الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ذكرنا في مقال سابق (المقال) بأن أحد العوائق المهمة أمام تنفيذ مشاريع الطاقة الكهربائية بإستخدام طاقة الأرض الحرارية هو مرحلة التنقيب عن المكمن الحراري في باطن الأرض. وذكرنا بأنها مرحلة تتصف بالخطورة الإقتصادية العالية. فقد ينفق المستثمر ملايين الدولارات في التنقيب عن مكمن حراري معين ثم لا يجده أو يجد أن مواصفاته الفنية لا تكفي لتوليد كمية مناسبة إقتصاديا من الطاقة الكهربائية. وبيّن البنك الدولي في أحد تقاريره أن متوسط التكلفة المالية لمرحلة التنقيب عن مكمن حراري معين تمثل حوالي 15٪ من إجمالي التكلفة المالية لجميع مراحل مشروع توليد الطاقة الكهربائية، إلا أن هذه المرحلة وحدها تمثل حوالي 60٪ من إجمالي المخاطرة الاقتصادية للمشروع. وهذا سبب رئيسي في إحجام البنوك عن تمويل هذه المرحلة. وبالتالي يُحجم القطاع الخاص عن الإقبال على مثل تلك المشاريع وتحمّل الخطورة الإقتصادية العالية. ويوضح الشكل المرفق العلاقة بين المخاطرة الاقتصادية وإجمالي التكلفة وقابلية البنوك لتمويل المشروع.
إن جميع الدول التي إبتدأت برامجها لتوليد الطاقة الكهربائية بإستخدام طاقة الأرض الحرارية إنما ابتدأت بوضع حلول لتخطّي عقبة الخطورة الإقتصادية العالية في مرحلة التنقيب عن المكمن الحراري والتي عادة ما تنتهي بمرحلة حفر البئر التجريبي التي توفّر للمختصين المعلومات المطلوبة للتأكّد من أهلية المكمن الحراري لتوليد الطاقة الكهربائية.
وفي جميع الدُول، ونظرا للمميزات المغرية والإستخدامات الكثيرة التي توفرها طاقة الأرض الحرارية، أخذت الدوائر المسؤولة عن الطاقة الكهربائية في القطاع العام لكل دولة دور القيادة لإطلاق هذه الطاقة. وذلك عن طريق تحمُّل المخاطرة الإقتصادية العالية بعدة أشكال سوف نسرد أهمها في هذا المقال.
قامت بعض الدول بأخذ دور المطوِّر للمشروع ونفّذت جميع مراحله إبتداءً من مرحلة البحث والتنقيب وحتى الوصول إلى مرحلة التشغيل ثم بعد ذلك عهدت إلى القطاع الخاص بتشغيله وإدارته على طريقة الـ IPP. وهي بذلك أعطت لنفسها الفرصة مع القطاع الخاص بالمرور خلال جميع مراحل المشروع وتكوين فكرة حقيقة عن المخاطر الإقتصادية والفنية التي قد تعترض هذا النوع من المشاريع ومن ثم تغطية جميع ذلك بتعديل المُنظّم للتنظيم الخاص بطاقة الأرض الحرارية. ومن أهم هذه الدول فرنسا وأندونيسيا والفلبين وآيسلاندا وكينيا ونيوزيلاند وأستراليا وتركيا والمكسيك وكوستاريكا والسلفادور ونيكاراجوا وأثيوبيا. وفي أغلب الأحوال استخدمت هذه الطريقة في البدايات الأولى من إطلاق برامج طاقة الأرض الحرارية في تلك الدول.
وبعض الدول، في حالات أخرى، أخذت المخاطرة الإقتصادية على عاتقها وقامت بتنفيذ مرحلة البحث والتنقيب من بدايتها وحتى حفر البئر التجريبي. وبعد التأكد من وجود مكمن الحرارة الأرضية وأهليته لتوليد الطاقة الكهربائية، عهدت إلى القطاع الخاص بإكمال مراحل المشروع حتى تشغيله وإدارته على طريقة الـ IPP. ومن أهم هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وتركيا وأندونيسيا والفلبين ونيوزيلاندا وآيسلاندا.
وفي حالات أخرى قامت الدول بتنفيذ مرحلة البحث والتنقيب إلى حفر البئر التجريبي وبعد التأكد من وجود المكمن الحراري وأهليته لتوليد الطاقة الكهربائية قامت أيضا بحفر بئر الإنتاج (production well) وبئر الحقن (injection well) ومن ثم تعهدت إلى القطاع الخاص بتنفيذ المرحلة الأخيرة من المشروع وهي إنشاء محطة الكهرباء ومن ثم التشغيل والإدارة على طريقة الـ IPP. في هذه الحالة قامت بعض الدول مثل أمريكا واليابان وإندونيسيا والفلبين بتسليم بئري الإنتاج والحقن إلى القطاع الخاص بدون عائد مالي. وفي حالات أخرى قامت دول مثل نيوزيلاندا وتركيا وكينيا بالدخول في شراكة مع القطاع الخاص. وانفردت كينيا من بين بقية الدول بأن تكون شراكتها في المشروع على شكل بيع الطاقة الحرارية الخارجة من باطن الأرض على القطاع الخاص.
وفي حالات نادرة التزمت بعض الدول بتحمّل تكلفة بوليصة تأمين خاصة بمرحلة البحث والتنقيب إلى حفر البئر التجريبي. ومن ثم سمحت للقطاع الخاص بتنفيذ جميع مراحل المشروع. ولم ينجح هذا الحل كثيرا بسبب عدم المعرفة الحقيقية لدرجة المخاطرة الإقتصادية وبالتالي كان من الصعب على شركات التأمين تقييم المخاطر مما أدى إلى إرتفاع قيمة بوليصة التأمين. ومن أهم هذه الدول فرنسا وألمانيا.
والجدير بالذكر أن البنك الدولي لديه صندوق تمويل قيمته ثلاثة بليون دولار بإسم Clean Technology Fund (CTF) لمساعدة الدول على إطلاق برامجها الخاصة بطاقة الأرض الحرارية. واستفادت منه دول جنوب أمريكا وشرق أفريقيا والمكسيك.
كانت هذه أهم الحلول التي اتبعتها الدول للتغلب على المخاطرة الإقتصادية العالية في مرحلة البحث والتنقيب عن طاقة الأرض الحرارية الكامنة. هذا بجانب الطرق التقليدية للتحفيز التي اتبعتها بعض الدول مثل الإعفاءات الضريبية وشراء الطاقة الكهربائية بأسعار تشجيعية عالية.
ولن تكون المملكة إستثناءً في عملية إطلاق مشاريع طاقة الأرض الحرارية إذ أنه لابد من تدخل القطاع العام بشكل أو بآخر لتغطية مرحلة المخاطرة الإقتصادية العالية في مرحلة البحث والتنقيب وخفضها إلى المستوى المناسب لقابلية تمويل البنوك ومن ثم إطلاق يد القطاع الخاص ليقوم بدوره في تنفيذ مشاريع توليد الطاقة الكهربائية. وهذا تماما ما تقوم به مبادرة ”التنقيب عن طاقة الأرض الحرارية في المملكة وتقييمها“ والتي يشترك فيها كل من ”برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية“ و ”هيئة المساحة الجيولوجية السعودية“.
ولعله من حسن الحظ أن تتمتع المملكة بعدة مميزات فيما يخص طاقة الأرض الحرارية الكامنة قد تفتقدها العديد من الدول الأخرى. ومن أهم هذه المميزات:
إن من واجب القطاع العام في المملكة تحمّل مسؤولياتهم واستثمار تلك المزايا والعمل على القيام بعمليات البحث والتنقيب عن مكامن الأرض الحرارية في المملكة وإطلاق مشاريع طاقة الأرض الحرارية للقطاع الخاص. حيث أن هذا يتماشى تماما مع تطلعات وأهداف رؤية المملكة 2030 فيما يخص الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري مما يعني أيضا المساهمة الفعالة في الوصول إلى الحياد الصفري.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال