل ذات المشكلة على المدى، من دون التنبؤ بمجموعة المشكلات التي سوف تحدث على المدى البعيد والتي تمتد الى مجالات مختلفة مما يعقد موضوع ايجاد الحل لكل المشكلات التي نتجت من حل مشكلة واحدة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال